بمراحله وخدمات العلاج والصحّة وخدمات رعاية المتقاعدين وغيرهم من الجرحى والعجّز.
1 - في مجال التعليم بمختلف مراحله وفي التكوين أيضا، لتونس اليوم إمكانات مهمّة للتشغيل وللبيع المربح. بعد أن غلّق الغرب حدوده في وجه الأفارقة والعرب، يمكن لتونس أن تصبح قطبا تعليميّا مهمّا وقبلة للطلّاب السود والبيض. في ما مضى، حصل في تونس، على أيدي بورقيبة، تطوّر للتعليم لافت. في السنين الفائتة، كانت الجامعة التونسيّة منارة مشعّة. فيها تعليم عصريّ ومنها تخرّج آلاف المهندسين والأطبّاء والأساتذة... بفضل الجامعة، أسّست تونس لنفسها قدرات مشهود بها. تمكّنت من تصدير آلاف الكفاءات في العالم كلّه. كان لهاته الكفاءات، شرقا وغربا، أثر بالغ.
لو ركّزنا على التعليم العالي وحتّى الثانوي والابتدائي وجعلنا منه إنتاجا منظّما له جودة. لو اهتمّ الخواصّ والبنوك، تحت أنظار الدولة وبمتابعة منها، بقطاع التعليم وفتحوا المدارس والجامعات للطالبين للمعرفة من الأفارقة والعرب لأصبحت تونس قطبا عالميّا للخدمات التعليميّة مهمّا ولأمكن توفير الشغل للعاطلين وتحقيق ربح ونموّ...
لكن، ما نراه اليوم في الجامعات الخاصّة من إهمال، من استغلال، من لا مسؤوليّة هو أمر مؤذن بخراب التعليم الجامعيّ الخاصّ في تونس. إن تواصلت الرداءة التي نرى، سوف يتبيّن الناس جميعا سوء ما نقدّمه من تعليم لا يصلح وسوف يهجر الطلبة ونغلق نهائيّا أبواب نشاط واعد...
على الدولة متابعة الجامعات الحرّة. عليها الضرب بقوّة على أيدي العابثين والانتهازيين. نحن في بداية الطريق وكلّ عثرة سوف تعطّل الحركة وتسيء للقطاع كلّه. أمّا لو بذلنا الجهد وأقمنا الجودة فلسوف تزداد أعداد الطلّاب الوافدين ومعهم مال وشغل ونموّ.
2 - تمثّل الخدمات الصحّية قطاعا مهمّا. فيه تشغيل وفير ونفع كثير. كم مرّة، في المصحّات الخاصّة، أرى المرضى وقد جاؤوا من كلّ فجّ. سود وبيض. في حديث مع مريض كامرونيّ، قال ليّ الرجل: «أنا منبهر بما توفّره المصحّات التونسيّة من خدمات طبّيّة جيّدة وبأثمان جدّ منخفضة. لو ذهبت الى فرنسا أو غيرها من البلاد الأخرى للمعالجة لكان العبء أثقل ولكنت دفعت أضعافا وأكثر... الأثمان عندكم، في كلّ شيء، زهيدة. مع العلاج، اشتريت لنفسي ولصبيتي أحذيّة وثيابا وأشياء أخرى كثيرة». أمّا المريض الليبي، ذاك الذي لقيته في عيادة طبيبة للأعين فكان يقول لمن أراد سماعه: «ان تقدّم الطبّ عندكم مذهل وهذا بفضل الرئيس بورقيبة الذي طوّر التعليم وحرّر المرأة». ثم بصوت عال، كان يترحّم على روحه الأبيّة...
ما يحصل اليوم في الخدمات الطبّيّة منعش للاقتصاد وفيه حركيّة ماليّة مهمّة. حين أرى المرضى الأجانب في المصحّات يشدّني فخر رغم ما في أثمان المصحّات من ارتفاع وشدّة... ما يجب اليوم فعله هو مواصلة السعي الحثيث حتّى يتدعّم القطاع ويتواصل هذا التدفق. حتّى تزداد أعداد الوافدين.
أدعو المهتمّين وأيضا السلط ترتيب سياسة تزيد في نهضة القطاع وترفّع من فاعليّته. كان لا بدّ من الدفع بسفاراتنا في العالم لمزيد التعريف بما ننتج، بالدعاية المحكمة لاستقطاب المزيد من الجرحى ومن المرضى في العالم المتقدّم والمتخلّف...
3 - أمّا القطاع الآخر فله علاقة بالناس المسنّين وغيرهم من المقعدين والعجّز. اليوم وقد طالت أعمار الناس وامتدّت، أصبح الكثير من كبار السنّ ومن حطّه المرض أعباء على عائلاتهم وعلى الصناديق الاجتماعيّة. لهؤلاء، يمكن لتونس، أن توفّر ما يلزم من إقامة ومن رعاية. يمكن استقطاب الكثير منهم، صيفا وشتاء. تونس قريبة من الغرب وفيها طقس معتدل وبحر بهيّ ويد عاملة وفيرة...
كما فعلت المغرب، يجب الحرص على دعم هذه الخدمات وتوفير ما يلزم من ضروريّات الرعاية الجيّدة والمتابعة الحسنة. هذه خدمات «سياحيّة» من نوع آخر. هي خدمات أكثر تشغيليّة وفيها أكثر ربح. في تونس، لنا من النزل والفنادق ما يزيد عن الحاجة وتحويل بعضها الى ديار للمتقاعدين والمقعدين فيه خير للبلاد ومستقبل واعد للعباد.
نقطة أخيرة رابعة. رفضت تونس استقبال المهاجرين الأفارقة الزاحفين من كلّ أرض على بلاد الغرب. على خلاف تركيا التي فتحت للاجئين فضاءات محروسة واخذت مقابلا ماليّا وفيرا، رأت تونس أن في هذا مغامرة وأخطارا... قد يكون ما قالت تونس صحيحا. لكن، رفض المقترح الغربيّ قد يفوّت على البلاد فرصة للربح، للاستثمار، للتشغيل. ما نشكوه من سوء تنميّة، من بطالة يدفعنا الى النظر في كلّ الحلول وفي كلّ السبل. الى دراسة هذا المشروع وغيره والبحث في ما فيه من خير ومن شرّ... أمّا الرفض بدعوى أنّ فتح الأرض للمهاجرين غير الشرعيين قد تصحبه عواقب سيئة وخلل في الأمن... فهذا فيه تسرّع.
الهجرة غير الشرعيّة هي اليوم ظاهرة عامّة، عالميّة، مستديمة. لن تتوقّف الهجرة يوما قريبا بل سوف تزداد مع السنين تفاقما وتعاظما. يجب على العالم ايجاد للمعضلة حلول. يجب على تونس، وهي المطلّة على المتوسّط، أن تساهم في قضايا العالم، أن تشارك في إيجاد الحلول. علينا أن ننظر في المسألة بجدّ. علينا أن نلعب دورنا دون تخفّ أو هروب.