بل كيانًا تأسّس على الحرب، واتّخذ من العنف عقيدة استراتيجية. تزعم أنها محاصَرة بتهديد وجودي، بينما هي تمارس عدوانًا دائمًا، تنتهك القانون الدولي، وتُقلب دورَي الضحية والجلاد بمهارة إعلامية. لقد تحوّل الكيان الصهيوني إلى مشروع يعيش على صناعة الأزمات، ويستمد شرعيته من تغذيتها.
اتفاق وقف إطلاق النار الأخير مع إيران – الذي فُرض من واشنطن، بعد ترحيب إسرائيلي بتورّط أمريكي مباشر – كشف الحقيقة العارية: إسرائيل ليست قوة مستقلة، بل قاعدة هجومية أمريكية متقدّمة في قلب الشرق الأوسط، يُعاد تفعيلها أو تعطيلها بحسب الحاجة. فهل كان وقف إطلاق النار هروبًا من حافة الانفجار؟ أم فصلًا جديدًا في مسرحية سياسية يقودها ترامب طمعًا في جائزة نوبل؟ أم اعترافًا ضمنيًا بانتهاء الوظيفة الإسرائيلية؟
الهجوم على إيران: أهداف داخلية وخارجية
شكّل الهجوم الإسرائيلي على إيران خرقًا فاضحًا للقانون الدولي، ومع ذلك، قوبل بصمت أو تواطؤ غربي. لم يكن مجرّد ردّ فعل، بل خطوة مدروسة بأبعاد متعددة. داخليًا، سعى نتنياهو – في ظل حكومة مأزومة ومجتمع منقسم بعد مجازر غزة – إلى توحيد الجبهة الإسرائيلية المنهارة. خارجيًا، حاول إحياء أسطورة “الخطر الإيراني” كطوق نجاة سياسي، بعدما انهارت مصداقية الرواية الإسرائيلية عالميًا.
هذه المغامرة كشفت عن فضيحة جديدة تفقد الغرب ما تبقى من صدقيته، وتفضح مدى التواطؤ مع كيان استعماري يستثمر في الكذب والعنف.
ثلاثة عقود من الخداع: من المستفيد؟
لأكثر من ثلاثين عامًا، روّجت إسرائيل، ومعها لوبيات غربية، خرافة “القنبلة النووية الإيرانية الوشيكة”، دون أي دليل ملموس. لكن هذه الفزّاعة أثمرت أرباحًا ضخمة لفئات متعددة:
- شركات السلاح، التي راكمت أرباحًا من صفقات لا تنتهي؛
- السياسيون الغربيون، الذين وجدوا في إيران “عدوًا مثاليًا” يُستثمر انتخابيًا؛
- بلدان عربية مجاورة؟
- إسرائيل نفسها، التي استخدمت التهديد المزعوم لابتزاز الدعم العسكري والسياسي بلا شروط.
الرد الإيراني: مضيق هرمز كرسالة قوة
ردًا على العدوان، صوّت البرلمان الإيراني لصالح إغلاق مضيق هرمز، أهم ممر نفطي في العالم، مهدّدًا القواعد الأمريكية في قطر والعراق. النتيجة كانت فورية: قفز في أسعار النفط، ارتباك في الأسواق، وتوتّر في البورصات العالمية. هذا الرد لم يكن مجرد تصعيد، بل كشف هشاشة الهيمنة الأمريكية في الخليج، وعجز واشنطن عن التحكم بالمشهد كما اعتادت.
غزة: منعطف في صورة إسرائيل
حرب غزة الأخيرة مثّلت لحظة انكشاف غير مسبوقة. داخليًا، برز تمرّد حتى بين قطاعات من اليهود الإسرائيليين ضد حكومتهم. خارجيًا، سقط قناع “الديمقراطية الإسرائيلية” تحت أنقاض المجازر، وصُور الأطفال تحت الركام. الردع لم يعد ممكنًا، والرواية الصهيونية تفكّكت. في ظل هذا الانهيار، لجأت إسرائيل إلى استدعاء العدو الإيراني مجددًا… ليس من أجل الأمن، بل من أجل البقاء.
فزّاعة بلا أنياب: سقوط أسطورة “الخطر الإيراني”
منذ التسعينيات، حوّل نتنياهو “الخطر الإيراني” إلى عقيدة استراتيجية. لكنها لم تكن يومًا واقعًا عسكريًا، بل أداة سياسية لتبرير القصف، وتحشيد الداخل، وابتزاز الحلفاء. لكن اتفاق التهدئة الأخير – الذي فُرض على إسرائيل – كشف هشاشة هذه العقيدة: الفزّاعة التي رُوّجت لعقود، انهارت في لحظة. الخطر الذي ادّعته إسرائيل لم يعد يُقنع حتى داعميها، بل بات عبئًا عليهم.
من “خطأ أوباما” إلى “صفقة ترامب”: وهم السيادة يتهاوى
في 2015، تجرأ نتنياهو على اقتحام الكونغرس لمهاجمة الاتفاق النووي دون إذن من البيت الأبيض. وفي 2018، احتفل بانسحاب ترامب من الاتفاق نفسه. أما اليوم، فإن ترامب ذاته – في نسخته الثانية – هو من يجبر إسرائيل على التهدئة دون حتى التشاور معها. هذا الانقلاب يكشف زيف ما يُسمى بـ”السيادة الإسرائيلية”، ويؤكد أنها مجرد أداة ضمن هندسة الهيمنة الأمريكية، قابلة للاستعمال والتخلّي.
إسرائيل في عالم متغير: من قاعدة استراتيجية إلى عبء سياسي
في ظل عالم تتغير موازينه بسرعة – مع تراجع أهمية النفط، وصعود الصين، وتحوّل التكنولوجيا إلى سلاح استراتيجي – لم تعد إسرائيل ضرورة أمريكية كما في السابق. الخليج يعيد تموضعه، إيران تصمد، وأمريكا تنسحب تدريجيًا من مستنقعات الشرق الأوسط. في هذا السياق، يبدو أن الكيان الصهيوني يتحوّل من حليف إلى عبء، خاصة إذا بات دعمه مسببًا لانفجار إقليمي قد يضر بالاقتصاد العالمي أكثر مما يخدم مشروع الهيمنة الغربية.
حتى ترامب – أكثر الرؤساء ولاءً لتل أبيب – اضطر إلى كبحها. لقد انقلبت الفزّاعة على صانعها، والخطر الإيراني أصبح مشكلة لحلفاء إسرائيل، لا خصومها.
الثمن الحقيقي: الشعوب هي الضحية
من غزة إلى طهران، ومن بيروت إلى بغداد، لم تجنِ الشعوب من هذه الأكذوبة إلا الحصار، والدمار، والانهيار الاقتصادي. بينما راكمت إسرائيل النفوذ والدعم، تحوّلت من “حليف ديمقراطي” إلى “مرتزقٍ للفوضى” لا وظيفة له سوى تفجير الأزمات خدمةً لمشاريع تتآكل.
نهاية وظيفة… أم بداية سقوط؟
قد لا تنهار إسرائيل عسكريًا غدًا، لكن وظيفتها في المشروع الغربي بدأت تتآكل بوضوح. لم تعد القلعة التي لا غنى عنها، ولا صمّام الأمان في المنطقة. ومع تحوّل التهديد الأكبر إلى الداخل الغربي نفسه – اقتصاديًا واجتماعيًا – لم تعد الأكاذيب القديمة تنطلي حتى على جمهورها.
السؤال لم يعد: هل تُشكّل إيران خطرًا حقيقيًا على أمن المنطقة؟
بل أصبح: من المستفيدون الحقيقيون من استمرار توظيف هذا “الخطر”… حتى لو كان وهمًا؟
لقد سقط القناع، وأصبحت الإجابة – للأسف – واضحة:
إسرائيل… وحلفاؤها المنافقون الذين لا يعيشون إلا بدعم الغرب، ولا يحكمون إلا عبر الأكاذيب.
فزّاعة “الخطر النووي الإيراني”: عقيدة للبقاء أم وهمٌ لاستمرار الكيان الصهيوني؟ وقف إطلاق النار: انكشاف حقيقة الدور الإسرائيلي
- بقلم محمد الصالح بن عمار
- 15:11 25/06/2025
- 35 عدد المشاهدات
منذ إعلان قيامها عام 1948، لم تكن إسرائيل يومًا دولة طبيعية