وخاصة الاعلان العالمي لحقوق الانسان (ضمن الفصل 5) والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في اطار الفصل 7 والذي تضمّن انه لا يجوز اخضاع احد للتعذيب ولا للمعاملة او العقوبة القاسية او اللاّانسانية او الحاطّة من الكرامة وعلى وجه الخصوص لا يجوز اجراء اي تجربة طبية او علمية على احد دون رضاه الحرّ» ايضا ندّدت الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب سنة 1984 بـجريمة التعذيب كما عرفتها بكل عمل «ينتج عنه الم او عذاب شديد جسديا كان ام عقليا يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص على معلومات او على اعتراف...» (الفصل2) اما على مستوى القانون الوطني فتجدر الاشارة الى الفصل 102 مكرر من المجلة الجزائية الذي يعاقب بالسجن مدة 8 اعوام الموظف العمومي او شبهه الذي يخضع شخصا للتعذيب وذلك حال مباشرته لوظيفه او بمناسبة مباشرته لها... ويدخل في نطاق التعذيب طبقا لهذا الفصل الالم او العذاب او التخويف او الارغام الحاصل لأي سبب من الاسباب.
الّا انّه ورغم وجود اطار قانوني يجرّم انتهاك الحرمة الجسدية للشخص فقد تستدعي بعض الوضعيات ولغاية الكشف عن الحقيقة استباحة هذه الحرمة الجسدية في اطار ما يعرف بالاختبارات الطبية فهل يجوز اجبار شخص ما على اجراء فحوصات او اختبارات طبية ؟
انّ عملية الكشف عن الجريمة والبحث عن ادلتها تجعل في بعض الاحيان من الضروري اللجوء الى الاختبارات الطبية كما هو الحال مثلا بالنسبة لجريمة السّياقة تحت تأثير حالة كحولية التي تثبت بأخذ عينة من دم السائق للتأكد من وجود نسبة معينة من الكحول فيها من عدمه او كذلك جريمة استهلاك المخدرات التي تقتضي اخذ عينة بولية من المظنون فيه للتأكد من وجود مواد مخدرة في جسد ذي الشبهة وكذلك الجرائم الجنسية كالزنا او البغاء السري او الاعتداء بفعل الفاحشة والتي تثبت بإجراء تحاليل جينية...
في إطار هذه الجرائم وفي غياب وسائل اثبات اخرى قد يضطر الباحث اللابتدائي أو قلم التحقيق او المحكمة المتعهدة الى تسخير الطبيب الشرعي لإجراء اختبار طبي على جسم المظنون فيه وبمقتضاه قد تثبت البراءة او الادانة. ولئن ان كان قبول الخضوع لهذه الاختبارات لا يثير أي اشكال باعتبار ان كل متهم يبحث بدوره عن اثبات براءته تكريسا لقرينة البراءة التي كرسها الدستور الجديد صلب الفصل 27، فان رفضه لهذه التحاليل او الفحوصات هو الذي يطرح اشكالا حول مدى صحة اجباره على الخضوع لها سيّما وان الامر يتعلق بمسالة دستورية وبحق اساسي هو حرمة الذات الجسدية والتي جعل المشرع في اطار الفصل 23 حمايتها من مسؤولية الدولة.
لقد طرحت مسالة عرض شابين في اطار قضيتين مختلفتين على الفحص الشرجي (الاولى في اطار قضية قتل والثانية في اطار جريمة لواط) جدلا كبيرا بين الحقوقيين ومكونات المجتمع المدني وذلك لاتصال الموضوع بكرامة الذات البشرية. اذ هنالك من اعتبر ان ذلك الفحص القسري من قبيل التعذيب الذي يجرمه القانون بيد انّ التمعن في اطار القانون في بلادنا والاطلاع على مختلف المعاهدات الدولية لحقوق الانسان يجعلنا نعتبر ان الحفاظ على المعادلة بين احترام حقوق الانسان من جهة (من خلال احترام كرامة الذات البرية وحرمة الجسد) وحماية المجتمع من جهة اخرى (من خلال الكشف عن الجرائم وتتبع مرتكبيها) ليس بالأمر الهين دائما وهو ما يقتضي التشفع بمادة حقوق الانسان من طرف المكلفين بإنفاذ القوانين وخاصة مأموري الضابطة العدلية الذين يفرض عليهم القانون الى جانب السعي إلى
تفكيك الظاهرة الإجرامية، الحفاظ على حريّات الافراد واحترام قرينة البراءة وكل ذلك يفرض عليهم عدم اجبار شخص على اجراء فحص طبي بما في ذلك من اهانة للذات البشرية والاكتفاء بتسجيل امتناع المظنون فيه عن الخضوع للاختبار الطبي والذي يمثل بدوره قرينة قانونية يمكن اعتمادها لإثبات ارتكاب الجريمة مثلما ينصّ عليه الفصل 87 من مجلة الطرقات ومشروع القانون الجديد للمخدرات اللذان يجرمان صراحة هذا الامتناع، كذلك قانون اثبات الابوّة لسنة 1998 والذي يجعل من امتناع الاب المزعوم عن اجراء التحليل الجيني بمثابة قرينة على كون الطفل ينسب له فيغني بذلك هذا الامتناع المحكمة او الضابطة العدلية من اجبار الشخص على الفحوص والاختبارات ويصبح بذلك وسيلة من وسائل الاثبات طبقا للفصل 429 من مجلة الالتزامات والعقود الذي يعتبر انه في حالة سقوط الخصم عن الاجابة عن الدعوى الموجهة عليه من طرف القاضي فان ذلك يعد اقرارا حكميا من طرفه.
أما في حالة تنصيص قانوني عن كون الامتناع عن اجراء التحليل يعدّ قرينة على ارتكاب الجرم فيمكن للمحكمة الاعتماد على بقية وسائل الاثبات كشهادة الشهود او معاينة باحث البداية او تسجيلات... كما يجب على المحكمة التصريح ببطلان اي وسيلة اثبات كانت نتيجة اختبار طبي ثبت انتزاعه بالقوة دون ارادة المتهم طبقا لأحكام الفصل 199 من مجلة الاجراءات الجزائية الذي ينصّ على بطلان كل الاعمال المخالفة لمصلحة المتهم الشرعية وتكريسا كذلك للفصل 23 دستور 2014 الذي يحمي كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد وكذلك المادة 15 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها بلادنا سنة 1988 والتي تضمن لكلّ دولة طرف عدم الاستشهاد بأية اقوال يثبت انه تم الادلاء بها نتيجة التعذيب.
في هذا الاطار تطرح بعض القوانين اشكالا حول مدى دستوريتها باعتبارها تشرع للفحص الطبي الاجباري كماهو الحال بالنسبة لمجلة الديوانة في الفصل 56 والتي تجيز لأعوان الديوانة سعيا وراء البحث عن الجنح الديوانية وعند الشكّ في كون الشخص العابر للحدود ابتلع
مواد ممنوعة داخل جسده (مخدرات ذهب...) ان يقع اخضاعه لفحوص طبية للكشف عن تلك المواد وفي حالة رفض هذا الشخص لإجراء الفحص فان أعوان الديوانة يمكنهم بعد استصدار اذن في الغرض من وكيل الجمهورية ان يلزموا المظنون فيه بإجراء ذلك الفحص.
يمكن القول بالنسبة لمثل هذه الحالات انّ هاجس المشرع بخصوص الحدّ من الجريمة والإفلات من العقاب هو الذي يبرر احيانا المسّ من الحرمة الجسدية عبر إجازة الفحص الطبي الاجباري وذلك خاصة عند غياب وسائل اثبات اخرى ومع ذلك فان المشرع احاط تلك العملية بـضمانات وهي ضرورة الحصول على اذن قضائي في الغرض. فالقضاء هو حامي الحقوق والحريات ولا يمكن مجابهته بالقيود الاجرائية كماهو الحال مثلا بالنسبة لقيود السر المهني الذي يتحمله الطبيب والبنكي وغيرهما فلا يجوز لهما افشاء اسرار المرضى او الحرفاء الّا اذا طلب منهم القضاء ذلك في اطار قضية منشورة لإثبات الخطأ الطبي بالنسبة للحالة الاولى او التهرب الجبائي في الحالة الثانية.
القاضي د. فريد بن جحا