إخفاق آخر لمجلس نواب الشعب في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية: «مصادرة لحق المواطن، مؤشر يعكس منظومة حكم تقوم على إنكار الاختصاص والإرادة منعدمة»

فشل جديد ينضاف إلى سجلّ مجلس نواب الشعب في ما يتعلّق بانتخاب ثلاثة أعضاء للمحكمة الدستورية من بين قائمة

المترشحين ،السبب هو غياب التوافقات بين الكتل النيابية حول الأسماء الثلاثة إذ لم يحصل أي من المرشّحين على عدد الأصوات المطلوب وهو 145 صوتا، إخفاق في الخروج من هذه الأزمة تواصل لثلاث دورات على التوالي في ظلّ تمسّك الكتل النيابية كلّ بموقفه لتمرّ أربع سنوات والمحكمة الدستورية لا تزال رهينة التوافق شبه المستحيل وهو ما فتح الباب لطرح أكثر من سؤال لأن الوضع أصبح ينذر فعلا بوجود أزمة حقيقية أثارت استياء كلّ المتابعين لهذا الشأن وخاصة أهل القطاع أي مرفق العدالة بصفة عامة،في هذا السياق وضعنا هذا الملف وما حدث في قبّة باردو يوم 6 مارس الجاري تحت مجهر عدد منهم.

من المضحكات المبكيات في ملف المحكمة الدستورية أن مجلس نواب الشعب قد صادق على ثلاث ميزانيات لهذه الهيئة دون أي وجود فعلي لها رغم أهمية المهام الموكولة إليها ودورها في الانتقال الديمقراطي.

«تنقيح القانون ليس الحلّ»
تواصل إخفاق مجلس نواب الشعب في انتخاب ما تبقى نصيبه في عضوية المحكمة الدستورية (ثلاثة أعضاء علما وانه قد تم انتخاب روضة الورسيغني في إحدى الجلسات السابقة) وصف بالفضيحة خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي يغيب فيها التوافق الذي يؤدي إلى فشل العملية الانتخابية، في هذا السياق تحدثنا مع يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء الذي قال في تصريح لـ«المغرب» إن «هذا التجاذب السياسي حول تعيين أعضاء المحكمة الدستورية والذي طال بحيث لم يعد خافيا على احد من شأنه زعزعة الثقة في أي خيارات يتم الاتفاق عليها لاحقا وان كانت في اتجاه أشخاص مشهود لهم بالكفاءة،كما أن التجاذب السياسي حول شخص القاضي الدستوري يضع الثقة حول قراراته فيما بعد مهما اجتهد في الميزان وخاصة أن تاريخنا يشهد بأن جميع محاولات التجميل التي أدخلت على المجلس الدستوري سابقا بما في ذلك دسترته لم تنجح في تعزيز الثقة فيه نتيجة طريقة تعيين أعضائه بالأساس ولذلك آن الأوان لإيقاف ما يحصل إما بتحمل الكتل النيابية لمسؤوليتها والتوافق حول الأعضاء أو باتخاذ قرار شجاع بعدم قدرتهم على التوافق حفاظا على المؤسسة التي لم تر النور بعد» أما فيما يتعلق باحتمال تنقيح القانون خاصة في النقطة المتعلقة بعدد أصوات الأغلبية (145) قال بوزاخر» التنقيح ليس حلا وما على كافة الأطراف إلاّ الوعي بدقة المرحلة وإعلاء مصلحة الوطن لأن ما حصل هو مصادرة لحق المواطن في اللجوء للمحكمة الدستورية للتوقي من ترسانة القوانين الجائرة والمخالفة للدستور بما يطرح السؤال حول تمثيلية المجلس فعلا لكل المواطنين»

«إلى متى هذا الانفصام؟»
للقضاء الإداري كلمته أيضا في ما يتعلق بالمحكمة الدستورية هذه الهيئة القضائية التي لقّبها الدستور والقانون المنظم لها بالدستورية المستقلّة والتي عرفت تعثّرا في تركيزها بسبب التجاذبات السياسية التي أصبحت واضحة للعيان بما لا يجعل مجالا للشّك، هنا تحدثنا مع عماد الغابري رئيس وحدة الاتصال بالمحكمة الإدارية فقال»هذا مؤشر يعكس منظومة حكم تقوم على إنكار الاختصاص أو ما يعبّر عنه فقها le déni de compétence.فالعديد من الالتزامات الدستورية و القانونية المهمة في فترة الانتقال الديمقراطي في الدولة معطّلة والغريب أنّ العطل يأتي من أجهزة الحكم نفسها، فإلى متى هذا الانفصام بين أجهزة الحكم و أجهزة الدولة؟؟؟» ،هذا وأضاف الغابري في حديثه عن الحلول الممكنة للخروج من هذه الدوامة «الحلّ في أن يتحلى رجل السياسة بعقليّة الدولة ويتنازل عن التقدير الذاتي والنفعي الضيق ويغلب في المقابل المصلحة العامة وينظر السياسي إلى أن حركة السير تكون إلى الأمام وفي خط مستقيم .فقواعد السياسة في حاجة إلى مراعاة القواعد الفيزيائية حتى لا نظل ندور على نفس المحور وفي شكل دائري فمن غير المقبول تغيير الأغلبية المستوجبة بالثلثين لأن أساسها هو إيجاد أكثر حدّ للتوافق بين مختلف الحساسيات داخل البرلمان وبالتالي إضفاء نوع من الموضوعية وعدم الولاء في اختيار العضو.وأن التخفيض في النصاب هو الذي سيؤدي إلى اختيار أعضاء بحسب الولاء السياسي وهذا خطير.أنا مع إيجاد نظام تقييم للأعضاء المترشحين وترتيب فيما بينهم وعرضهم على الجلسة العامة للتصويت على كل مرشح على حدة.وهذا يقتضي ربما تغيير طريقة الاقتراع على الأشخاص في النظام الداخلي للمجلس».

«النوايا واضحة»
المحامون أيضا بصفتهم طرفا في مرفق العدالة وإرساء المحكمة الدستورية مسألة هامة بالنسبة لهم لما لها من دور في إنجاح الانتقال الديمقراطي باعتبارها هيئة لها صلاحيات ومهام جدّ دقيقة وحساسة، هنا رصدنا مواقف البعض من أصحاب العباءة السوداء حيث لخّص كريم الراجح المشهد في هذه الكلمات «أضحت النوايا واضحة والإرادة منعدمة في إحداث محكمة دستورية»،أما زميله الطيب بالصادق فقال «لأنها الخطوة الأخيرة لن تمر بسهولة».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115