والاحتفالات… تقريبًا كل العرب، باستثناء الفلسطينيين المشغولين بالبحث عن كيس رز أو، الأسوأ، عن بقايا أخت أو صديق تحت الركام.
وفي هذا السياق المفارق، وقع القاهرة في السابع من أوت 2025 اتفاقًا مع شركة إسرائيلية بقيمة 35 مليار دولار لتوريد ما يصل إلى 130 مليار متر مكعب من الغاز حتى عام 2040. الصفقة، التي صُوّرت كخطوة “استراتيجية”، جاءت بينما كانت غزة تودّع ضحاياها تحت الركام، لتؤكد أن الغاز لم يعد مجرد سلعة، بل أداة نفوذ وسيطرة سياسية.
الكيان، من خلال حقل “ليفياثان” الذي بدأ الإنتاج عام 2019، تصدّر الغاز إلى الأردن ومصر، وتطرح نفسها كطرف فاعل في السياسة الإقليمية. المدير التنفيذي للشركة، يوسي أبو، يروّج للغاز بوصفه “معززًا للاستقرار الإقليمي”، لكن الحقيقة المرة أن كل صفقة غاز تُبرم هي بمثابة طعنة ناعمة في سيادة المنطقة وفلسطين.
مصر: الغاز على أنقاض السياسة
الدولة التي تملك حقل “ظُهر” العملاق (850 مليار م³) تختار أن تستورد الغاز من إسرائيل، فيما الدم الفلسطيني يسيل تحت الجرافات. التمويل يأتي أحيانًا من الخليج، حيث الشعارات تُرفع لفلسطين، والمليارات تتحرك نحو تل أبيب مرورًا بالقاهرة.
الأردن: الشارع يرفض والقصر يوقع
%90 من الغاز الذي يصل إلى البيوت الأردنية مصدره “ليفياثان”. الشعب يخرج في الشارع يهتف لفلسطين ويحرق الفواتير، بينما القصر يمدّد العقود ويمضي على الاتفاقات. في العالم العربي، كلما ارتفع صوت الشارع، أسرع القصر نحو الختم الرسمي.
التطبيع: شبكة أنابيب وخنوع رسمي
إسرائيل لا تبيع الغاز فقط، بل تصور منطقة جديدة:
- التطبيع لم يعد إعلانًا سياسيًا، بل خط أنابيب.
- الاحتلال لم يعد عدوًا، بل شريكًا موثوقًا.
- الغاز لم يعد مجرد طاقة، بل أداة هندسة سياسية.
كل متر مكعب يُباع = متر مكعب سيادة يُسحب.
كل صفقة = غرس ناعِم في خاصرة فلسطين بتمويل عربي.
المفارقة الجغرافية
الجزائر وقطر تصدران الغاز لأوروبا، بينما مصر والأردن تستوردهما من إسرائيل. الجغرافيا تبدو مقلوبة، لكن في زمن الانهيار العربي، المنطق أول ضحايا الخيانة.
الكرامة المباعة
الصفقة الأخيرة مع مصر تبرهن أن الطاقة تحوّلت إلى لغة دبلوماسية جديدة في الشرق الأوسط، لكنها تكشف تناقضًا عميقًا: بينما يرفع الشارع العربي رايات التضامن مع فلسطين، تُترجم الأنظمة ذلك بعقود طويلة مع دولة الاحتلال.
النهاية؟ أنظمة تسوّق للاحتلال، شعوب تُخدّر بالشعارات، ومستقبل يُرهن في شكل صفقة غاز. وسيكتب التاريخ:
“في زمنٍ حاصر فيه العدو غزة… كانت الأنظمة العربية تشتري منه الغاز.”
وفي الأعلى، ترفرف رايات التضامن، وفي الأسفل… تمر الأنابيب فوق الجثث.