قهوة الأحد: العالـم العربي والتحديات والمخاطر القادمة

يعيش العالم العربي فترة مخاض كبيرة في السنوات الأخيرة لعبت دورا كبيرا في زعزعة ركائز النظام السياسي

والمؤسسات الموروثة عن دولة الاستقلال وعن الفترة الوطنية .

لقد تميزت الفترة الوطنية في اغلب الدول العربية بهيمنة منظومة الدولة التحديثية والقوية والتي تحولت تدريجيا إلى موقع الاستبداد والتسلط. إلا أن هذا النظام السياسي بدأ يعرف أولى أزماته مع نهاية الستينات وهزيمة الأنظمة الوطنية أمام العدو الصهيوني.
إلا أن الطفرة البترولية والتي ابتدأت مع ارتفاع أسعار النفط في بداية السبعينات وإثر حرب 1973 مكنت النظام العربي من تجاوز أزماته الأولى وواصلت الدولة التحديثية هيمنتها على المجال السياسي لتصبح اللاعب الوحيد ولتقصي كل القوى المعارضة.

إلا أن هذا النظام السياسي العربي سيعرف نهايته وأزمته الكبيرة منذ نهاية القرن. فمن الناحية السياسية سينغلق هذا النظام على نفسه ليقصي بقوة الاستبداد والعنف كل معارضيه ويرفض كل اختلاف في الرأي .أما من الناحية الاقتصادية فقد بقيت اغلب البلدان العربية رهينة النظام الريعي ولم تتمكن من القيام بالتغييرات والإصلاحات الضرورية من اجل المرور إلى نمط تنموي جديد مرتبط بالصناعات الجديدة. أما على المستوى الاجتماعي فبعد الفترة الذهبية لفترة الاستقلال والتي عرفت نموا كبيرا للطبقات الوسطى دخلت اغلب البلدان العربية مرحلة أزمة العقد الاجتماعي لتعرف تصاعد التهميش والتفاوت الاجتماعي والبطالة والفقر .

فتحت أزمة النظام السياسي العربي فترة جديدة أو مرحلة الثورات التي انطلقت من بلادنا في 2011 ليعيش فيها العالم العربي وضعية جديدة تميزت بعدم الاستقرار والتردد والخوف أمام التحولات الكبرى .وفي رأيي فان هذه المرحلة وهذا التردد لازالا قائمين بسبب جسامة وأهمية التحديات الكبرى التي يواجهها العالم العربي .
وفي رأيي فإن المنطقة العربية تواجه خمسة تحديات ومخاطر أساسية تساهم في عدم الاستقرار وعدم الوضوح في الرؤيا وضبابية الأفق .

1 - الصراعات ، الإرهاب، الشعبوية وعدم الاستقرار السياسي
لقد كانت لأزمة النظام العربي انعكاسات سياسية كبيرة .فقد عرفت الفترة الأخيرة تزايد الصراعات في عديد البلدان والتي تحولت إلى حروب مدمرة عصفت بمقومات الدولة الوطنية كما هو الشأن في سوريا وليبيا واليمن. ولم تقتصر انعكاسات هذه الحرب على البلدان نفسها بل تجاوزتها الى بلدان الجوار حيث كان لها تأثير كبير من خلال الهجرة الجماعية للمدنيين وتداول السلاح .

كما كان سقوط النظام العربي وراء نهاية سيطرة الدولة على العنف الشرعي وتنامي المجموعات الإرهابية التي سيطرت في فترات معينة على مناطق كاملة في العراق وسوريا وليبيا في تحد صارخ للدولة الوطنية .
كما عرفت كذلك عديد البلدان العربية تصاعد القوى الشعبوية وتزايد مخزون الرفض للنخب العربية وللدول الذي عبرت عنه في اغلب البلدان العربية .

كل هذه التطورات جعلت من عدم الاستقرار السياسي وضبابية الرؤية من ابرز سمات الواقع العربي ومن أهم ملامحه لتشكل احد أهم المخاطر التي تعيشها المنطقة في السنوات القادمة.

2 - الأزمة العالمية والحروب التجارية والمخاطر الدولية
إلى جانب المخاطر السياسية وعدم الاستقرار الذي تعيشه المنطقة فان الوضع العالمي سيشكل إحدى مصادر القلق والخوف من المستقبل .ولعل من أهم مصادر الانشغال والخوف في الوضع العالمي تخص هشاشة النمو العالمي والذي شهد تراجعا كبيرا في الأشهر الأخيرة .فحسب توقعات صندوق النقد الدولي فان مستوى النمو لسنة 2019 لن يتجاوز %3 بعد أن كان في مستوى 3.6 % سنة 2018 .

وتراجع النمو العالمي له انعكاسات سلبية على البلدان العربية لا فقط المصدرة للبترول بل كذلك البلدان المصدرة للسلع الصناعية كما هو الشأن لتونس وللمغرب.
وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن نسبة النمو لن تتجاوز 0.5 % في المنطقة العربية وهي اضعف نسبة نمو مقارنة بكل جهات العالم الأخرى.

وتراجع نسبة النمو العالمي مرتبط كما أشارت إلى ذلك أغلب التحاليل العالمية إلى تصاعد الحروب التجارية الخاصة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية وتصاعد الإجراءات الحمائية .
وستشكل الوضع العالمي وتراجع النمو وتصاعد الحروب التجارية احد أهم المخاطر التي ستلقي بظلالها على الوضع العربي كما هو الشأن بالنسبة لأغلب جهات العالم .

3 - الأزمات الاقتصادية ،هشاشة النمو وتصاعد المديونية
لا تقتصر المخاطر التي تهمين على المنطقة العربية على المسائل السياسية والدولية بل تهم كذلك الوضع الاقتصادي المتردي الذي تمر به المنطقة منذ سنوات .فقد شهد الوضع الاقتصادي في البلدان تراجعا كبيرا حيث لم تتجاوز نسبة النمو 0.5 % سنة 2019 حسب توقعات صندوق النقد الدولي. وهذه النسبة إلى جانب أنها الأضعف في كل جهات العالم فقد عرفت تراجعا كبيرا مقارنة بنسبة 2018 حيث كانت في مستوى 1.6 % - وهشاشة النمو وضعفه تهم البلدان المصدرة للبترول حيث ستكون نسبة النمو سلبية بمستوى %1.3 - حسب توقعات صندوق النقد الدولي وفي تراجع كبير بالنسبة للبلدان العربية الأخرى (3.6 % سنة 2019 مقارنة بـ4.3 % سنة 2018).

ولا تقتصر مظاهر الأزمة على هشاشة النمو بل تمتد كذلك إلى التوازنات الكبرى فلقد عرفت المالية العالمية تدهورا كبيرا حيث سيصل العجز إلى 4.7 % - سنة 2019 بعد ان كان بـ3.2 % - سنة 2018. وهذا التردي سيضر بالبلدان المصدرة للبترول حيث سيكون العجز بـ%3.9 - سنة 2019 والبلدان الأخرى حيث سيصل العجز إلى 7 % -.
كما ستعرف البلدان العربية كذلك تصاعد عجز الميزان الدفوعات الذي سيكون سلبيا بـ0.3 % - بالنسبة للبلدان المصدرة للبترول سنة 2019. بعد أن كان ايجابيا سنة 2018 بمستوى 2.9 % سنة 2018. أما البلدان غير المصدر للبترول فان العجز ولئن شهد بعض التراجع سنة 2019 فانه بقي في مستويات مرتفعة ليصل 5.9 % -.
تشير هذه الأرقام والمؤشرات إلى هشاشة الوضع الاقتصادي في البلدان العربية وترديه. ومن الانعكاسات الهامة لهذا الوضع هو تصاعد المديونية لأغلب البلدان العربية .

هذا الوضع الاقتصادي هو في رأيي نتيجة للسياسات الاقتصادية الموجهة للاستقرار والتي اتبعتها اغلب البلدان العربية بدعم من صندوق النقد الدولي واغلب المؤسسات الدولية وستصبح هذه السياسات ونتائجها الاقتصادية من أهم مصادر المخاطرة والتحديات التي تواجه العالم العربي في السنوات القادمة .

4 - التأخير في التحولات الكبرى
يعيش العالم على وقع التحولات الكبرى في عديد الميادين ومن أهمها ميداني الطاقة والتكنولوجيا .وفي رأيي فإن العالم العربي يعيش تأخرا كبيرا في هذين المجالين.
وتقتصر سياستنا في هذا المجال على بعض المبادرات هنا وهناك لا ترتقي في رأيي إلى استراتيجيات كبرى تساهم في دخول العالم العربي بكل قوة إلى القرن الحادي والعشرين وفي رأيي فان هذا التأخر سيكون له انعكاسات سلبية ومن ضمنها تزايد الانحباس الحراري في المنطقة وتأخرنا في ميدان الذكاء الاصطناعي وكل الصناعات الجديدة .

5 - صعود التفاوت الاجتماعي والبطالة والفقر
تشير اغلب الدراسات إلى انه بعد عقود من النمو الاجتماعي ومن تركيز طبقة متوسطة وبناء عقد اجتماعي تضامني تحت إشراف دولة الاستقلال فقد دخل العالم العربي فترة أزمة اجتماعية كبيرة في السنوات الأخيرة . فقد عرفت اغلب البلدان العربية تصاعد البطالة وبصفة خاصة بطالة أصحاب الشهائد وتزايد الفقر. كما تشير الدراسات اليوم الى ان العالم العربي أصبح يعيش الأمراض الاجتماعية للعصر وبصفة خاصة تزايد وتنامي التفاوت الاجتماعي والتي تشكل احدي مصادر عدم الاستقرار والقلق في المنطقة العربية وتتطلب إعادة بناء العقد الاجتماعي العربي .
يعيش العالم العربي فترة من الخوف والتردد وعدم الاستقرار أمام الاضطرابات والتحولات الكبرى التي يعيشها العالم.وتضع هذه المرحلة الكثير من المخاطر والتحديات وتتطلب إعادة بناء المشروع العربي لغرس الأمل في المستقبل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115