لأغلب القوى السياسية الداخلية والإقليمية.وقد ساهمت هذه الخلافات والانقسام في تشتيت وحدة الشعب الفلسطيني وإضعاف قدرة المقاومة على الصمود.
وقد فشلت كل المحاولات لإيقاف نزيف الخلافات والانقسامات منذ اكثر من عقدين من الزمن لتواصل في نهش الجسد الفلسطيني المنهك .ولم تنجح الحرب المدمرة على غزة في صدع هذه الخلافات والتسريع بإعادة بناء الوحدة الفلسطينية .فلئن اعادت مفاوضات موسكو بين مختلف الفصائل الامل في تجاوز الانقسامات فإن تعيين رئيس الحكومة الجديد محمد مصطفى من قبل الرئيس محمود عباس كانت نقطة انطلاق لحرب بين البيانات اكثر ضراوة من السابق بالرغم من جحيم الحرب الاهلية الذي اكتوت بناره مدنيي غزة والضفة الغربية .
- تاريخ الانقسام والبحث عن الوحدة المفقودة
ترجع بدايات الانقسام الفلسطيني الى الانتفاضة الاولى في اواخر 1987 والتي عرفت ظهور حركة حماس .وقد شكل ظهور الحركة الاسلامية تحولا كبيرا في الحركة الوطنية الفلسطينية والتي غلب عليها البعد اليساري العلماني والقومي .ومع تطور تواجد حركة حماس وتزايد جماهيريتها مع ازمة القوى الوطنية التقليدية بدأت حدة الانقسام في التوسع والتمدد .
وقد زادت هذه الخلافات حدة مع توقيع اتفاق اوسلو في 13 سبتمبر 1993.وستبدأ المواجهة المباشرة بين السلطة الفلسطينية وحماس مع عودة القيادات الفلسطينية وتسلمها غزة وأريحا سنة 1994.وقد قامت السلطة الفلسطينية بحملات اعتقال شملت قيادات حماس وجهازها العسكري خاصة بعد العمليات التي تقوم بها ضد الاحتلال.
إلا ان انطلاقة الانتفاضة الثانية او انتفاضة الاقصى في 28 سبتمبر 2000 ستعطي الفرصة للفصائل الفلسطينية للدخول في حوارات لتجاوز الخلافات والتي ستسفر على اتفاق القاهرة في مارس 2005.
ألا ان انتخابات المجلس التشريعي في بداية 2006 والتي اسفرت عن فوز حركة حماس بالأغلبية ستشعل فتيل الخلافات من جديد .سترفض حماس الالتزام باتفاقات اوسلو وستشكل حكومة برئاسة اسماعيل هنية .
وقد لقيت هذه الحكومة الكثير من الصعوبات الداخلية لإسقاطها والخارجية من خلال الحصار الاسرائيلي .وستتحول هذه الخلافات مع السلطة الفلسطينية الى اقتتال داخلي نتج عنه الكثير من القتل .
ولئن تمكنت بعض المحاولات مثل وثيقة المصالحة التي اطلقتها قيادات الاسرى الفلسطينيين في ماي 2006 ومبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز في فيفري 2007 من تهدئة وقتية للأوضاع فإنها لم تتمكن من تجاوز الانقسام وتحقيق مصالحة حقيقية لتعود الاوضاع الى الانفجار في كل مرة مع انعكاساتها المأساوية على الشعب الفلسطيني .
وسيزيد الانقسام حدة مع قرار الرئيس محمود عباس اقالة حكومة اسماعيل هنية وتشكيل حكومة سلام فياض التكنوقراطية في جويلية 2007 ليصبح الانقسام سياسيا وجغرافيا .
ومنذ ذلك الوقت تعددت المحاولات لتجاوز هذا الانقسام والمبادرات واللقاءات وآخرها لقاء موسكو في نهاية فيفري 2024.إلا ان كل هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع لتتواصل معاناة الشعب الفلسطيني لا فقط من جراء الحرب المدمرة بل كذلك من جراء الخلافات الداخلية والتي لم تسمح ببناء الوحدة الصماء التي تحتاجها المقاومة .
وجاء تكليف الرئيس محمود عباس لمحمود مصطفى لتكوين الحكومة الجديدة نقطة انطلاق لحرب بيانات بحدة لم تعرفها المراحل السابق في الخلاف في ظرف يعيش فيه الشعب الفلسطيني احلك الفترات في تاريخه .وقد خلفت حرب البيانات الاخيرة الكثير من الاستياء والغضب لا فقط في صفوف الشعب الفلسطيني بل كذلك عند الكثير من الناشطين والمساندين للشعب الفلسطيني .
وتشير هذه الحدة في الخطاب الى حجم الخلافات بين مختلف الفصائل الفلسطينية وبصفة خاصة بين حركة فتح ومنظمة التحرير وحركة حماس والفصائل التي تساندها .
- في جذور الخلافات الفلسطينية
ويعود الانقسام بين الفصائل الفلسطينية وبصفة خاصة حركتي فتح وحماس الى اسباب عميقة يختلط فيها الايديولوجي بالسياسي وحتى الاداري واليومي مما يفسر صعوبة الوصول الى اتفاقات تمكنها من تجاوز الانقسام وبناء وحدة صماء تجعل منها قوة في مواجهة الاحتلال .
والجانب الاول والأساسي لهذا الاختلاف والانقسام يهم الجانب الايديولوجي حيث ان حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية بشكل عام وكلل الحركات الوطنية العربية التي ظهرت في الخمسينات تنهل من مشارب الفكر القومي التحديثي بينما تنتمي حركة حماس واغلب الحركات الاسلامية كالجهاد الى المنظومة الفكرية الاسلامية .وقد اشارت حركة حماس لهذا الانتماء العقائدي بكل وضوح في الميثاق الذي اصدرتها سنة 1987 والذي اكد هو الحركة ومناهجها الايديولوجي .وقد شارات الحركة في هذه الوثيقة الى انها "فرع من التيار الرئيس للإخوان المسلمين الذي اغشى في مصر خلال عقد العشرينات".ولئن اعلنت حركة حماس عن فك الارتباط مع حركة الاخوان المسلمين سنة 2017 فإن المنحى الاسلامي لازال قائما مما ساهم في توسيع هوة الخلاف مع باقي فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية .فيبقى الهدف الاساسي لحركة حماس "تدمير اسرائيل واستبدالها بمجتمع اسلامي نموذجي" .
اما الخلاف الاهم والذي يمثل قاعدة وجوهر الانقسام وحدته والذي قاد في مناسبات عديدة الى الاقتتال بين ابناء الخندق الواحد فيهم المسائل السياسية وبصفة خاصة الاستراتيجية النضالية للتحرير .وفي هذا الاطار لابد ان نشير الى ان حركة فتح ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ولئن حاولت المحافظة على التوازن بين الكفاح المسلح والتفاوض لفترة طويلة فقد عرفت هذه المعادلة انخراما كبيرا بعد اتفاق اوسلو لتقتصر على الحل السلمي والتفاوضي والذي لنم يتمكن من تحقيق نتائج هامة لصالح الشعب الفلسطيني ولحقوقه الوطنية .
وعبرت حركة حماس برفضها المطلق لهذا التمشي السياسي الذي اختارته منظمة التحرير ثم السلطة الفلسطينية .فقد اشارت المادة 11 من الميثاق والذي يعتبر الوثيقة المرجعية للحركة الى ان "فلسطين هي ارض وقف اسلامي ، ومعهود بها الى المسلمين حتى نهاية الزمان ، وهي ليست ملكا لحاكم عربي، او لتنظيم فلسطيني ، كي يحق له التنازل ،كليا او جزئيا عنها" .كما نصت الوثيقة الى ان التخلي "عن جزء من فلسطين هو كالتخلي عن جانب من الدين "وفي هذا الاطار فإن 'الحل الوحيد للمشكلة الفلسطينية هو الجهاد ،وكل المؤتمرات والمبادرات والمقترحات ماهي إلا مضيعة للوقت وعمل ال طائل تحقه" حسب الميثاق لحركة حماس .وترى بالتالي ان الجهاد لتحرير فلسطين هو فرض على كل مسلم .ويشير الكثير من الملاحظين ان هذا التحليل يشكل الضد المقولة الحركة الصهيونية ذات الطابع الديني التي تعتبر ان ارض اسرائيل هي وديعة إلاهية منحها الله لشعب اليهودي الى الابد .
وكان هذا الموقف وهذه القراءة وراء رفض حركة حماس للمنحى السلمي والتفاوضي ولعديد المواقف التي عبرت عليها وتبنتها الهياكل الرسمية لمنظمة التحرير كحل الدولتين وإعلان الدولة الفلسطينية في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في نوفمبر 1988 وكل المسار التفاوضي الذي بدا في مدريد وقاد الى اتفاق اوسلو .
وساهم هذا الاختلاف في المواقف السياسية في تباين كبير في الاستراتيجيات السياسية مما دعم الانقسام.والى جانب هذه الاختلافات الايديولوجية والسياسية ظهرت عديد الخلافات الاخرى التي لعبت دورا كبيرا في توسيع الهوة بين فصائل المقاومة .ومن بين هذه المسائل الخلافية يمكن ان نشير الى مسالة الشراكة السياسية بين مختلف مؤسسات السلطة وتفادي التفرد بالرأي الذي قاد الرئيس محمود عباس وآخر مثال على ذلك هو تعيين رئيس الحكومة الجديد.كما تمثل مسألة المصالحة الشاملة وضرورة تواجد وضامن النشاط العلني لمختلف الفصائل في غزة والقطاع نقطة خلاف كذلك .ولابد كذلك ان نشير الى مسالة اعادة ترتيب منظمة التحرير الفلسطينية والتي بقيت نقطة عالقة باعتبار الاختلاف في التوزيع السياسي وتمثيلية مختلف الفصائل داخلها .ومن القضايا الخلافية الاخرى لابد من الاشارة الى ملف الامن وسلاح الفصائل الفلسطينية وموظفة غزة الذين عينتهم حماس اثر سيطرتها على القطاع في 2007.
الانقسام الفلسطيني ومثلت عجز النظام العربي
تشكل هذه الخلافات نقطة صدامك كبيرة منذ عقود بين مختلف فصائل الثورة الفلسطينية وبصفة خاصة الفصائل الوطنية التقليدية لمنظمة التحرير الفلسطيني والتي هيمنت على الحركة الوطنية الى منتصف الثمانينات من جهة والفصائل الاسلامية التي ظهرت منذ منتصف الثمانينات كحركة حماس الجهاد الاسلامي .
وهذه الصراعات والخلافات مع خصوصيات الساحة الفلسطينية فإنها تمثل امتدادا واعادة انتاج لمثلث العجز الذي عرفه النظام السياسي العربي منذ عقود.وأولى عناصر هذا المثلث هو التحديث السلطوي والذي شكل قاعدة الهيكلة والمؤسسات السياسية العربية منذ ظهور الدولة الوطنية.وقد سعى هذا المسار الى بناء المؤسسات السياسية الحديثية دون فتحها للمشاركة المواطنية الحقيقية.اما الجانب الثاني لهذا المثلث فيهم المسائل الاقتصادية والاجتماعية حيث سعى الى القطع مع الاقتصاد والهيمنة الاستعمارية وبناء اقتصاد متنوع ومستقل .إلا ان هذا المسار عرف فشلا ذريعا ونتج عنه سيطرة الاستبداد السياسي والتهميش الاجتماعي والريع المالي والاقتصادي .
وحاول الاسلام السياسي تقديم بديل لهذا المسار .إلا ان محاولة العودة للفترة الذهبية للخلافة اثبت فشله ليتحول عند بعض الفصائل الى ارهاب ديني .وشكلت ثورات الربيع العربي فرصة للخروج من ازمة هذا المثلث وبناء نظام عربي جديد.الا ان هذه الثورات ذبلت جذوتها بعد عقد من الزمن ليعود النظام العربي الى اعادة انتاج ازماتها .
وبالرغم من خصوصياتها فقد تأثرت الحركة الوطنية الفلسطينية بأبرز سمات ومظاهر النظام العربي.وفي ظل هذه الازمات خيم الانقسام وقاد الى اقتتال في ظل عجز المؤسسات على ادارة الحوار وبناء التوافقات الضرورية .
وقد لعب هذا الانقسام دورا كبيرا في اضعاف وحدة الشعبي الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.وقد اشار نبيل عمرو الوزير والمسؤول الاعلامي السابق في السلطة الفلسطينية في تصريح لجريدة الصباح "الخلاف قائم بين فتح وحماس مهما كانت المعاناة التي نعيش على وقعها، ولا يمكن اخفاء ذلك او ووضعه على شماعة المؤامرة.متا يحدث من حرب كلامية يؤكد ان الطبيعة السياسية الفلسطينية غير كفأة وليست بمستوى ادارة الاحداث سواء الحاكمة او في المعارضة".
ان الحرب على غزة والى جانب اثارها المدمرة تضع فصائل المقاومة الفلسطينية امام تحديات سياسية مهمة وتضع على عاتقهم مهمة وضرورية لتجاوز السجال والخروج من الانقسام وبناء وحدة وطنية تحت مظلة منظمة التحرير .ويمكن للتعاطف الشعبي الواسع العربي والعالمي ان يدعم مسار الوحدة الوطنية ويساعد في تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .إلا ان المسار يتطلب كذلك يتطلب من الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية التخلص من ثلاثية عجز النظام العربي اي الاستبداد والريع وعلم الخلافة والذي فشل الغرب في الخروج منه والقطع معه .