دينهم هو الأكرم. لغتهم العربيّة وهي عندهم الأثرى والأمتن. على خلاف البشر، للتونسيين حضارة عريقة وأجداد فطاحل وأرض خضراء وبحر أزرق...
تكلّم إن شئت مع من شئت من الناس حولك واسمع ما يحمله الناس من رياء، من نرجسيّة. الكلّ يقول لك ويؤكّد أنّه الأصل والفرع وأنّه الأوّل والمرجع. أمّا سواهم من الناس فلا وجود لهم في الأرض ولا هم يحسبون. في نظر التونسيين، كلّ من ليس منّا تحوم حوله شبهات وريبة. فيه، بالقوّة، نقص وتشوّه...
التونسيّ عاشق لنفسه. لا يحبّ غير نفسه. إن هو يوما التقى بالآخر وناصره فاعلم أنّه من ذوي القربى وبينهما دم. هو ابن عشيرته. عندنا، ان كان أخوك فانصره ظالما أو مظلوما. ان هو ليس بأخيك فالعصى له. يقول المثل الشعبيّ: «أنا ضدّ أخي. أنا وأخي ضدّ ابن عمّي. أنا وأخي وابن عمّي ضدّ الآخر»... في هذا البلد، نكره الآخر. نكره كلّ آخر مختلف. كذلك، ترانا في صراع مع الآخرين دوما. مع بعضنا بعضا، أحيانا أخرى. دوما نحن في نزاع، في تفرقة. بين البلدان العربيّة الاسلاميّة هناك دوما نار تشتعل. بين الجهات، هناك تنابز وأحيانا تصارع. في نفس الجهة، في نفس القرية، في نفس الحيّ، هناك انقسام وتجزّأ. أحيانا، هناك تباغض.
***
لماذا يكره التونسيّون «إخوتنا في الوطن» اليهود، كما كتب أحمد ابن أبي الضياف، قديما؟ لماذا نكره السود من بني الوطن ومن غير بني الوطن؟ لماذا نكره المثليين والنساء العازبات وكلّ الغرب وما كان من علوم؟ لماذا نحيا في الجاهليّة وعلى أبوابنا حرب البسوس؟
تمشي الى العالم فترى العالم في اختلاط جميل وترى البشر من كلّ لون، من كلّ لغة، من كلّ دين، باقة ورد، جاؤوا ليتعاضدوا من كلّ فجّ بعيد. في تعاون، في تدافع، كلّهم في سعي حثيث. انتهى زمن القبائل والعروش. انتهى زمن القوميّة. انتهى الوطن الصغير. رفع من الأرض الدين. ولّى وانتهى زمن النصارى واليهود. لا فرق اليوم بين أعجمي وعربيّ... الأرض، كلّ الأرض، هي ملك للناس أجمعين ولا أسبقيّة لهؤلاء ولا أفضليّة لغيرهم...
تونس ليست للتونسيين وفلسطين ليست للفلسطينيين وبلاد الغرب ليست للغربيين. هذا نحو قديم. هذا نظر أكله الزمن، فيه تفرقة وتقسيم. صحيح، مازال في الأرض يحيا، الكثير من المتعصّبين والعنصريين وأمثالهم من الجهلة والمتزمّتين. سياسة هؤلاء هي التفريق بين البشر. همّهم إثارة العصبيّة ونشر الحروب.
يجب أن تدخل تونس في الفضاء العالمي. أن نفتح الأبواب جميعا حتّى نرى في شوارعنا، في جامعاتنا، في إداراتنا، في كلّ ركن من هذه الأرض أناسا آخرين. جاؤوا من كلّ رقعة. لهم أديان ولغات وقدرات مختلفة... لا فرق عندي بين الأبيض والأسود، بين اليهوديّ والفلسطيني، بين من كان مسلما ومن آمن بالهندوس... كلّهم إخوتي. كلّهم بشر ولهم الحقّ في العيش الكريم.
حين أرى ما حصل من جدل سقيم بعد تسميّة ريني الطرابلسي على وزارة السياحة. حين أرى ما كان من اعتزاز وهيج لدى البعض فينا بعد فوز شابّة صوماليّة في الكنغرس الأمريكيّ. حين أرى ما يحصل من ردود فعل تجاه إرهاب ظالم مظلم يعصف بالناس الأبرياء في الغرب وفي الشرق... أدرك أنّ الطريق نحو هذا العالم الذي أرى مازال عسير التحقيق... متى أرى تونس في يمّ العولمة، تجري مع الناس، تسعى الى الأفضل مع مختلف المتسابقين؟ الى متى سنظل في غلق، في عصبيّة، في قبليّة، نرفض الأخر المختلف، نكره الغرب وخاصّة اليهود؟ الى متى سنعلّق ما نحيا من فشل، من تخاذل، من سوء حال في رأس الأمريكان، في عنق اليهود؟
حادث وحديث: نحن عصبيّون.. متى ننتهي من العصبيّة؟
- بقلم شيحة قحة
- 13:38 13/11/2018
- 856 عدد المشاهدات
لا آتي جديدا إن قلت إن التونسيّين، في معظمهم، عنصريّون. يعتقد التونسيّون أنّهم أفضل خلق الله. هم خير أمّة. كرّمهم الله بالإسلام فكان