الأيام: خلق الانسان ليكدّ ويحيا

الحياة عسيرة، بالطبع. مع الأيّام، تزداد الحياة تعقيدا وعسرا. رغم ذلك، يجب أن نحيا. رغم ذلك، يجب أن نحبّ حياة الدنيا.

أن نعضّ عليها وإن كانت نكدا وغصّة. ما كانت الدنيا نكدا وغصّة. الدنيا، يا سيّدي، نعيم وجنّة. هي بهاء وغناء ووجد... ما كانت الحياة في تونس عسيرة، من قبل، مرّة. في ما مضى، كانت تونس تحيا. رغم العسر، كان التونسيون في زهو، في تطلّع، يسبحون في أفق رحب. كنّا في ما مضى نحيا. نحبّ الدنيا. نعضّ على الدنيا...

انتهى ذاك الزمن. غدا العيش في تونس عصيبا، صعبا. ضاقت البلاد وفيها اليوم توتّر واضطراب وفوضى. نعم، في تونس اليوم ضيق وشدّة. من حولي، كثر التشكّي وعمّ. مع الثورة، ازداد الوضع شدّة وحدّة... رغم العسر وما كان مع الثورة من تعثّر وفوضى، يجب أن نحيا، أن نتفاءل خيرا، أن نؤمن بأن الغد لا محالة أفضل. أن نسعى ونكدح ولا نيأس ونرى من خلف السحب شمسا تنير وتنشر دفئا. يجب أن نحبّ الحياة حبّا جمّا. يجب أن نحيا. مهما تعصّب الظرف ومهما اشتدّت الشدّة، تبقى الحياة جنّة. هي نعيم وهذه أزهار تتفتّح وهذا تفّاح ورمّان وفاكهة أخرى وهذه نساء صبايا ترفرف قبلا وتقتر حبّا...

في هذا الزمن العصيب، يجب أن نعيد للأنفس الأمل. يجب أن نعيد للحياة الحبّ. يجب أن نمرح ونزهو ونفتّح قلوبنا شرقا وغربا. غابت الشمس. لا يهمّ، سوف نسعى ونلقى مصباحا أوشمعة أو عود ثقاب فنعيد الضوء ونغتنم اللحظة وننعم بما كان من خير ومتعة. كلّ في موقعه، كلّ حسب جهده، مهما عسر وضعه، يجب أن يسعى حتّى نرفع الغمّ، حتّى نؤسّس للحياة ونحيا. يجب أن نقبل على الدنيا. أن نحياها وكلّنا ثقة وعزم وكلّنا تفاؤل وشوق. الحياة، يا سادتي، بهيّة، جميلة. الحياة حلوة، بالطبع. يجب أن نغنم منها ما استطعنا. يجب أن نرى النور في الظلمات، نهارا وليلا...
° ° °
في ما أرى، يلقى الكثير منّا لذّة في النحيب، في البكاء المرّ، في التحسّر على ما فات من زمن انتهى وولّى. نحن شعب بكّاء. نحبّ الماضي ونعشق ذرف الدموع بؤسا وحزنا. كذلك هم العرب منذ انبعثت الدنيا. عيشهم نحيب وعويل وأيّامهم مرّة. تراثنا شكوى. أدبنا بكاء. أيّامنا كلّها دموع وحسرة. الكلّ يبكي الأطلال ويبكي على ما كان في الزمن السحيق وما كان من هجر بين عنترة وعبلة. الكلّ يبكي الدهر وما كان في الدنيا من أسى وذكرى. عيوننا الى الماضي مشدودة. قلوبنا الى ما فات مغلولة. نحن اليوم في الماضي نحيا. لا حاضر لنا ولا غد يأتي. عيشنا اليوم ماض انتهى وولّى...

أنظر في التلفزة فألقى تذمّرا وشكوى. أمشي الى الأسواق فألقى تضرّعا وحسرة. أزور الأهل أحيانا فألقاهم حيث تركتهم بين بكاء وشكوى... أنظر في بعض القنوات التلفزيّة وقد غدت القنوات حائط مبكى. تذرف فيها الدموع يمنة ويسرة. ها أنا أستمع الى قول هذا وشهادات الآخر فألقى الكلّ في شقاء، يشتكي، ينحب حظّه... أنا أكره البكاء وأبغض البكّائين. أنا عييت من نحيب الناس حولي، ممّا يأتونه من تضرّع وشكوى. يجب أن ننتهي، أن نكفّ عن البكاء والتسوّل والشكوى. ما بالدموع تنقلب الأيّام ولا بالحسرة ينتهي العسر. ما بالبكاء تتغيّر الأحوال وتتفتّح الدنيا. يجب أن نقبل على الحياة. أن نضحك للدنيا. أن نغنم ما توفّر ونسعى. أن نكدّ حتّى نرى الضوء في القلوب مشعّا. يجب أن ننهض، أن نقف حجرا صخرا في وجه العسر، في وجه الصعاب والعراقيل الأخرى. قد نكبو، قد يصيبنا همّ أو علّة، قد تقسو الأيّام ونذوق المرّ...، لا يهمّ. كلّ هذا ممكن ولن يحبط الممكن لنا عزما. يجب أن ننهض ونعيد الكرّة. يجب أن نمشي الى الأفق الغرّ، نسعى. ذاك شأن الانسان في الأرض. لذلك بعث الانسان في الدنيا. ليكدّ ويكدح ويحيا...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115