السنغال تلقن شعوب المنطقة درسا في الديمقراطية

" لن نتركه يفعل ما يشاء، إذا تركنا الرئيس الحالي يؤجل الانتخابات،

فستكون نهاية الديمقراطية في السنغال " (ارام بواي، متظاهرة سينغالية لمراسلة البي بي سي، يوم 9 فيفري 2024)
بعد أشهر من ازمة سياسية خانقة ومظاهرات عارمة و ضحايا بين قتلى وجرحى وعشرات الايقافات بسبب محاولة الرئيس المنتهية ولايته، ماكي سال، تأجيل الانتخابات الرئاسية والبقاء في الحكم مدة أطول ، نال الشعب السنغالي ما أراده بفضل إصراره ونضاله السلمي، اذ سُنّ العفو على المساجين السياسيين وكل الذين أوقفوا بسبب "العنف السياسي" واضطر الرئيس المتخلي الى قبول اجراء الانتخابات ، يوم 24 مارس 2024، لينتخب المقترعون رئيسا جديد، باسيرو ديوماي فاي، الذي يبلغ من العمر 44 سنة ، بعد خروجه من السجن بعشرة أيام فقط ، حيث كان معتقلا لمدة 11 شهرا بسبب نشاطه النقابي والسياسي،
رضوخ الرئيس لمطالب الشعب وشفافية الانتخابات لا تعكسان فقط قوة المؤسسات الديمقراطية هناك بل وكذلك تمسك الشعب السنغالي بالتغيير السلمي، و للتذكير فان للشعب السنغالي تاريخ في التمسك بدورية الانتخابات وفرض التداول على الحكم، ففي سنة 2012، حين حاول الرئيس السنغالي آنذاك، عبد الله واد، تنقيح الدستور ليترشح لدورة ثالثة، خرجت مظاهرات عارمة ووقعت مواجهات عنيفة، اجبرته على التراجع.
" لنحمي ديمقراطيتنا"
كان ذلك هو النداء الذي أطلقته منظمات المجتمع المدني التي خرجت للتظاهر في بداية فيفري حين قرر الرئيس المتخلي، ماكي سال، تأجيل موعد الانتخابات بستة أشهر، وكذلك فعلت الأحزاب السياسية التي لها تاريخ في النشاط امتد لأكثر من ستة عقود والقيادات الثقافية وحتى شيوخ الطرق الدينية، يقول أحد المتابعين "ان الخيار الديمقراطي الذي تكون فيه السيادة للشعب هو خيار غير قابل للنقاش بالنسبة لمائة بالمائة من الشعب السينغالي ...فالديمقراطية السينغالية لها ابعاد رمزية وتاريخية وثقافية... صحيح ان المواجهات تحدث بين الحين والاخر ولكن هناك دائما اليات مراقبة وتعديل داخل المجتمع تجعل الشعب يقرر في النهاية."
وقد اجمع المراقبون ان خمسة مكاسب هامة تشكل صمّام الأمان للديمقراطية في السينغال: جيش قيادته مثقفة ومتشبعة بالفكر الجمهوري، ومجتمع مدني يقظ وقوي وأحزاب سياسية عريقة وشعب تعوّد على الممارسة الديمقراطية ومجلس دستوري حازم ومستقل، تمسّك بإجراء الانتخابات في زمنها المحدد، رغم كل ضغوطات الرئيس وحكومته.
جيش جمهوري :
منذ استقلالها، عرفت السنغال اربع فترات انتقالية لم يتدخل فيها الجيش لصالح أي طرف ،و رغم التهديدات التي اطلقها الرئيس المتخلي حول إمكانية تدخل القوات العسكرية لمواجهة المظاهرات، فان هذا الأخير ظل على حياده ومتمسكا بالشرعية وبعيدا عن كل التجاذبات السياسية، لذلك ، وعكس بلدان الجوار ، لم تشهد السنغال انقلابات عسكرية او حروبا أهلية ، قال الخبير الاممي اليون تيني ان الجيش السينغالي يمتلك ثقافة ديمقراطية والتزاما قويا بهذه الثقافة وترتكز دوراته التدريبية ، لا على الطاعة العمياء للسلطة السياسية او لأي طرف اخر، خارجي او داخلي ، بل على خدمة الوطن عبر مكافحة الإرهاب والمخدرات وحفظ السلام . واراد قائد اركان الجيش، مباي سيسيه، في المدة الأخيرة ان يبعث برسالة الى البلدان المجاورة التي تعودت على الانقلابات العسكرية حيث نبّه الى ان "لابد لأفريقيا من جيوش تخدم المواطنين، وتتمتع بالاستقلالية وتخضع للمساءلة وتحترم قيم الديمقراطية. وإن لم تتمسك بذلك، فلن نخطو خطوة واحدة إلى الأمام أبداً، ولن ننعم بالاستقرار ما حيينا “.
تديّن منفتح يحث على الديمقراطية:
يقدر عدد المسلمين في السنغال بحوالي 95 بالمائة من عدد السكان، معظمهم يتبع الطرق الصوفية ورغم زحف التطرف الديني الى دول الجوار، الا ان العديد من خبراء المنطقة يجمعون ان الصوفية المعتدلة والمتعايشة مع بقية الأقليات قادرة على تحصين السنغال من العنف والإرهاب الذي طال مالي والنيجر وعدد من بقية الدول الافريقية الأخرى.
ولعبت الصوفية في السنغال دورا مهما في مواجهة الاستعمار الفرنسي قبل الاستقلال وكانت طيلة العقود الاخيرة قوة مهمة في مواجهة التطرف العنيف، يقول عنها الكاتب بلال مؤمن انها نمط تدين منفتح لا يتعارض ومنطق الحداثة، معتبرا ان ظاهرة التدين الصوفي في السنغال " قوة دافعة لانبعاث جديد للمسلم المستنير القادر على الإسهام والإنجاز الحضاري دون أن يكون ذلك مشروطا بتخليه عن ذلك المعين الروحي الذي ظل يشكل وجدانه عبر قرون." فقد استطاعت الصوفية أن تساعد في صنع نخبة سياسية، تمزج بين التوجه الروحي ومدنية الدولة وعلمانية التوجه السياسي، وهو ما أثمر واحدة من أهم التجارب الديمقراطية الحقيقية في غرب إفريقيا"..
مثال يحتذى به:
نجحت السنغال في تفادي مزيد الاضطرابات وتأمين انتخابات نزيهة حين أرغمت الرئيس السابق، ماكي سال، على التراجع عن التمديد لفترة حكمه، وعكست هذه الانتخابات حيوية شعب تعوّد على النضال السلمي من اجل الحفاظ على حقه في اختيار من يحكمه والذود عن تقاليده الديمقراطية، التي لا مثيل لها في بلدان الجوار، وقد كان خطاب الرئيس الجديد واعدا ومتجاوزا لأخطاء سلفه، حيث قال بعد فوزه ان أولوياته ستكون "المصالحة الوطنية وتقوية المؤسسات الدستورية"
ولقد أعطت السنغال، عبر الانتخابات الرئاسية الأخيرة، درسا نأمل ان تكون بلدان الجوار، التي عرفت 8 انقلابات عسكرية خلال الثلاثة سنوات الأخيرة، قادرة على استيعابه، كما بينت ان الشعوب قادرة على فرض التغيير السياسي السلمي والتداول على السلطة والحفاظ على مؤسساتها الدستورية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115