في غياب المحكمة الدستورية: من يتحمّل مسؤولية إقرار «شغور» منصب رئيس الجمهورية؟

مماطلة مجلس نواب الشعب في استكمال تركيبة المحكمة الدستورية أدى خلال الفترة الراهنة الى أزمة

قانونية أصبح من الصعب تجاوزها او الخروج منها بطرق يمكن القول انها سليمة قانونيا.

كانت إصابة رئيس الجمهورية الباجي القائد السبسي بـ«وعكة صحية حادّة» مثلما أوردت رئاسة الجمهورية في بلاغ سابق لها، بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس خاصة وانّه من المفترض ان يقوم رئيس الجمهورية بالدعوة للانتخابات في أجل لا يتجاوز الأسبوع المقبل.

و أدى تضارب الأخبار حول الحالة الصحية للباجي قائد السبسي الى إثارة مسألة الجهة المختصّة بإقرار شغور منصب رئاسة الجمهورية.

وفي ظل غياب المحكمة الدستورية باعتبارها الجهة الوحيدة المختصة قانونا بالإعلان عن شغور منصب رئاسة الجمهورية، فقد طرحت العديد من الفرضيات.

في هذا الإطار حاولت «المغرب» من خلال اتصالها بخبير القانون الدستوري الاستاذ معتز القرقوري، التطرق الى اغلب الفرضيات التي قد تكون مخرجا للازمة الراهنة.

«تفويض الصلاحيات»
اعتبر الخبير في القانون الدستوري الأستاذ معتز القرقوري انّ الفرضيات المطروحة في ظروف الحال عديدة لكن تبقى كلها نسبية وقابلة للاجتهاد.

واكد أن رئيس الجمهورية وفي صورة تعذّر عليه القيام بمهامه بصورة مؤقتة بإمكانه تفويض صلاحياته الى رئيس الحكومة عن طريق أمر، وذلك طبقا لأحكام الفصل 83 من الدستور.

وأوضح في تصريح لـ«المغرب» ان مسألة التفويض في صورة الحال خيارية لرئيس الجمهورية، وتكون مدّة التفويض 30 يوما قابلة للتجديد مرة واحدة. وشدد على انّ النص القانوني يوجب ان يكون رئيس الجمهورية قادرا على إمضاء امر التفويض، ثم يقوم بإعلام رئيس مجلس نواب الشعب انه قام بتفويض صلاحياته بصفة مؤقتة لرئيس الحكومة.

«الهيئة تتعهد من تلقاء نفسها»
الفرضية الثانية في صورة وجود شغور وقتي ولكن الأسباب تحول دون تفويض صلاحياته، كان يكون غير واع وفي وضعية لا تسمح له بالتفويض، فانه وفي الحالة الطبيعية تقوم المحكمة الدستورية بإقرار الشغور الوقتي طبقا لأحكام الفصل 84 من الدستور، لكن وفي وضعيتنا الحالية فانه لا وجود لمحكمة دستورية.
وقد استبعد محدّثنا فرضية تنقيح الدستور، مؤكدا انها غير صائبة وذلك لان تنقيح الدستور يستوجب المرور على المحكمة الدستورية مما سيؤدي الى الدوران في حلقة مفرغة دون الوصل الى أي حل.

كذلك الشأن حول مسالة تنقيح القانون الأساسي للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين لإعطائها الاختصاص، الامر يستوجب متسعا من الوقت وفق مصدرنا.

الهيئة الوقتية هي التي يمكنها ان تمارس الاختصاص في الوضعية الحالية، لكن يجب ان تتعهد تلقائيا بالأمر.

واوضح القرقوري بان الهيئة تتعهد من تلقاء نفسها، وتقوم بإقرار الشغور الوقتي لمنصب رئيس الجمهورية وذلك بناءا على تقرير طبي من الأطباء المباشرين للحالة الصحية لرئيس الجمهورية.

وأوضح القرقوري أن الدستور والقانون الأساسي المنظّم للهيئة الوقتية لم يعط هذه الصلاحية الى الهيئة وخصّها فقط بمراقبة دستورية مشاريع القوانين، لكن الهدف هنا هو الخروج من الوضعية الحالية دون خرق للقانون وباقل الإضرار الممكنة.

لكن و بما أنها تراقب دستورية القوانين ومتكونة من أعلى القضاة في الدولة وهم كل من رئيس المحكمة الإدارية ورئيس محكمة التعقيب ورئيس محكمة المحاسبات و3 أساتذة مختصين في القانون ومعترف بكفاءتهم ، وعلى هذا الاساس فان الهيئة يمكن ان تضمن الحد الادنى من المصداقية على مستوى حالة الشغور الوقتي لمنصب رئيس الجمهورية وفق معتز القرقوري.

واستبعد محدّثنا امكانية اللجوء الى السلطة التشريعية وهو مجلس نواب الشعب وذلك نظرا لهيمنة الانتماءات السياسية والحزبية، مشددا في السياق نفسه على انّ الهيئة قد تكون اكثر حيادية.

«للرئيس المؤقت صلاحية الدعوة للانتخابات»
واعتبر الخبير في القانون الدستوري انه وبمجرد اقرار الشغور الوقتي سيحل رئيس الحكومة محل رئيس الجمهورية، وذلك لمدة لا تتجاوز 60 يوما.

ويمكن للرئيس المؤقت في هذا الاطار القيام بكل صلاحيات رئيس الجمهورية باستثناء 3 صلاحيات وردت على سبيل الحصر ضمن الفصل 86 من الدستور (لا يمكنه المبادرة بتنقيح الدستور والالتجاء للاستفتاء وحل مجلس نواب الشعب).

وأكد القرقوري انه وفي صورة ما إذا حل رئيس مؤقت بمنصب رئاسة الجمهورية فانه لا يمكنه اللجوء الى الاستفتاء بخصوص قانون الانتخابات، لكن في المقابل فانه يخوّل له الدعوة للانتخابات.

واعتبر معتز القرقوري أنّ هذا الحلّ قد يكون الانسب نوعا ما للوضعية الحالية للبلاد، وان تقوم الهيئة بإقرار الشغور الوقتي.

«مجلس النواب يمكنه إقرار الشغور ولكن ...»
من جهة أخرى، اعتبر الخبير في القانون الدستوري معتز القرقوري انه بإمكان مكتب مجلس نواب الشعب أن يقرّ بالشغور الوقتي لمنصب رئاسة الجمهورية، لكن هنا المسالة تستوجب على الأقل طرفا محايدا وليس سياسيا على حد تعبيره.

وشدد في السياق نفسه على أن «المسألة هنا ستثير تعقيدات وإشكالات نحن في غنى عنها حاليا خاصة وان البلاد تمر بظروف جدّ حساسة» ، لذلك فانه من المستحسن ان تكون الهيئة الوقتية باعتبار تركيبتها في مرحلة أولى وبما أنها هيئة قضائية (محكمة) ترتكز على ضمانات الحياد والكفاءة والنزاهة والاستقلالية فقد تكون هي المؤسسة الوحيدة التي ستنال ثقة ورضاء كافة الأطراف.

واوضح محدّثنا انه وفي كل الحالات وفي صورة ما إذا تجاوز الشغور الوقتي الـ60 يوم أو إذا استقال رئيس الجمهورية أو في حالة الوفاة أو العجز الدائم ستتحول المسألة من شغور مؤقت الى شغور نهائي. صورة الحال تعتبر اقل حدّة من مسألة الشغور المؤقت،ولا تطرح اي إشكال تقريبا، حيث يحيل الدستور منصب رئاسة الجمهورية الى رئيس مجلس النواب، ويجب ان يتمّ إجراء انتخابات في اجل أقصاه 90 يوما.

كل ذلك سيبقى مجرد فرضيات وحلول استثنائية الى ان يتم تركيز المحكمة الدستورية، وعلى الجهات المعنية الاتعاظ من هذه الازمة والوعي بخطورة عدم تركيز المؤسسات الدستورية على المنظومة ككل، خاصة وانّ مختلف الهياكل القضائية واساتذة القانون قد حذروا في عديد المرات من انعكاسات هذا الفشل في ارساء المحكمة الدستورية . وحمّلوا مجلس نواب الشعب في اكثر من مرة مسؤولية الفشل في استكمال تركيبة المحكمة الدستورية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115