بهذه الجملة المرعبة «تونس حاضنة أو هي عشّ الإرهاب العالمي « صدرت جريدة «le figaro» الفرنسية وأوردت في نفس السياق قناة TF1 الفرنسية في نشراتها الإخبارية « تونس المصدّر الأول للإرهاب في العالم فغياب الدولة في تونس فسح المجال أمام التيارات السلفية والجهادية»
هذه صورة تونس ما بعد السنة السادسة للثورة لم تعد تونس مصدّرة للخبرات والعقول والكفاءات المتميّزة ولم تعدّ قبلة السائح واستراحة العطشان للجمال والبحر والخضرة ...
تونس أصابها طاعون الإرهاب في مفاصلها وشوّه وجهها الجميل ..نعم طاعون لا يرجى الشفاء منه ..
كلّ عملية إرهابية تحدث في بقاع الدنيا توجّه أصابع الإتهام نحو واحد من بني جلدتنا ..من تونس وأغلب العمليات كان وراءها الإرهاب التونسي ..هل أصبحنا نخجل من كوننا من تونس ؟ وهل ذنبنا أنّنا من هذا الوطن ؟
بعد عملية برلين وتورّط تونسي فيها وبعد مسيرتي تونس وباردو يوم السبت 24 ديسمبر الماضي ..
تلك المسيرتان اللتان تحملان عنوانا كبيرا «انشطار المجتمع التونسي» نعم انشطارا مرعبا مخيفا في ظرف تحتاج فيه البلاد لبذرات الوحدة في مواجهة طاعون الإرهاب ..
ترى اليوم الوجوه شاحبة ومسحة من الكآبة تخيّم ..إنّه هدوء مخيف قد تزعزعه عملية إرهابية متوقعة ومفاجئة ..نعيش لحظة هتشكوكية في الهدوء الذي يسبق العاصفة ويسبق الطوفان..
إنّه الخوف من عودة هؤلاء القتلة المجرمين وسفكة الدماء ...رغم اليقين الجازم بالخراب المنتظر من عودتهم فإن ّ من اتّهموا بتسفيرهم بالأمس وتجييشهم هم أنفسهم اليوم من يدعون لقبولهم وفتح الأبواب أمامهم وآخر الدعوات المناصرة «اللحم اللي انتان ما ليه كان اماليه» تصريح خطير سانده بقية القطيع ..
وقد تعلّل هؤلاء بالتشبّه بقانون التوبة الذي أصدره الرئيس بو تفليقة في الجزائر سنة 1999 والذي نزل بموجبه المئات من الإرهابيين المتحصنيين بالجبال لتسليم أنفسهم وأسلحتهم للدولة الجزائرية ... وهو تعليل وقياس مع وجود مئات الفوارق وما يخيف أن السنوات السوداء أمامنا وليست خلفنا ...
وما يخيف أكثر أن الفصل 255 من الدستور التونسي والذي نصّه «يحجّر سحب الجنسية التونسية من أي مواطن أو تغريبه أو تسليمه أو منعه من العودة إلى الوطن»..يبيح قانونا عودة هؤلاء وكأنّه فصل وخيط على قياس هؤلاء المجرمين وكأنّهم كتبوه بأيديهم لصالحهم ..
العودة الطاعون
هل نعيش اليوم استحضارا قصة «الطاعون»
La peste» للكاتب الفرنسي ألبير كامو الصادرة عام 1947،بما تتضمّنه من خاصيتي الرعب والكارثة عند ظهور أعداد متزايدة من الجرذان التي تبدأ في غزو المدينة، يرافقها تزايد في وفيات السكان في الشوارع دون العلم بالسبب.. موت جماعي، منظر رهيب ودقّة في الوصف حد الملل تجعلك تعيش تفاصيل خيال وكأنه واقع، ثم طغيان حالة من الهستيريا الجماعية في المدينة...
هذه الصورة هل تتكرر بعودة الإرهابيين؟
هل الحديث عن معالجات ومقاربات قضائية وأمنية ونفسية وتربوية ودينية يجدي نفعا مع هؤلاء وهي التي لم تٌجد نفعا مع من لم يغادروا البلاد أو مع من غادروها وعادوا إليها منذ سنتين أو أكثر وهم يقبعون في السجون أو خارجها ممن لم تثبت إدانتهم؟
الطاعون قادم إلينا من جهتين من خارج تونس بالسماح لعودة هؤلاء وهو سينتشر من داخل البلاد وأكثر تحديدا من السجون فعدد المسجونين قي قضايا إرهابية يناهز 2000 سجين اختلطوا طوال مدد الإيقاف بسجناء الحقّ العام فلو قدر كلّ هؤلاء على استقطاب ودمغجة سجين واحد سنجد ذات يوم آلافا أخرى من الإرهابيين خريجي السجون فرّخناهم بأموال المجموعة الوطنية من حيث ندري أو لا ندري.
نحن اليوم نعيش تلك اللحظة التي عاشها سيدنا عمر بن الخطاب عند خروجه إلى الشام وقد أخبر أن الوباءَ قد وقَع بالشام، فنادى الصحابة وطلب رأيهم فاختلفوا؛ فقال بعضهم: قد خرجتَ لأمر ولا نرى أن تَرجع عنه، وقال بعضهم: معك بقيَّة الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نرى أن تُقدِمهم على هذا الوباء، وحين اشتدّ الخلاف كحالنا اليوم نادى عمر في الناس: إني مُصْبِحٌ على ظَهْر، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح: أ فرار من قَدَر الله، فقال عمر: « نعم، نَفِر من قَدَر الله إلى قدر الله..».
نعم الموقف السليم أن الطاعون لا نقترب منه وافرهاب طاعون فتّاك وكما صرّح الشيخ عثمان بطيخ
مفتي الجمهورية التونسية بتاريخ الجمعة 9 ديسمبر 2016.في فتواه الواضحة ..فلا وثوق في صدق إدّعاءاتهم بالتوبة والندم خاصة من قياداتهم ومنظّريهم ومشجّعيهم ، وهم لا يفكرون في التوبة على ما يبدو حقيقة وإنما تقيّة وخداعا ، حتّى من شبابنا الذين غرر بهم هؤلاء
ورجعوا ولم يلوثوا أيديهم بدماء الأبرياء وقد دفعهم الفقر والجهل والبطالة إلى ذلك فإنّ «الفيروس « قد أصابهم .
وإن احتكمنا إلى القرآن فنجده يصف الإرهابيين بالمخادعين والمنافقين منها قول الله تعالى « فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا الى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئك جعلنا لكم عليهـم سلطانــا مبينا « ( النساء 89 و 90 ).
وليس معنى غلق الأبواب فقبول توبة هؤلاء الذين لم يشاركوا في الجرائم ولم يقاتلوا وكانوا عن جهل وغرر فإن رجوعهم لا يكون هكذا مطلقا وتكون لهم الحرية ويكونوا طلقاء بل لا بدّ من خضوعهم إلى العناية والإحاطة والمراقبة اللصيقة بهم والإحاطة النفسية والاجتماعية والدينية حتى يتبين صدقهم من كذبهم .أما رؤوس الفتنة ومن ظهر كذبهم ومن ارتكب ما ارتكب من الجرائم فلا توبة حقيقية ترجى منهم وهم مسؤولون عن جرائمهم ودماء الشهداء في أعناقهم حتى ينالوا جزاءهم .
علينا أن نختار بين طاعون الانهيار الإقتصادي والسياسي والقيمي وبين طاعون الإرهاب فأي طاعون نختار؟