دفع مختلف الفصائل\ل الفلسطينية وبصفة خاصة حركة فتح وحركة حماس الى تجاوز خلافاتها التي انهكت المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني ومحاولة بناء مصالحة وطنية شاملة لدعم صمود الشعب الفلسطيني.
وقد تدعم هذا الشعور بعد اللقاء بين الوفود الفلسطينية في موسكو في نهاية شهر فيفري 2024 حيث تدارست الفصائل المشاركة في هذا الحوار اهم القضايا الخلافية وخاصة التوافق على حكومة الخبراء التي ستقود العملية السياسية اثر الحرب وإعادة الاعمار في انتظار تشكيل الدولة الفلسطينية .
إلا ان تعيين محمود عباس لمحمود مصطفى لتشكيل الحكومة الجديدة والذي تعتبره الفصائل الفلسطينية الاخرى مقربا منه حتى وإن لم يكن عضوا في حركة فتح ،اعاد الصراعات الى نقطة الصفر حيث تتالت البيانات من الجهتين ،فتح وحماس،الحادة ليعود الانقسام ليخيم على الحرب في غزة.
لقد عرفت الثورة الفلسطينية في مسارها التاريخي عديد الصراعات والخلافات السياسية التي شقت اغلب القوى ولعبت دورا كبيرا في اضعاف منظمة التحرير وجبهة المقاومة الوطنية .ومن هذه الصراعات يمكن ان نذكر الخلاف بين فتح وجبهة الرفض بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في منتصف السبعينات حول برنامج النقاط العشر والذي فتح باب التفاوض من اجل تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني.
كما يمكن كذلك ان نشير الى محاولة الانقسام داخل حركة فتح التي قادها ابو موسى بدعم من النظام السوري اثر خروج الثورة الفلسطينية من بيروت سنة 1982.والى جانب هذه الانقسامات الكبرى يمكن ان نشير الى مجموعة كبيرة من الخلافات والصراعات التي عاشتها اغلب الفصائل الفلسطينية على مدى تاريخ حركة التحرير الوطني.
إلا ان الانقسام الاهم والذي قسم ظهر الثورة الفلسطينية منذ عقدين هو الذي يشق حركتي حماس وفتح منذ عقدين من الزمن .وقد ساهم هذا الانقسام بطريقة كبيرة في كسر شوكة الثورة الفلسطينية ووجدتها في معركة التحرير .ولئن اكدت التحاليل والقراءات على العامل الرئيسي في مواصلة الاحتلال وعجز المقاومة وهو القوة الاسرائيلية وتعنتها ورفضها الاقرار بحقوق الشغب الفلسطيني والتوصل الى حل سلمي للقضية الفلسطينية فإنه لابد لنا من الاقرار بأسباب اخرى وعوامل اخرى ساهمت في تواصل الاستعمار وصمود اخر قلاع الكولونيالية امام مطالب التحرر والانعتاق .
ويهم العامل الثاني تعاطي الانظمة العربية مع القضية الفلسطينية وتأرجحها بين الخنوع ومحاولة السيطرة على القرار الفلسطيني .إلا ان العامل الداخلي وكثرة الانقسامات وحدتها داخل البيت الفلسطيني لعبت دورا مهما في اضعاف الحركة وإضعافها في المواجهة ومحاولة فرض الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني .وقد بلغت هذه الانقسامات مستوى لم تعرفه في السابق خلال العقدين الاخيرين بين حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية من جهة وحركة حماس والفصائل الاخرى كالجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية من جهة اخرى.وشكلت الاستراتيجية السياسية والبرنامج السياسي في مواجهة العدو النقطة الاساسية والمرجعية في الخلافات والانقسامات على مر تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية .
وقد عرف النضال الوطني الفلسطيني اختلافا وتناقضا بين خيارين ،الخيارة السلمي التفاوضي او خيار الكفاح المسلح والعنف .وق حاولت منظمة التحرير نحت قيادة الرئيس عرفات ان تحقق التوازن بين الخيارين في سبعينات القرن الماضي الى حد خروجها من بيروت في 1982.
إلا ان هذا التوازن لم يكن من الصعب تحقيها ليكون الصراع حول احد الخيارين نقطة ارتكاز اساسية للانقسامات داخل البيت الفلسطيني .فلئن اختارت مؤسسات الثورة الفلسطينية منذ مفاوضات مدريد واتفاق اوسلو الرهان على خيار المفاوضات لفرض الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني والابتعاد عن العنف المسلح .وقد لقي هذا الرهان اذانا اغية ودعما اقليميا ودوليا.
فقد دعمت البلدان العربية هذا التمشي من خلال مبادرة السلام العربية التي اطلقتها العربية السعودية في القمة العربية في بيروت سنة 2002.وأشارت هذه المبادرة الى ان الهدف الرئيسي هو انشاء دولة فلسطين معترف بها دوليا في حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب اسرائيل من الجولان وعودته الى سوريا .وفي المقابل فإن الدول العربية تعترف بإسرائيل وتبدأ مسار لتطبيع علاقاتها معها .
وقد لقيت مبادرة السلام العربية دعما كبيرا من قبل الدول العربية التي وافقت عليها باجماع كبير في قمة بيروت ما عدا سوريا التي رفضت الانخراط في هذا التمشي .كما لقيت هذه المبادرة ترحيبا كبيرا من القوى العالمية وخاصة الولايات الامريكية وعديد البلدان الاوربية .وقد تراوح الموقف الاسرائيلي بين الحياد والرفض .
اما الخيار الثاني والذي شكل تمشيا استراتيجيا لعديد القوى الفلسطينية فهو خيار الكفاح المسلح وقد شكل هذا التمشي جوره الخيار الاستراتيجي لحركات الاسلام السياسي من حماس الى الجهاد الاسلامي التي شكلت كتائب المقاومة العسكرية .
ولم يقتصر هذا التمشي على حركات الاسلام السياسي بل شمل كذلك بعض الاحزاب والحركات اليسارية في الثورة الفلسطينية كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .ففي حين اختارت الجبهة الديمقراطية بقيادة نايف حواتمة منذ ثمانينات القرن الماضي الخيار السلمي في العمل السياسي والقطع مع الكفاح المسلح كتمشي استراتيجي فإن الجبهة الشعبية واصلتن الاعتماد على الكفاح المسلح بالرغم من امكانياتها المحدودة ووجودها داخل منظمة التحرير التي اختارت طريق المفاوضات والديبلوماسية .ولهذا السبب نجد الجبهة الشعبية ضمن تحالف فصائل المقاومة التي اطلقت عملية طوفان الاقصى الى جانب حماس والجهاد الاسلامي .
وقد لقي هذا الخيار الدعم والمساندة على المستوى الاقليمي من الدول والفصائل المسلحة التي تشكل ما يعبر عليه بمحور المقاومة والممانعة والذي يشير الى تحالف سياسي وعسكري واسع معادي للغرب وإسرائيل ودول التطبيع على المستوى الاقليمي . ويضم ها المحور ايران وسوريا وعديد الميليشيات مثل حزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية العراقية في الحشد الشعبي وحركة انصار الله اليمينية.ويحاول هذا التحالف الاقتراب والالتقاء مع روسيا والصين على المستوى العالمي .
وعمل هذا المحور على افشال كل محاولات التسوية السياسية .وقد انطلقت هذه المحاولات في نفس اليوم الذي تبن فيه القمة العربية حيث قامت حماس بهجوم انتحاري ادى الى مقتل 30 اسرائيلي في نتانيا.وقال حينها احمد ياسين ان هذه العملية الانتحارية في "رسالة الى القمة العربية للتأكيد على ان الشعب الفلسطيني ع مستمر في المقاومة لاسترداد ارضة والدفاع عن نفسه مهما اتخذ العدو من سبل ".
وبالرغم من المحاولات التي قامت بها السلطة الفلسطينية والرئيس عرفات حينها لإيقاف مسلحي كتائب القسام وشهداء الاقصى إلا ان اسرائيل القت المسؤولية على الفلسطينية .
وكانت هذه العملية وبداية الانتفاضة الثانية وراء تهميش مبادرة السلام العربية وصعود الخيار الراديكالي ومسار العنف والقوة من الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني .
وكان لضعف النتائج السياسية والاقتصادية والاجتماعية للخيار السلمي انعكاسات مباشرة على الخيارات السياسية على الارض لتدعم موقف المواجهة وخيار الكفاح المسلح وتهمش دور وموقع المؤسسات الفلسطينية الرسمية وسلطة الرئيس محمود عباس فالسيادة السياسية للسلطة بقيت محدودة والاعتراف بالدولة الفلسطينية مؤجلا .كما عرفت الضفة الغربية وقطاع غزة تصاعد العمليات الاجرامية للمستوطنين لدفع السكان لمغادرة اراضيهم .كما تمر هذه المناطق بأزمات اقتصادية واجتماعية جعلتها لقمة للجوع والفقر .
جاء اندلاع الانقسام من جديد بطريقة حادة اثر تعيين الرئيس محمود عباس للدكتور محمد مصطفى لتكوين حكومة الخبراء ليؤكد الشرخ الكبير الذي تعرفه الثورة الفلسطينية بين اهم فاصئلها وبين خيار التفاوض والسلاح .ولعله من اسباب وهن المقاومة منذ عقود وعجزها على تحقيق اهدافها الوطنية هو عجزها على توحيد مختلف الفصائل حول استراتيجية موحدة وخيارات سياسية جامعة.