وبعد الاطلاع عليها، وإذ تشيد الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية بتناول جريدتكم الغرّاء لهذه المسألة الهامّة، فإنّه، وبحكم موقعها المحوري ضمن منظومة الرقابة والمتابعة يهمّها أن تعقّب على هذا المقال بما من شأنه أن يضفي المزيد من التوضيحات للقارئ. وفي البداية نودّ التأكيد على أنّ الهيئة العليا تؤمّن متابعة تقارير دائرة المحاسبات وجزءا كبيرا من تقارير هياكل الرقابة العامة والتفقد وفق ما تستوجبه هذه العملية من تحفّظ وعدم التشهير بالأسماء ومحافظة على المعطيات وذلك في حدود الصلاحيات التي خوّلها لها القانون، وتعد في ذلك تقريرا سنويا.
غير أنّ ذلك لا ينفي وجود هنات ونقائص على مستوى منظومة الرقابة ككلّ وعلى مستوى المتابعة بصفة خاصّة وذلك نتيجة للعديد من العوامل الموضوعية التي تسعى الهيئة العليا حاليا إلى تجاوزها وضبطت في شأنها استراتيجية كاملة وبرنامج عمل مرحلي. غير أنّ سعي الهيئة لتعزيز دور الرقابة والمتابعة لا يكتمل ويعطي أكله إلاّ بتدخّل السلطتين التنفيذية والتشريعية لتطوير الإطار التشريعي الذي تمارس بمقتضاه الهيئة العليا وبقية هياكل الرقابة صلاحياتها.
ونحن نعتقد أنّ الوقت سانح، في ظلّ سعي الحكومة المحمود لمكافحة الفساد، للنظر في متطلّبات ومقتضيات هذه الحملة والتي تقتضي وجوبا تعزيز دور هياكل الرقابة والمتابعة لضمان استدامة المعركة ضدّ الفساد ولتوفير الإطار المؤسساتي والإجرائي المناسب باعتبار وأنّ الضامن الأساسي لتوفير أسباب الانتصار في هذه المعركة الحاسمة بالإضافة إلى الإرادة السياسيّة والتي تعتبر المحرّك الأساسي لهذه العملية، هو إقحام مؤسسات الدولة القائمة والساهرة على التوقّي من الفساد ومكافحته، بما فيها هياكل الرقابة والمتابعة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وهياكل التدقيق الداخلي والتفقد إلى جانب المجتمع المدني، والاعتماد عليها وتفعيل دورها حتى تصبح سدّا منيعا أمام كلّ ضروب الفساد، وليظلّ هذا المجهود منتظما ومتواصلا ومضمون النتائج وبمنأى عن التجاذبات وتكون دولة القانون والمؤسسات هي المنتصر الوحيد.
والهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية، ومن خلالها كافة مكونات المنظومة الرقابية، إذ تثمّن التوجه المحمود الذي توخّته الحكومة في حربها على الفساد فإنّها تؤكّد على أنّه لا يمكن لأيّ معركة أن يكتب لها النجاح ولا يمكن لها أن تؤتي أكلها إذا ما لم تستند إلى نسيج مؤسسّاتي تتوفر فيه كلّ شروط الموضوعية ومقوّمات النزاهة والحياد. ونحن نعتقد أنّ مثل هذه العوامل والشروط متوفرة في هياكل الرقابة والمتابعة ولكنّها تظلّ في حاجة إلى المزيد من الدعم وتعزيز دورها ومنحها الإمكانيات الضرورية من وسائل قانونية وموارد بشرية.
وباعتبار الموقع المحوري للهيئة العليا ضمن المشهد الرقابي حيث تؤمّن متابعة التقارير الرقابية وبحكم ما اكتسبته من خبرة تقارب ثلاثة عقود من الزمن فإنّها اليوم في موقع يسمح لها بتقييم المنظومة الرقابية، والتي هي الخط الأول في الحرب على الفساد الإداري والمالي، وتقديم مقترحات لتعديل دورها في المقاربة العلاجية التي أصاب كاتب الافتتاحية في التطرق إليها وهو محق في ذلك.
ومن هذا المنطلق تجدر الإشارة إلى أنّ الهيئة العليا قد حظيت مؤخرا، بفضل مساعيها، بشراكة مع جملة من المنظمات الدولية من بينها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE والتي تغطي الشراكة المبرمة معها فترة تدوم 03 سنوات ستمكن من مزيد تحسين اداء الهيئة في مجال متابعة التقارير الرقابية ودعم قدرات المتصرف العمومي في مجال ترشيد التصرف وتنفيذ التوصيات التصحيحية، فضلا عن دعم منظومة الرقابة والتفقد وتعزيز قدراتها. كما تمّ خلال الفترة الاخيرة، توخي سياسة اتصالية تعتمد إبراز نتائج أعمال المتابعة للرأي العام حيث تمّ، في إطار الشفافية، نشر التقارير السنوية لنشاط الهيئة على موقعها الرسمي، كما تمّ تنظيم العديد من الملتقيات التي خصّصت لتحسيس المتصرفين العموميين بأبرز الهنات التي تشوب التصرف العمومي وكيفية معالجتها وتلافي تكررها مستقبلا، لعل أبرزها، الملتقى الذي انعقد خلال شهر فيفري الماضي والذي تطرق لمسألة الأخطاء في التصرف، مع الإشارة إلى أنّه قد أسفر عن إصدار دليل يتعلّق بتلافي اخطاء التصرف أنجزته الهيئة العليا بمشاركة ممثلين عن دائرة المحاسبات وهياكل الرقابة والتفقد وهياكل التصرف وتم توزيعه على العديد من الوزارات والهياكل العمومية كمساهمة في ترشيد التصرف وتحسين الأداء.
وتتواصل المساعي لتطوير وظيفة متابعة التقارير الرقابية في اتجاه المقاربة العلاجية حيث تم خلال الأشهر الأخيرة دعم الوسائل البشرية الموضوعة على ذمة الهيئة العليا بصفة نسبية في انتظار ان يتم تمكينها مستقبلا من الموارد اللازمة لإنجاز المتابعات الميدانية. وتتجه النية أيضا إلى تطوير طريقة المتابعة من المتابعة المستندة إلى المتابعة الميدانية عن قرب من خلال الإصغاء إلى المتصرّفين ووضع أطر جدّية للمساءلة من خلال مقاربة جديدة ستعتمد لأوّل مرة الغرض منها تحقيق القدر الكافي من النجاعة عبر التفاعل مع الجهة المنجزة للتقرير وهي دائرة المحاسبات وهياكل الرقابة العامة والتفقّد وتشريك المتصرفين المعنيين.