من المشاريع وأفكار المشاريع التى لا نعلم لماذا تأخر الإعلان عنها كل هذا الوقت.. من بين هذا «الغيث المؤجّل النّفع» ما صرّح به وزير التربية مؤخرا انه سيتم قريبا إطلاق برنامج يرمي الى توظيف شبكات التواصل الاجتماعي في البرامج الدراسية في مختلف المستويات التعليمية، الابتدائي والإعدادي والثانوي...
مما لا شك فيه،
أعلم جيدا أنكم حاولتم أن تنقذوا ما يمكن إنقاذه مما تبقى من بناء تربوي آيل للسقوط لا محالة...
وأنكم نجحتم فى الحد الأدنى منذ توليكم الوزارة فى التعامل الحازم مع الغزوات القطاعية الشعبوية التى كادت أن تعصف بالسنة الدراسية، وانطلقتم بجدية فى قطع الخطوات الأولى لرقمنة القطاع بإقرار التسجيل عن بعد...
كما أٌدرك أيضا أنّكم فى سباق مع الزمن الحكومي الذي شارف على نهايته بتشكيل حكومة جديدة قد لا تتوزّر فيها مجدّدا.. وأنّكم تبحثون على منجز نوعي جديد قبل المغادرة.. وهذا حقكم المطلق !
وأن الرقمنة أمست حصان طروادة لكل راكب فاته القطار.. وأنّ «التربية على مواقع التواصل الاجتماعي» كفيلة بتحصين أبنائنا من شرور «مملكة زوغربيرغ الفايسبوكية»، وهذا أمر جيد بجميع المقاييس، لا نستطيع إلا تثمينه حتى وان جاء فى الوقت بدل الضائع !
لكن معذرة !
الم يكن من باب الإنصاف منح « قيصر ما لقيصر» حتى بمجرد التنويه او الدعوة بالمشاركة فى صياغة هذا المشروع الرائد وأنتم على أبواب تشكيل لجنة خبراء للغرض ؟
ألم تصل «التربية على مواقع التواصل الاجتماعي» أو الأصحّ «التربية على الميديا» الى مسامعكم عبر شخصي المتواضع عند بداية مباشرتكم لمهامكم على رأس «المعهد التونسى للدراسات الإستراتيجية»؟
ألم أوجّه اليكم في الغرض عبر البريد الالكتروني مؤلّفي الصادر بباريس موفى سنة 2015 بعنوان:
L’Education aux médias et à l’information en Tunisie: Antidote contre la cybercriminalité
كأوّل كتاب تناول هذا التخصّص على المستوى العربي ويٌوزّع الى اليوم فى العديد من دور النشر الأوروبية ؟
ألم يبلغكم أو يبلغ مصالحكم المكلفة بالملفّ - وانتم المتابعون الجيدون لآخر ما صدر من بحوث وندوات - أنني حاضرت حول هذا الموضوع فى العديد من المناسبات.. وأعددت العديد من الورقات البحثية فى خصوص «التربية على الميديا» نٌشرت بالصّحف الكبرى فى الداخل والخارج أهمها بحث أكاديمي موثّق بالمراكز البحثية لأعرق جامعتين بفرنسا تحت عنوان:
Les droits de l’homme en Tunisie face au défi terroriste :Problématiques & Alternatives?
ألم يبلغ إلى مسامعكم الكريمة إنني تقدمت قبل غيري بمبادرة لترجمة «التربية على الميديا» على أرض الواقع من خلال هندسة شراكة بين «المركز التونسى لدراسات الأمن الشامل» و»الوكالة التونسية للسلامة المعلوماتية» للتوقي من مخاطر «الإرهاب السيبرنى» عبر نشر ثقافة «التربية على شبكات التواصل الاجتماعي» فى الوسط التلمذى بصفتي أنذاك «رئيس قسم للأمن السيبرنى» للمركز المذكور؟
اليوم أصبحت متيقنا أكثر من أى وقت مضى بأن مجرّد الحديث عن تغيير مجتمعي حقيقى لا قيمة له على الإطلاق دون اعتراف وتثمين لأفكار ومجهود الآخر.. وأن بداية الطريق نحو أخلقة المشهد السياسي برمته تبدأ حتما «بالتربية على الاعتراف بالجميل»!