أوضاع المهاجرين الأفارقة في العامرة (صفاقس) : في ضرورة الإدماج عوض العزل و "الغيتوات" ghettos

تدل عديد المؤشرات بان تونس أصبحت وجهة لهجرة الأفارقة من جنوب الصحراء

باعتبارها إلى جانب ليبيا حلقة من الخط المتوسطي للهجرة من إفريقيا إلى أوروبا.

و سواء كانت هجرة عبور نحو أوروبا أو هجرة استقرار في تونس لمدة قد تطول أو تقصر فإنه من الضروري استنباط سياسات هجرة خاصة ببلادنا مستلهمين من تجارب البلدان الأخرى و خاصة أوروبا الغربية التي تستقبل منذ أكثر من نصف قرن ملايين المهاجرين ( و منهم المهاجرون التونسيون) و تمكنت من مراكمة الخبرة في معالجة هذه الظاهرة العالمية.
الإقصاء و العزل في "غيتوات" : سياسات عنصرية غير ناجعة
في تونس و منذ أشهر يعيش ألاف المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء سياسة إقصاء ممنهجة خاصة في ميادين السكن و النقل و العمل. مما أدى بهم إلى التجمع بطريقة عشوائية في الساحات العمومية لمدينة صفاقس. فإذا لم تتوفر ظروف السكن و الٌإقامة لمجموعة بشرية فما عساها أن تفعل؟؟؟
و أمام الرفض المشروع لمواطني صفاقس لهذه الاوضاع و لاعتبارات أمنية و سياحية تم نقل المهاجرين إلى معتمدية العامرة مشكلين نوعا من "الغيتو" أي مجموعة بشرية أقلية تعيش معزولة جغرافيا و اجتماعيا عن المجتمع ( نسبة إلى جزيرة غيتو التي تم تهجير اليهود إليها في سنة 1516). و طبعا لا يمكن "للغيتوات" إلا أن تفرز العنف لا فقط داخل المجموعة المنعزلة بل بين المجتمع و السلطة التي تحكمه من جهة و الأقلية المنعزلة عنه من جهة أخرى. و هو ما يفسر أحداث العنف التي شهدتها منطقة العامرة في الأيام الاخيرة.
للتذكير فإنه قبل الحملة العنصرية ضد المهاجرين التي اندلعت هذه السنة كان هنالك نوع من حالة التسامح تجاه المهاجرين في صفاقس و عديد المدن حيث كانوا يقيمون و يسكنون و يتنقلون عموما بدون مشاكل. حتى جاء اليوم الذي أثيرت فيه النعرات العنصرية و التي وجدت صداها لدى السلطات العمومية فأصبحت سياسة العزل و الٌإقصاء تقريبا سياسة رسمية.
لقد أثبتت تجربة أمريكا فشل العزل في "الغيتوات" سواء بالنسبة للسود أو الصينيين و غيرهم من الأقليات القومية. و بعد معارك ضارية و صدامات اجتماعية خطيرة تم كسر هذه "الغيتوات " و انتصرت سياسات إدماج المهاجرين و استيعابهم في البلدان الغربية.
و لا فائدة لبلادنا أن تعيد أخطاء الشعوب الأخرى مع ما قد ينجر عنه من صراعات و صدامات.
إدماج المهاجرين : التزام أخلاقي و فرصة للإقتصاد التونسي
إن المعاملة الإنسانية للمهاجرين من جنوب الصحراء و توفير الحقوق الدنيا لهم هي قبل كل شيء التزام أخلاقي من المجتمع و الدولة تجاه الإنسان مهما كان جنسه أو وضعه الإجتماعي. و هي أيضا التزام قانوني تجاه المعاهدات و المواثيق الدولية حول حقوق الإنسان بصورة عامة و المهاجرين بصورة خاصة. و هو أيضا عبئ معنوي للتونسيين بصورة خاصة و الحال أن مئات الآلاف من أبناءهم هاجروا و يهاجرون بطرق غير شرعية إلى أوروبا و ما ننفك نطالب دول الإستقبال بحسن معاملتهم كبشر. و من الأولى و الأحرى أن نطلب لغيرنا ما نطلبه لنفسنا. فقضية الهجرة هي قضية شعوب الجنوب أساسا و تتطلب أقصى التضامن حولها.
لذلك يتوجب على بلادنا و بصورة عاجلة توفير الحقوق الأولية للمهاجرين القادمين من جنوب الصحراء و بصورة خاصة الحق في تسوغ المساكن و الحق في استعمال وسائل النقل و الحق في العمل و الحق في العلاج و الحق في الإقامة ( بطاقة إقامة يتم تجديدها). فهي البوابة الأولى لمقاومة العنصرية و العزل و الإقصاء من المجتمع.
و يجمع العديد من الفاعلين الإقتصاديين أن للمهاجرين الأفارقة دور مهم في النهوض بالإقتصاد الوطني و الحال أن بلادنا تشهد هجرة كبيرة لليد العاملة المهرة و غير المهرة نحو اوروبا و دول الخليج مما يجعل عديد القطاعات في حالة ندرة خطيرة لليد العاملة. لقد تطورت بلدان الخليج العربي بفضل اليد العاملة القادمة من جميع الأصقاع و تمكنوا من بناء اقتصاديات قوية. و قد مثل المهاجرون القوة العاملة الضاربة لأوروبا و التي أسست بفضلها اقتصادا قويا و لا تزال تطلب المزيد من المهاجرين و لو بصورة انتقائية. فقد صرح جوزيف بوريل مفوض الإتحاد الأوروبي بأنه بدون هجرة فإن أوروبا ستموت.
و يبقى التحدي الأمني قائما دوما. فمن الضروري أن يتم حماية حدود البلاد من أخطار الهجرة الغير شرعية في إطار احترام القوانين الدولية. و تنتشر الجريمة في أوساط المهاجرين في جميع أنحاء العالم مما يتطلب حلولا أمنية دون أن تصبح شماعة للإقصاء و العزل و الممارسات العنصرية.
مع إفريقيا في السراء و الضراء
مستقبل تونس في إفريقيا...هذا ما يصرح به الجميع. و لكن حينما يتعلق الأمر ببعض الآلاف من المهاجرين الغير شرعيين الذين يعيشون أوضاعا صعبة نشهد مظاهر لإنفصام الشخصية لدى بعض النخب فتراها تستل سيوفها من أغمادها و يصبح الأفارقة خطرا جسيما يهدد الوطن و يجب التصدي له.
فمن باب التناسق و من دواعي العقلانية و البراغماتية أن نتحمل مشاكل المهاجرين الغير شرعيين و نعالجها لأنه و بالمقابل ستكون لنا منافع كبرى من خلال توطيد العلاقة مع شعوب إفريقيا.
لقد أصبحت قضية المهاجرين لا فقط قضية حقوقية تتعلق بحقوق الإنسان بل هي قضية سياسية بامتياز. فهي ترسم خط التباين السياسي بين التيارات العنصرية اليمينية من جهة و التيارات الديمقراطية و التقدمية التي تدافع عن حقوق المهاجرين من جهة أخرى.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115