الأفراد ها هي اليوم تٌقدم على مرحلة جديدة في طريق استكمال برنامجها الخوارزمي الذكي في الاطباق الافتراضي على العالم بأسره عبر إطلاق مشروع العملة الافتراضية «ليبرا» في خطوة قد تٌشكّل تهديدا مباشرا للنظام المصرفي الدولي والسيادة النقدية للدول وفق أجراس الإنذار التي أطلقها العديد من الخبراء وقادة العالم.
لمن لا يعلم تعني كلمة «ليبرا» اصطلاحا الميزان، أما تقنيا هي عبارة عن عملة افتراضية في طورها التجريبي Phase bêta أٌطلقت بمبادرة العملاق الرقمي «فايسبوك» وبالشراكة المفتوحة لقرابة 28 شركة من كبريات المنصات الدولية للدفع على غرار Visa - MasterCard - PayPal.. اتخذت من جينيف مقرا لها تحت يافطة «اتحاد ليبرا» Consortium Libra، اختيار سويسرا لم يكن وليد صدفة بل فرضته محدّدات جغرا-سياسية، من جهة تٌعدّ البيئة المثالية المتخصصة في تطوير تكنولوجيا «سلسلة الكتل» Blockchain العمود الفقري للعملات الافتراضية ومن جهة ثانية أملته قراءة جيوسياسية متبصّرة للمكانة المالية المؤثرة لسويسرا داخل الفضاء الأوروبى، للإشارة فإن فايسبوك تستند في تمدّدها الجيو-الرقمي Géo-digital على مجموعة من الدراسات والبحوث المتطورة الصادرة عن مخابر التفكير المتخصّصة في التفكير الاستراتيجي الرقمي والذكاء الاصطناعي.
ومن المتوقع إطلاق عملة «ليبرا» بشكل رسمي مع حلول السنة القادمة بصيغة معدّلة ومتطورة من تقنية سلسلة الكتل Blockchain.. وتحويل الأموال سيكون أول الخدمات المالية ليتم توسيع قاعدتها فيما بعد للمعاملات التجارية كدفع الفواتير وغيرها من الخدمات.. بالموازاة لمشروع «ليبرا» بادرت فايسبوك بتأسيس شركة فرعية عن «اتحاد ليبرا» تٌدعى «كاليبرا» Calibra يٌشرف عليها «ديفيد ماركوس» قائد فريق «البلوكشين» في فايسبوك هدفها إنشاء وفتح محافظ مالية افتراضية Portefeuille virtuel بغرض تيسيرعملية تداول عملة «ليبرا» على نطاق واسع.
مقارنة بباقي العملات الافتراضية المشفّرة تتميز عملة «ليبرا» عنها بأنها ستٌدعم باحتياطي نقدي حقيقي وهائل من الدولار واليورو والين الياباني .. تٌحظى بدعم غير مشروط من قبل أبرز مراكز النفوذ المالية الخاصة في العالم وتتوفر على سوق واسعة وضخمة من المستخدمين تٌعدّ بالمليارات سواء على منصة «المسانجر» أو «الواتساب».. وقد أقحمت جميع البنوك المركزية في العالم لأول مرة فى تاريخ الاقتصاد السياسي الحديث في معركة وجودية «سارترية» حقيقية أثارت العديد من المخاوف وموجة من الاستهجان والنقد من قبل عدد من قادة العالم، وستكون على أولوية جدول أعمال القمة القادمة للدول الصناعية السبع الكبرى G7.
يمكن تبويب المخاوف المٌعبّر عنها هنا وهناك حول العملة «ليبرا» الى صنفين:
• صنف أوّل صادر من داخل المنظومة الفايسبوكية ذاتها حيث صرّح أحد مؤسسي موقع «فايسبوك» «كريس هيوز» الذي تحوّل فيما بعد الى أحد أشد منتقدي سياسات فايسبوك أن عملة «ليبرا» ربما تنقل السلطة النقدية الى المكان الخطإ بقوله بأن « ليبرا اذا نجحت حتى بشكل متواضع، فإنها سوف تنقل الكثير من السيطرة على السياسة النقدية من البنوك المركزية الى هذه الشركات الخاصة إذا لم تتحرك الهيئات التنظيمية العالمية، ومن الممكن أن يكون قد فات الأوان...» مضيفا «قد يعاد توزيع تلك السلطات لصالح الشركات المتعددة الجنسيات...» وفي مقال له نشرته صحيفة «فيننشال تايمز» أكّد « بان رعاة العملة الجديدة «ليبرا» محقون في أن العملة ستجذب الكثيرين في الأسواق الناشئة لدرجة أن تحدّ من تداول الأشخاص لعملاتهم المحلية مما سيمثل تهديدا لقدرة حكومات الأسواق الناشئة على التحكم في مواردها المالية...».
• صنف ثان - نٌقدّر أنه الأهم - متأت من خارج المنظومة الفايسبوكية، بالتحديد وزراء المالية للعديد من الدول الكبرى ومدراء بنوك مركزية ومواقع الكترونية متخصصة.
في تقرير نشره موقع «كوارتز» الأمريكي تمت الإشارة الصريحة إلى أن «العملة الرقمية التي أعلنت عنها الشبكة الاجتماعية العملاقة تستطيع أن تٌعيد تشكيل تسلسل السيادة الهرمي العالمي...» كما حذرت باحثة الأمن القومي بجامعة بنسلفانيا كلير فينكلشتاين بأن «عملة ليبرا ربما تحدّ من قوة الدول النامية بما يعنيه ذلك من فقدانها للسيطرة على اقتصادها «ممّا يٌنبئ ببداية - نهاية البنوك المركزية في الدول النامية والاستتباعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المدمّرة التي ستفضي إليها في صورة الاعتماد الدولي الرسمي على عملة «ليبرا».
في نفس السياق عبّر وزير المالية الفرنسي عن مخاوفه العميقة بقوله «بأن جميع أعضاء الدول السبع أعربوا عن قلقهم الشديد ازاء مشروع عملة ليبرا»، كما حذرت مجموعة العمل بإشراف عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي «بينوا كور» في تقريرا لها «من أن هناك جهدا كبيرا من مٌطوّرى الليبرا قبل أن ينتظروا موافقة السلطات المعنية»، كما جاء في ملخص نفس التقرير «إن عملة ليبرا وما شابهها من مشروعات تشكل مخاطر جدية فيما يتعلق بقضايا من بينها غسل الأموال وتمويل الإرهاب وحماية المستهلكين والبيانات والمنافسة العادلة والالتزام الضريبي».
وبغاية التخفيف من حالة الفوبيا والذعر التي أصابت مختلف الأوساط المالية وجهت «فايسبوك» مراسلة الى هيئة سوق المالية الأمريكية ورد فيها أنه «لا يمكنها تأكيد طرح ليبرا أو المنتجات والخدمات ذات الصلة وفقا للجدول الزمني المقترح وقد لا يتم طرحها على الإطلاق» مضيفة «أن مشاركتها في اتحاد ليبرا سيجعلها عرضة لرقابة تنظيمية كبيرة، وإلى غير ذلك من المخاطر التي قد تكون لها تأثيرات سلبية على أعمالنا وسمعتنا أو نتائجنا المالية».
في الختام، لنفترض جدلا أن بلادنا «الفايسبوكية حتى النخاع» قررت لسبب من الأسباب الانخراط طوعا أو قسرا ضمن منظومة ليبرا السرطانية، ماذا يمكن أن يحدث ؟ نترك لكم عناء الإجابة...
يتبع !