القضاء التونسي عشر سنوات بعد الثورة: شعور بالإحباط وحصيلة ناقضت التطلعات

عاشت تونس منذ عشر سنوات على وقع الثورة التي أطاحت بالنظام وقد رفعت خلالها عديد الشعارات في جميع القطاعات

من بينها السلطة القضائية،حيث طالب اهل الدار الذين وجدناهم في الصفوف الأولى بإصلاح مرفق العدالة بصفة عامة من خلال بناء دولة القانون والمؤسسات وإرساء قضاء مستقل يكون شريكا فاعلا وأساسيا في مكافحة الفساد والقطع مع الاستبداد ومحاولات تركيع السلطة القضائية،اليوم ونحن نحيي الذكرى العاشرة للثورة مالذي تحقق للقضاء التونسي من تلك الشعارات؟
يعتبر القضاء حلقة أساسية من حلقات المسار الديمقراطي لما له من دور في إنجاحه من خلال القيام بالمهام الموكولة اليه على أكمل وجه، كل هذا يتطلب مناخا مناسبا لتحقيق النتائج المنشودة.
من بين ابرز النقاط التي وصفت بالإيجابية وانها خطوة في الاتجاه الصحيح على المستوى التشريعي لقب الاستقلالية الذي منحه الدستور الجديد للسلطة القضائية وذلك في الباب الخامس منه،كما تمت صياغة جملة من القوانين منها المتعلق باحداث الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي وتركيزها على أرض الواقع كأول مجلس قضاء عدلي انتقالي ولكن بقيت السلطة القضائية في وضعها المؤقت كما أن مبدأ الاستقلالية ولئن تم تضمينه في تلك التشريعات لم يتحقق بعد على أرض الواقع. في هذا السياق أكدت جمعية القضاة التونسيين على تحقيق استقلال القضاء وحماية نزاهته بما يمكنه من الاضطلاع بمهمة حماية الديمقراطية الناشئة من آفة الفساد كأحد أهم استحقاقات الثورة وأوكد مطالبها لا يتوقف على سن التشريعات ووضع النصوص القانونية فقط وهو من مسؤولية المجلس الأعلى للقضاء الضامن لحسن سير القضاء واحترام استقلاله لدوره المفصلي في ضمان نزاهة القضاء والقضاة بتفعيل ما أُفرد به من صلاحية الرقابة على استقلال القضاة ونزاهتهم وكفاءتهم من خلال إسناد المسؤوليات القضائية والتجريد منها ومن خلال البت في كل القضايا التي أثارت الجدل العام حول نزاهة القضاء كالقضية غير المسبوقة المتعلقة بشبهات مآخذ جزائية وتأديبية جدية منسوبة للرئيس الأول لمحكمة التعقيب.
من جهة اخرى تم سن القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء وتركيزه بعد مخاض عسير كهيكل دستوري جامع للأقضية الثلاثة العدلي والإداري والمالي وموحد لضمانات استقلال القضاة وضامن لحسن سير القضاء واحترام استقلاله ،هذا الهيكل لا زال يبحث عن طريقه ويواجه عديد الانتقادات من الهياكل المهنية للقضاة وغيرها كما تم تركيز قطبين الاول مختص في مكافحة الفساد والثاني في مكافحة الإرهاب ولكن هاتين المؤسستين القضائيتين تواجهان عديد الصعوبات ،كما أن المسار الدائم للسلطة القضائية لم يكتمل بعد إذ ظلت هياكل اخرى هامة ينتظر تركيزها على رأسها المحكمة الدستورية.
في ذات السياق قدم القاضي الإداري عماد الغابري قراءة مختصرة لوضع القضاء التونسي بعد مرور عشر سنوات على الثورة إذ وصفه على أنه شعور بالاحباط من حصيلة ناقضت التطلعات إبان الثورة. وقال أرى أنّ أمّ المعارك التي لا بدّ من حسمها في هذه الفترة الانتقالية التي طال أمدها هي تحصين القضاء من سلطة المال والسياسة ومراكز النفوذ مهما كان موقعها.هذا الهدف الاستراتيجي لا يهمّ فقط الشأن القضائي إنّما الشأن الوطني طالما أنّنا اليوم في إطار تصوّر «لقضاء مواطني» وبما أنّ القاعدة الطبّية تقتضي أنّ معرفة الأسباب طريق للعلاج فهنالك اسباب داخلية تختزل في ميراث مرحلة طويلة بدأت من قبل 2011 و تمثلت في اختراق بفعل القانون و التراتيب وبفعل النفوذ السياسي و المالي عبر خلق ولاءات و أروقة إفتاء أصابت ضعاف النفوس من «المتذللين على الاعتاب» وتركت أثرا خطيرا لا بدّ من محوه وتفكيكه .
لذلك على الجسم القضائي المؤسساتي الشريف أن يفتح هذا الملف بكل جرأة وشجاعة عبر آليات صدّ وتحييد القضاء عن تأثير النفود السياسي والمالي والفئوي من جهة ومن جهة أخرى عبر آليات المساءلة والتأديب .كما أنه آن الآوان للتزيل التشريعي للمبدإ الدستوري الوارد بالفصل 109 من الدستور المتعلق بتحجير التدخل في القضاء و اعطاءه المضمون العقابي اللازم على مستوى النصوص التطبيقية. واخرى الخارجية تتعلق بضرورة وجود إرادة دولة واضحة وصريحة في تأصيل القضاء في بيئة سليمة حتى يكون نباته حسنا من خلال خاصة استكمال القوانين اللازمة الضامنة لاستقلال القضاء وتخليص إدارة القضاء و إجراءاتها من التصوّر البيروقراطي الشكلاني التقليدي وعصرنتها و إدخالها مرحلة الرقمنة وفتح مداخلها وتيسير الولوج إليها أن تكون مراجعة الوضع المادي للقضاء سواء أتعلق الأمر بالقضاة أو أعوان القضاء أو إدارة القضاء ضمن منظور إصلاح القضاء وليس من زاوية قطاعية مطلبية، فلا ينبغي أن نغفل أنّ خطّ الدفاع الاوّل في مواجهة تأثير المال والنفوذ هو الوضع المادي للقضاء .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115