الأيام: ما هي أولويّة الأولويّات، اليوم؟

ما هي أولى أولويّات اليوم، في هذا البلد؟ ما هي القضيّة الأهمّ التي حولها يجب أن نلتقي وفيها يجب أن نبذل الجهد واليها نسعى ونكدح؟

حين أنظر من حولي، ألقى أجوبة متعدّدة. هذا يقول: «كلّ القضايا مهمّة ولا فضل للواحدة على الأخرى». يقول الثاني: «القضايا متداخلة، يكمّل بعضها بعضا». أمّا الثالث فيقول: «للدفع بهذا البلد، علينا أن نعتني بالقضاء وفيه محسوبيّة وتبعثر». يؤكّد أخرون أن القضيّة هي أوّلا مقاومة الفساد وقد عمّ ونما. يجب أن نقطع دابر المفسدين وقد تمكّنوا من كلّ أمر وانتشروا في كلّ أرض، جرادا. يقول آخرون يجب أن ندفع بالتنميّة وفي البلاد فقر وبطالة مستفحلة... الى غير ذلك من الهموم الأخرى.

في نظري، ليست هذه القضايا مهمّة. في نظري، قضيّة تونس الأولى والأهمّ هي التعليم. أمّا التنميّة في الجهات وحصر البطالة ومحاصرة الفسّاد وكتابة الدستور وحريّة الصحافة ومناصرة فلسطين ، الى غير ذلك من الشؤون، فهذه جميعا في نظري ثانويّة وليست مهمّة.

نعم، أعتقد أنّ الأولويّة الأهمّ هي التعليم. أمّا القضايا الأخرى فأراها غير ذات أهمّيّة كبرى. التعليم يا إخوتي هو الأصل في الأشياء، هو الجوهر، هو المؤسّس. بالتعليم ترتقي العقول، يسمو الفعل، ترهف الحواسّ، تتّضح الرؤى، يحلو العيش. بالتعليم، تزدهر الحياة، يتطوّر الانتاج، ينعم الناس، تكون الجنّة. أمّا الجهل فهو بؤس دائم وفقر ماسك ورداءة ضاربة وبلاء في الدنيا وفي الآخرة. نعم، في الدنيا وفي الآخرة. إنّ الدنيا والآخرة هما في علاقة متّحدة. فمن كان عيشه في الدنيا ضنكا كانت آخرته ضنكا ومن كان عيشه في الدنيا حسنا، كانت آخرته الجنّة. هل يدرك المسلمون؟

لا يهم إن كان في البلاد قانون جائر. لا يهم، انّ كان الجوع في الأرض منتشرا وهذا تهميش وبطالة وتمييز وتعسّف... المهمّ هو بناء تعليم ناهض، عصريّ، مؤسّس. التعليم الناهض ينهي الجبروت والعوز والظلم. التعليم الناجح إشعال لنار الفرد. فيه إلهام ودفع وتمكين وتمكّن. بالتعليم الناهض يحصل الادراك والتبيّن، ينشأ الوعي، يتحرّر العزم، يتّسع الأفق وتضيء البصيرة نورا من القدس...

أعيد فكرتي. أولويّة الأولويّات يا بني أمّتي هو التعليم، فالتعليم هو حجر الزاويّة، هو المنقذ من الضلال، من الفقر، ممّا نحن فيه من بؤس، من بلاء، من طامّة... أمّا الجهل فهو ظلام مظلم وبصر محبط وغلق وغلوّ... ما نرى اليوم حولنا من إرهاب مخرّب، من توتّر لا ينتهي، من فوضى تتجدّد، من خروقات متعدّدة، من لصوصيّة منتشرة، من سوء عامّ، مشترك... سببه فشل التعليم في الناس وانتشار الجهل في الأمّة. الكلّ يعلم ما في التعليم من خير ونعمة. الكلّ مدرك أنّ الأولويّة الأولى هي: كيف السبيل الى إنشاء تعليم ناهض بالأمّة؟ لكن، لا أحد يرى ولا أحد يفعل. هناك قلّة قليلة وحدها تصرخ لتنبّه، لتؤكّد أن التعليم وحده هو الحلّ، هو المنقذ...

كلّ يوم وفي تونس صراخ وصخب. كلّ يوم ترى الأحزاب واتحاد الشغل والمنظّمات الأخرى تتحدث في كلّ أمر وتدعو وتندّد... فقط ظلّ التعليم نسيانا منسيّا. لا أحد يذكره، لا أحد ينصره، لا أحد ينزل الى الشوارع مدافعا، صارخا أنّ تعليمنا أفلس وأنّ ما تأتيه المدارس والجامعات اليوم فيه تعميق للجهل، فيه عبثيّة... الكلّ على علم بما أصاب التعليم من سوء عميق ومن تبعثر، فلماذا لا أحد يستنكر، يندّد؟ لماذا نرفض جميعا إصلاح المدرسة العموميّة؟»

يا اتحاد الشغل، أنت الذي كنت نصيرا لهذه الأمّة، يا أحزاب الحكم وأحزاب المعارضة، يا منظّمات حقوق الانسان وحماية الطفل والمحيط والعصافير...، يا رجال التعليم، يا طلبة، يا أئمة الجوامع وشيوخ الزوايا، يا شعب، أنظروا في التعليم وكيف غدا اليوم مقبرة. أنظروا كيف السبيل الى إخراجه من الورطة. أنزلوا الى الشوارع واصرخوا واعتصموا واقطعوا الطرق واحرقوا السماء والأرض لننتبه للخطر المحدّق، لنفكّر في المسألة، لنتدارك الوضع الرديء...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115