الذي يشرف عليه ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان بدأ في وضع لبناته الأساسية مع مشروع «نيوم» الذي تقدر كلفته بـ 500 مليار دولار كما تقدر الأصول التي يديرها المشاركون فيه نحو 22 ترليون دولار وهو ما يجعلنا نقول أن المملكة ستكون بمشروع «نيوم» وجهة جذابة للعقول والأدمغة الكبيرة، وكذلك موطنا للنخبة، وستصبح مقصدا للشركات الكبرى وكبار المستثمرين و قطبا صناعيا وتكنولوجيا. نحن نتذكر ظرفية صعود كوريا الجنوبية وأندونيسيا وماليزيا التي انطلقت من وضعية صعبة وأصبحت اليوم محل إعجاب العالم.
1) التلازم بين الإقلاع الاقتصادي والإقلاع الفكري في مشروع بن سلمان
إن تحقيق مشروع «نيوم» سيجعل السعودية في مراتب تنموية متقدمة عالميا في المستقبل. وما يدفعنا إلى هذا التفاؤل هو أن ولي العهد محمد بن سلمان أشار بوضوح في افتتاح هذا المشروع إلى ثلاثة أشياء، أولا، أن التنافسية والربحية ستكون معيارا أساسيا في إقامة المشاريع وثانيا أن نجاح المملكة رهينُ انفتاحها بشكل أكبر على العالم وهو انفتاح اقتصادي وفكري، وثالثا أن الإقلاع الاقتصادي سيصْحبُه إقلاع فكري مشددا على مقاومة التطرف. وهذه المقاربة الشاملة ستضع المملكة أكثر فأكثر على سكة الحداثة الحقيقية ولو بشكل تدريجي.
وأعتقد أن القرارات الجريئة التي اتخذتها المملكة ببادرة من الملك سلمان في تمكين المرأة من قيادة السيارة وإنشاء هيئة علمية لتنقية الحديث النبوي وإبعاده عن القراءات المتطرفة ستسمح للمملكة أن تسهم بفعالية في مشروع التقدم الديني والعلمي والفكري في العالم العربي على أسس سليمة. وأعتقد أن باقي القرارات التحديثية الأخرى ستأتي تباعا مثل إلغاء «ولي الأمر» واستبدال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتشريعات تأخذ بعين الاعتبار ثنائية الحريات العامة والخصوصيات الفردية للمواطن السعودي.
2) مشروع «نيوم» وتداعياته إقليميا وعربيا
إن امتداد هذا المشروع الضخم على مساحة 26500 كلم مربع (90 بالمائة على الأراضي السعودية و10 بالمائة على الأراضي المصرية والأردنية) في موقع استراتيجي هام يؤشر إلى 3 أشياء:
• أولا: دعم التحالف الذي تتزعمه السعودية حاليا فيصبح لا أمنيا فحسب بل وكذلك اقتصاديا وعلميا.
• ثانيا: تحجيم دور قطر التي لن تستطيع مستقبلا أن تكون قطبا جذابا للاستثمار العالمي وهي شبه محاصرة ترابيا. كما أنها لا يمكن أن تمثل سوقا واعدة مقارنة بالسوق السعودية التي ستصبح مع مشروع «نيوم» لها امتدادات مع سوق بـ100 مليون مصري وعشرات الملايين من السكان مع الأردن وعديد الدول العربية وغير العربية.
• ثالثا: لعب دور سياسي على المستوى الإقليمي وربما الدولي في العديد من القضايا الاستراتيجية.
وإجمالا يمكن التأكيد على أن مستقبل المملكة واعد جدا اقتصاديا وسياسيا وأمنيا إذا استمرت هذه الإصلاحات الرائدة (على غرار مشروع «نيوم» والاصلاحات الاجتماعية الأخرى) بنسق متصاعد. ولا يمكن أن نغفل القول بأن تلاقي النهضة العلمية والاقتصادية السعودية مع النهضة العلمية والاقتصادية الإمارتية ستكون من نتائجها، التموقع كفاعل رئيسي في التأثير في الوضع الإقليمي المحتقن وكأحد العوامل في الحد من نفوذ تيار الاسلام السياسي والتيارات المتشددة عبر العالم.
• هناك سؤال أخير نهمس به في أذن القائمين على الحكم في تونس: إلى متى ستبقى هيمنة المحور القطري على المحور السعودي الخليجي قائمة في تونس خاصة في ظل الصعوبات الاقتصادية الحالية؟