والمنددة بالحرب المدمرة لآلة الحرب الاسرائيلية على غزة .وقد انخرطت اهم الجامعات في امريكا في هذه الحركة الاحتجاجية مثل جامعات هارفارد وبرنستون ويال (Yole) وكولومبيا منذ اشهر .ولم تقف هذه الحركات الشبابية عند الجامعات الامريكية بل امتدت الى عديد البلدان الاوروبية مثل فرنسا في هذه الهبة التي اخذت طابعا عالميا .وقد عرف معهد العلوم السياسية (institut de sciences politique) العريق عديد التحركات الى جانب جامعات السوربون وتولوز وليون وسترازبورغ وسانت ايتيان وران ادت الى ايقاف الدروس وتدخل قوات الامن لإجلاء المتظاهرين .وقامت الادارات بفصل وطرد الكثير من الطلبة لإيقاف هذه التحركات. ولم تقتصر هذه التحركات على الطلبة الاجانب او من هم من اصول عربية بل شملت الكثير من الطلبة الامريكيين والأوروبيين .وقد جاءت هذه التحركات ذات الطابع السياسي بعد عقود من التهدئة وتراجع المظاهرات الكبرى في الجامعات الكبرى في البلدان المتقدمة لتشكل عودة للوعي السياسي والنضال التقدمي الذي خفت وهجه في السنوات الاخيرة .
الثورة الفلسطينية وعودة الوعي عند الشباب الاوروبي
شكلت هذه المظاهرات التي تشهدها الجامعات الغربية عودة للعمل السياسي عند الشباب الامريكي بعد سنوات طويلة من الهدوء اذ تعود اخر الاحتجاجات الكبرى الى ستينات القرن الماضي حيث عرفت كبرى الجامعات الامريكية والعالمية حالة عصيان كبرى للمطالبة بإيقاف الحرب في فيتنام.وقد قادت هذه الاحتجاجات الى الثورة الشبابية في ماي 1968 في اغلب هذه البلدان .
وقد تراجعت شعلة هذه الثورات الشبابية منذ السبعينات لتقتصر التحركات الطلابية على المطلبية المباشرة التي تهم الحياة الجامعية والظروف الاقتصادية والاجتماعية للطلاب حتى وإن عرفت بعض الجامعات بعض التحركات حول القضايا العالمية الكبرى مثل ثورات امريكا اللاتينية او اثناء حربي الخليج واللتين ادتا الى سقوط نظام صدام حسين وحزب البعث لكن وهجها كان خافتا وانتهت بعد مدة قصيرة .
اذن تشكل تحركات اليوم عودة الى الوهج واللهيب الثوري الذي عرفته الحركات الطلابية وشبيبة العالم حول قضايا سياسية عامة وبصفة خاصة قضايا الهيمنة والاستبداد في النظام العالمي .وقد تركزت مطالب الطلاب في الجامعات الامريكية على مسائل سياسية وهي ايقاف فوري لإطلاق الناروالاعتراف بجريمة الابادة الجماعية وايقاف التعاون والاستثمار في الشركات التي تتعامل مع اسرائيل والتي انخرطت في الحرب وبصفة خاصة شركات انتاج الاسلحة وشركات الطيران التي تنتج الطائرات المسيرة التي يستعملها الجيش الاسرائيلي في هجماته على المدنيين كذلك إيقاف التعاون مع الجامعات الاسرائيلية .
ويبقى السؤال المطروح حول قدرة هذه التحركات على تغيير موازين القوى وإيقاف الحرب والتأثير بصفة عامة على المشهد السياسي الداخلي والأزمات السياسية التي تمر بها البلدان المتقدمة .
في تأثيرات الثورة الشبابية
تشير اغلب تقارير معاهد الاحصاء في امريكا وفي البلدان الاوروبية الى ان هذه التحركات تظل محدودة من الناحية الكمية حيث انها تقتصر على عدد محدود من الجامعات. ففي امريكا على سبيل المثال تمتد هذه التحركات في 50 جامعة من اجمالي 2500 الجامعة. كما تقتصر هذه التحركات على جامعات العلوم الانسانية والاجتماعية، ولم تعرف الجامعات المختصة في العلوم الصحيحة والطبية نفس مستوى التعبئة والمشاركة السياسية .كما ان هذه التحركات والحشد السياسي لم يتجاوزا أسوار الجامعات ليبقى تأثير هذه التعبئة محدودا في المجال الشبابي بصفة عامة .
ورغم محدودية هذه التحركات من الناحية الكمية الا أنها بدأت تفتح شروخا وتهيئ لتحولات كبرى في هذه المجتمعات .
وتهم المسألة الاولى الجانب الاخلاقي وثورة الضمير امام الحرب وعنهجية الابادة التي تشنها الالة العسكرية. وتشكل هذه الثورات عودة للسياسة بمعناها الاخلاقي والفلسفي لتعبر عن سخط وغضب النخب المثقفة الشبابية امام هذا الجانب المظلم والمخيف للفعل السياسي الذي تحول في لحظة ذهول وغياب مجتمعي الى غول يأتي على الاخضر واليابس حتى في اعتى الديمقراطيات .
امال الجانب الثاني فهو ان هذه التحركات تشير الى ان المقاومة الفلسطينية نجحت في قلب المعادلة وترجيح معركة الصورة .فرغم كل الامكانيات التي وضعتها اجهزة الاعلام الغربية للترويج للسردية الاسرائيلية في الدفاع عن النفس وشرعية محاربة الارهاب الا ان تأثيرها تراجع بطريقة كبيرة لتعود سردية النضال الوطني الفلسطيني ضد الاستعمار الى الامام وتحتل هذه الصورة اذهان الشباب وتشغل عواطفهم وتشعل احلامهم .
اما التأثير الثالث لهذه التحركات فيهم عجز الاستبداد والتسلط عن ايقاف لهيب الثورة .فقد سعت ادارات الجامعات الى استعمال اساليب فجة لإيقاف هذه التحركات والاحتجاجات كفصل الطلبة الذين يشاركون فيها ودعوة البوليس الى إخلاء الجامعات من المحتجين. كما لعبت مؤسسات الدولة وحتى المؤسسات الخاصة والشركات الكبرى دورا كبيرا في محاولة ايقاف هذه الاحتجاجات من خلال ايقاف تمويل الجامعات إلا ان هذه السياسات والتعاطي الامني لم ينجحا في ايقاف هذه التحركات والحد من وهجها ولهبها مما دفع عديد الجامعات الى فتح باب الحوار مع الطلبة وتحقيق جزء من مطالبهم.
أما المسألة الثالثة المرتبطة بهذه التحركات فتهم تأثيرها على الموقف الداعم لهذه البلدان دون قيد او شرط لإسرائيل وحربها المدمرة . ورغم إن هذه التحركات لم تنجح في تغيير جذري في مواقف عديد البلدان مثل امريكا وفرنسا وألمانيا الا انها شكلت انعطافات مهمة في سياساتها .
اما الجانب الاخير من انعكاسات هذه السياسات فيهم تأثيرها على الاوضاع السياسية الداخلية ذلك ان ثورات الشباب في الستينات كانت وراء الثورة في الفعل الجماعي والتغيير الاجتماعي الكبير في عديد المجالات مثل الحقوق المدنية والمساواة الاجتماعية .وفي رأيي فإن هذه الثورات والاحتجاجات الشبابية في كبرى الجامعات التي تنجب النخب المستقبلية ستساهم في فتح افاق سياسية جديدة امام ازمة النظم الديمقراطية وتصاعد القوى الشعبوية والفاشية . ويمكن ان تتجه هذه التطورات والتحولات الكبرى نحو مجالات عديدة لفتح افق جديدة للعمل السياسي والتي من ضمنها قضايا المناخ والمساواة الاجتماعية والعنصرية والهيمنة في النظام العالمي .
تعيش كبرى الجامعات في العالم ربيعا ثوريا جديدا من خلال الاحتجاجات المساندة للنضال الوطني الفلسطيني والمطالبة بإيقاف الحرب.وقد بدأت التأثيرات المباشرة لهذه التحركات في الظهور بصفة خاصة في بداية الانعطاف الذي بدأت تشهده مواقف الدول الكبرى الداعمة لإسرائيل دون قيد او شرط، وهذه التحركات ستكون لها انعكاسات طويلة المدى كما كان الشأن في الستينات من خلال الخروج من الازمات التي يعيشها المشروع الديمقراطي وفتح آفاق جديدة لتجربة جمعية قوامها الديمقراطية واحترام التعدد والاختلاف وانهاء الهيمنة بكل اشكالها وتحقيق المساواة في كل المجالات