• أنّ أقوى موجات الاحتجاج سُجّلت في البلدان الأكثر تورطًا في دعم إسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي شهدت حوالي 12,400 مظاهرة مؤيدة لفلسطين، مقارنة بـ 2,000 مظاهرة مؤيدة لإسرائيل .وتم توثيق قرابة 680 ألف مشارك في 1,060 فعالية بين 7 أكتوبر و26 نوفمبر 2023، توزعت على 468 مدينة في 49 ولاية، بالإضافة إلى واشنطن العاصمة، وبورتوريكو، وجوام. كل هذه الأرقام تعود فقط للفترة الممتدة بين 7 أكتوبر 2023 و7 جوان 2024، وفقًا لـ سجل اتحاد إحصاء الحشود 23(Crowd Counting Consortium).
• شكّل الشباب القوة الدافعة الرئيسية لهذه التحركات. ففي الولايات المتحدة، لعبت الاحتجاجات الطلابية، والمخيمات، والإضرابات )من رياض الأطفال وحتى الجامعات) دورًا محوريًا، مع اعتقال أكثر من 3,000 طالب.
وتميّزت جامعات مثل كلية هانتر(جامعة مدينة نيويورك) ومعهد العلوم السياسية في باريس بكونها مراكز احتجاج رئيسية، حيث استمر الاعتصام واحتلال الفضاءات لأكثر من 60 يومًا.
وساهم الشباب بفعالية في اعتماد أساليب احتجاج مبتكرة ولا عنفية، جمعت بين التكتيكات الرقمية والميدانية، مما أدى إلى تعبئة جماهيرية واسعة النطاق 24.
• كما أدّت المعارضة الجماهيرية الشبابية لحرب الإبادة في غزة، ولسياسة الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، إلى تحولات ملموسة في المشهد السياسي.
من أبرز الأمثلة: فوز الشاب المسلم زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية بمدينة نيويورك مرشحًا عن الحزب الاشتراكي، بنسبة عالية، رغم أن المدينة معروفة تقليديًا بدعمها الواسع لإسرائيل. ومن أولى تصريحاته القوية، عند سؤاله: «ماذا ستفعل إذا زار نتنياهو نيويورك وأنت محافظها؟»، قال: «سأقوم باعتقاله وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية».25
• كما برزت أصوات معارضة داخل إسرائيل نفسها ضد الحرب والاستعمار: نداء وقّعه 3,600 شخصية إسرائيلية يطالب بفرض عقوبات دولية على الحكومة وجنود يرفضون الخدمة العسكرية، ونواب الحزب الشيوعي الإسرائيلي (يهود وعرب) الذين تم تعليق عضويتهم في البرلمان لدعمهم نداء جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية ضد الإبادة الجماعية في غزة، صحفيون في جريدة «هآرتس» أدانوا علنًا جرائم الحرب في غزة وسياسة الاستيطان ومنظمات حقوقية مثل «بتسيلم» و»محسوم ووتش» تواصل فضح الانتهاكات والدفاع عن الأسرى السياسيين الفلسطينيين ، إلخ 26.
• ووفقًا لمسح أجرته صحيفة هآرتس، فإن حوالي 50 ٪ من جنود الاحتياط يرفضون العودة إلى الخدمة، 27 كما قدّم نحو 500 من كبار الضباط استقالاتهم خلال الحرب.
وتشير التصريحات إلى إصابة عشرات الجنود باضطرابات نفسية حادّة، في حالة غير مسبوقة منذ قيام دولة إسرائيل.
• ويتحدث مراقبون عن ارتباك داخلي متزايد داخل إسرائيل، وهناك من يُحذّر من حرب أهلية محتملة بين جمهور وأحزاب اليمين الصهيوني الفاشي وبقية السكان، كما وصف ذلك إيلي برنافي، السفير الإسرائيلي السابق في فرنسا 28 .
وقد وُصِفت هذه الحركة الاحتجاجية بأنها من أوسع وأطول حملات التضامن الدولي في العقود الأخيرة، ويُقارن زخمها فقط بالتعبئة المناهضة لحرب فيتنام، أو لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، أو لحرب العراق عام 2003. وتُعتبر هذه الحركة ظاهرة عالمية عابرة للأجيال وللتيارات السياسية، تتميز بقدرتها على الاستمرارية، والانتشار وكسب فضاءات وجماعات جديدة طوال عامي 2024 و2025».
تظاهرات الدعم للشعب الفلسطيني تتحول الى تحالف دولي ضد النيوفاشية
- في خطوة تُعد الأولى من نوعها، أعلن «الائتلاف الدولي المناهض للاحتلال الاسرائيلي» المشكل من نقابات وحركات تضامن ومؤسسات حقوقية دولية وشخصيات برلمانية وغيرها، من أكثر من 80 دولة -وبتنسيق من قبل لجنة تتضمن شخصيات فلسطينية وأخرى دولية مثل ابن البطل الافريقي منديلا-، إطلاق مبادرة «المسيرة العالمية إلى غزة».
وتهدف المبادرة إلى الزحف نحو معبر رفح في شكل مسيرة سلمية، احتجاجًا على الحصار وللضغط من أجل رفع منع إدخال المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة. وقد استجاب لهذه المبادرة آلاف المتطوعين من مختلف الدول، بما في ذلك عدة دول عربية 29.
- لعبت مبادرة «المسيرة العالمية إلى غزة» أدوارا مهمة ومتعددة، على المستويين الوطني والدولي، ضمن اتجاه نضالي انساني وفي جوهره معادي للنيوليبرالية المتحالفة مع أقصى اليمين. من أبرز هذه الأدوار:
• إحياء ديناميكيات سياسية وانسانية، حيث ساهمت المبادرة في كسر حالة الركود السياسي، وأعادت إحياء ديناميكيات ذات بعد إنساني عالمي. وقد تشكّلت على إثرها تحالفات وتكتلات جديدة، جمعت بين متطوعين من منظمات المجتمع المدني وأحزاب سياسية مع شخصيات وطنية فاعلة في العديد من بلدان العالم. كما أدّت إلى تعبئة جماهيرية واسعة، وخلقت ديناميكيات قوية على مستوى الإعلام التقليدي ومنصات التواصل الاجتماعي، أعادت الزخم للعمل المدني والسياسي.
• تنسيق وتشبيك غير مسبوق على الصعيد الدولي: تحولت المبادرة الى حراك دولي منسق، ضم أطرافا متنوعة من أطباء، ومحامين، وأكادميين، وطلبة، وحركات نسوية ونقابات عمالية وتنظيمات يسارية وغيرها، من ذلك: قامت منظمة «الأممية التقدمية» بحشد جهودها من أجل «المسيرة العالمية إلى غزة»، مؤكدة على الحاجة الى حركة «سياسية ومدنية وإنسانية» عبر وطنية. ودعت الى العمل من أجل فتح ممر إنساني إلى غزة وإلى فرض حظر شامل على إسرائيل (الأسلحة والاقتصاد والثقافة) والى تحرك دولي ضد المواقف الحكومية «الدافئة» 30.
• تحركات ميدانية ونقابية تضامنية: ونظمت «شبكة النقابات العمالية والجمعيات الدولية»، بما في ذلك الاتحاد العام للعمال في فرنسا، حصاراً للموانئ: حيث رفض عمال الموانئ في فوس (فرنسا) وجنوة (إيطاليا) تحميل الأسلحة المتجهة إلى إسرائيل. وأشارت منظمة Peoples Dispatch تفاصيل تجمع النقابيين والطلاب والمنظمات غير الحكومية والأطباء من 50 دولة نحو القاهرة، بهدف إنشاء مخيم تضامن سلمي في رفح لفتح الحدود وتسليم المساعدات 31.
• وعي جماهيري جديد يتشكل: يتحدث الناشطون عن «تقارب في الوعي العالمي»، عبّر عنه الآلاف من المشاركين من أكثر من 80 دولة، الذين أبدوا تذمّرهم من الجمود السياسي الدولي، مؤكدين على «التركيز المطلق على غزة»، وسط خليط من التوتر والأمل في إحداث تغيير فعلي 32.
• ومواقف سياسية وأممية بارزة: أعلنت الرابطة الاشتراكية الدولية تضامنها الكامل مع فلسطين، وأدانت «الإبادة الجماعية» ودعت إلى عالم تلتقي فيه العدالة الإنسانية والاشتراكية ضد الفصل العنصري والإمبريالية 33.
قافلة الصمود المغاربية: تونس تبادر من جديد
- في مشهد احتفالي مؤثر، تجمهر الآلاف فجر يوم 9 جوان في شارع حبيب بورقيبة، حاملين علم فلسطين الى جانب علم تونس، لتوديع عشرات الحافلات والسيارات المتوجهة نحو رفح دعما لغزة، في اطار مبادرة «الصمود». مبادرة انطلق الاعداد لها قبل عدة أشهر من قبل لجنة تنسيقية جمعت منظمات من المجتمع المدني ونقابات وعددا من الفاعلين في الفضاء المدني في تونس، بالتنسيق مع مبادرة «المسيرة العالمية الى غزة». شملت مبادرة الصمود حسب منظميها حوالي 1500 مشارك من تونس وحوالي 200 مشارك من الجزائر الى جانب مشاركين من المغرب وموريتانيا، وانضم اليها لاحقاعدد من المتطوعين من ليبيا.
- تحدٍّ مركّب، شمل قطع مسافة تقارب 3000 كلم، مرورًا بليبيا التي تعاني من انقسامات وعدم استقرار ونزاعات مسلّحة، والحصول على تصريح صعب من السلطات المصرية لدخول رفح والالتحام بالمشاركين من دول أخرى.
ورغم التحديات، مكّنت الجماهيرية الواسعة للمبادرة من تحقيق نجاحات ملموسة، حيث لاقت القافلة ترحيبًا شعبيًا كبيرًا في كل مدينة تونسية وليبية مرّت بها.
- هدفت المسيرة الى تفعيل الدعم الجماهيري للشعب الفلسطيني، والضغط من أجل كسر الحصار على المساعدات الانسانية الموجهة لغزة.
ورغم عدم تمكّن القافلة من دخول الأراضي المصرية، فإن العديد من مكونات المجتمع المدني المصري عبّرت عن تضامنها معها، وامتد صدى القافلة إلى معظم الدول العربية والعديد من بلدان العالم.
- مبادرة نضالية انسانية فريدة من نوعها، وصفها ميلونشون، زعيم حركة «فرنسا المتمردة» بالقول أن «المغرب (العربي) يحمل انسانيتنا في هذه المناسبة» . مبادرة تمت من ناحية أخرى بمساهمة متميزة للقوى الحية في تونس، التي وصفها البعض بكونها جعلت تونس مرة أخرى في صدارة الحدث في المنطقة العربية. فقد نجحت المبادرة من تحقيق عدة مكاسب تونسيا:
o تجنيد جمهور واسع في مختلف جهات الجمهورية،
o إعادة بعث الديناميكية الشعبية التي كانت خامدة في الفترات الماضية،
o توحيد جزء كبير من المجتمع المدني، والفاعلين في العمل المدني والسياسي، ضمن عمل مشترك تتطلع عدة أطراف إلى تطويره وتعزيزه.
غزة تشعل الحناجر وتوقظ الضمائر
- شكّل صمود غزة وناسها مصدر إلهام للحرية في العالم أجمع. فقد كتب أحد الكتّاب أن غزة أعطتنا درسًا في الدفاع عن الحرية والكرامة والعدالة، في زمن انهارت فيه هذه القيم حتى داخل «معاقلها» الغربية. ويضيف « الحرب على غزة تكشف لنا ملامح الحروب المقبلة. لكنّ النضال الفلسطيني يحمل وعدًا بالخلاص…حيث تمكّن مليونان من البشر، محاصرون في رقعة صغيرة، من الصمود في وجه تدمير غير مسبوق.
إنها معجزة العقل الحرّ، لشعب قرر بأكمله التضحية من أجل حريته…نساء، رجال، أطفال، شباب، وشيوخ…جميعهم اختاروا الموت على أرضهم، في بيوتهم، مع أشجارهم وحيواناتهم، بدل التنازل عن قيم الحرية والكرامة....، هذا هو الدرس الذي يقدمه الفلسطينيون للعالم» 35
- ويقول آخر «لقد تحوّل العلم الفلسطيني إلى رمز عالمي للغضب الشعبي، وراية للاحتجاجات في الشوارع، والملاعب، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
أصبح رمزًا لانتفاضة عالمية ضد الوضع الراهن.» ويُحلل الوضع الراهن قائلاً:»في سياق الرأسمالية العابرة للحدود، تصبح الإبادة الجماعية مربحة، لأنها تفتح مجالات جديدة للتراكم الرأسمالي عبر العنف. وتتحوّل فلسطين إلى مختبر نموذجي لممارسة أشكال غير مسبوقة من السلطة الاستبدادية المطلقة» 36.
فرصة تاريخية لبناء حركة عالمية لا عنفية
ترى العديد من القوى الإنسانية والتقدمية أن هذه التعبئة تمثّل فرصة تاريخية لبناء حركة عالمية لا عنفية وشاملة. حركة تتأسس على قيم العدالة والمساواة والسلام، كما عبّر أحدهم قائلاً:»لتخرج من هذا الكابوس حركة عالمية لا عنفية، تقود التغيير المجتعي والشخصي!» 37 .
فهل تنجح المنطقة وقواها الحية في التصدي لمخطط الدمار الصهيوني الامبريالي. هل تتمكن القوى المدنية والشبابية بالأخص في المنطقة في مواصلة وتعميق المبادرات الاقليمية-الدولية الداعمة لصمود الشعب الفلسطيني، ونقلها الى حركة تقدمية انسانية مهيكلة؟،
مؤشرات عديدة من المشهد المتحرك تدفع فعلا للتفاؤل.
انتهى ----------- 23https://ash.harvard.edu/articles/crowd-counting-blog-pro-palestine-wave-persists-and-grows/?utm_source=chatgpt.com
وفي الرابع من نوفمبر 2023، جمعت مظاهرة في ناشيونال مول في واشنطن العاصمة ما بين 100 ألف و300 ألف شخص. en.wikipedia.org
24https://countingcrowds.org/2024/01/05/2023-trends-in-u-s-protest-activity/comment-page-1/?utm_source=chatgpt.com
25https://cbsaustin.com/news/nation-world/mamdani-vowed-to-arrest-netanyahu-if-he-ever-visited-nyc-as-mayoral-race-heats-up-democratic-mayoral-primary-new-york-city-international-criminal-court-israel
Israel’s war on Palestine: An imperialist 26attack on the entire Middle East
https://links.org.au/israels-war-palestine-imperialist-attack-entire-middle-east
27France Culture https://www.radiofrance.fr/franceculture/podcasts/a-la-source/a-la-source-chronique-du-samedi-24-mai-2025-1566665
28https://www.facebook.com/reel/1202375741178488
29https://en.wikipedia.org/wiki/Global_March_to_Gaza?utm_source=chatgpt.com «Global March to Gaza
fr.wikipedia.org et frontlinedefenders.org
peoplesdispatch.org
newarab.com
lis-isl.org
https://www.facebook.com/reel/24303133642603648
Le Club de Mediapart 2025, op. cite.
https://www.thephilosophicalsalon.com/gaza-a-ghastly-window-into-the-crisis-of-global-capitalism/
30fr..org et frontlinedefenders.org
31peoplesdispatch.org
32newarab.com
33lis wikipedia -isl.org
34https://www.facebook.com/reel/24303133642603648
35le Club de Mediapart 2025, op. cite
36https://www.thephilosophicalsalon.com/gaza-a-ghastly-window-into-the-crisis-of-global-capitalism/
37Tony Robinson https://www.pressenza.com/fr/2024/05/quun-mouvement-mondial-non-violent-pour-le-changement-social-et-personnel-emerge-de-ce-cauchemar/
بقلم: خالد الوحيشي دبلوماسي سابق ومستشار في مجال السياسات الشبابية