على السلطة التنفيذية لما في ذلك من تكريس لهيبة الدولة وفرض احترام السلطة القضائية التي تُعدّ السبيل الوحيد الذي يلوذ إليه الأفراد للحصول على حقوقهم وحرياتهم بدءا من رئيس الجمهورية إلى أبسط مواطن بالبلاد. وانه ليس للحكومة أن تنتظر دعوة الهياكل الممثلة للقضاة للقيام بواجبها.
أكّد وليد الهلالي أن «اتحاد القضاة الإداريين قد دعا في أكثر من مناسبة إلى ضرورة تأمين المحاكم الإدارية بالجهات، الّا انه لم يتم التعامل معه بالجدية المطلوبة، في المقابل فان الحكومة حريصة وبشدّة على تأمين مقرات بعض الأحزاب السياسية وغلق الطريق العام المؤدية إليها على المترجل ووسائل النقل المختلفة. فهل يجب أن ننتظر سقوط ضحايا في صفوف القضاة حتى تتحرّك الدولة؟»
«غياب تام للدولة»
اعتبر محدّثنا أنّ «عدم التعامل بالجدية الكافية من طرف الحكومة مع مسألة تأمين المحاكم الإدارية بالجهات، رغم الدعوات المتكرّرة في الغرض من طرف الاتحاد، فيه استخفاف بهيبة القضاء والقضاة وتشجيع ضمني على استباحة المحاكم والإعتداء على القضاة ممّا سيؤدي إلى حصول كارثة في المستقبل، الأمر الذي سيفتح الباب لتدخل الساسة آنذاك في وسائل الإعلام وتوظّيف ما قد يحصل سياسيا قصد ضرب القائمين على الشأن العام من أجل أغراضهم الشخصية، في المقابل سيواجه القضاة و كتبة المحاكم مصيرهم بأنفسهم في غياب تام للدولة مثلما حصل الأربعاء الفارط 27 فيفري 2019 بمقرّ المحكمة الإدارية بالكاف عندما تهجّمت مجموعة من الأشخاص، بإيعاز من أحد المحامين، على مكاتب القضاة بالمحكمة والكتبة برفقتهم امرأة حاملة بيدها البنزين وتهدد بحرق نفسها إن لم تتم الإستجابة لمطالب المجموعة المذكورة وهي الإذن بتوقيف تنفيذ قرار بلدي يقضي بهدم منازلهم التي شُيّدت دون رخصة».
واوضح الهلالي بان رئيس اتحاد القضاة الإداريين، بعد إحداث المحاكم الإدارية بالجهات بمناسبة الانتخابات البلدية السابقة في وقت وجيز، قام خلال شهر مارس 2018 بزيارة جميع المقرات ووقف على وجود عدّة نقائص وإخلالات من أهمها الغياب التام للأمن، على غرار ما هو موجود بالمحكمة الإدارية بالعاصمة، وقد تم التنبّيه والتحذّير من هذه النقائص. كما دعا
رئيس الاتحاد انذاك الرئيس الأول للمحكمة الإدارية لمباشرة إجراءات تأمين مقرات المحاكم فورا، الا انه «فوجئ خلال الزيارة الثانية التي أداها رفقة عضوين من المكتب التنفيذي في شهر جانفي 2019 لمقرات المحاكم الإدارية بالجهات، بعدم ايلاء المطالب المذكورة اية اهمية، الأمر الذي يؤكد لامبالاة السلطة بخصوص مسألة تأمين المحاكم الإدارية إلى أن حصلت أحداث المحكمة الإدارية» بالكاف على حدّ تعبيره.
« صيحة فزع»
وشدّد محدّثنا على إنّ تكرّر الإعتداءات على المحاكم دون التصدي بكل قوّة لهذه الظاهرة بكافة الإجراءات القانونية المتاحة يثبت عدم قدرة رئيس الحكومة ووزير الداخلية والقائمين على الشأن العام بصورة عامة على فرض إحترام هيبة الدولة وسلطة القانون، كما أنّ الإكتفاء بالتصريحات «الرنّانة» سواء من طرف رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة المتعلقة بدعم استقلالية وهيبة القضاء دون استتباعها بالإجراءات العملية الكفيلة بحماية القضاة عند أدائهم لمهامهم وتأمين مقرات المحاكم ضدّ كلّ اعتداء مهما كان نوعه يعتبر «استبلاها واستخفافا» بالقضاة الذين أصبحوا مهدّدين بشكل يومي في حياتهم بسبب المهام الموكولة لهم».
وأكد الهلالي بان «الدولة قد بلغت أقصى درجات الضعف والوهن بسبب الساهرين على شؤونها وذلك لجهلهم بمفهوم الدولة والذي من أهم مبادئه فرض إحترام القانون على الجميع واحترام القضاء وتنفيذ أحكامه».
اضافة الى ذلك فقد اعتبر محدّثنا ان تواتر تصريحات المسؤولين في السنوات الأخيرة وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المشددة على أنّ القضاء اليوم أصبح مستقلا وأنّ السلطة التنفيذية لم تعد تتدخّل في القضاء هو أمر محمود ولكن يبدو أنّ عدم تدخل السلطة التنفيذية في القضاء وصل إلى حدّ عدم تأمين المحاكم وعدم تنفيذ الأحكام وهو واجب محمول عليها بالدستور والقانون على حدّ تعبيره.
واعتبر أن لامبالاة الدولة وعجزها على حماية قضائها وقضاتها ومحاكمها سيجعل السلطة القضائية مهدّدة بالزوال و«مثل الدولة (المتكونة من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية) في ذلك كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
وشدد رئيس اتحاد القضاة الإداريين على ان الوقت قد حان لإطلاق صيحة فزع بخصوص مسألة تأمين مقرات المحاكم وجلسات المرافعة لتأثيرها المباشر على السير العادي للمرفق القضائي وعلى حقوق المتقاضين ودعا رئيس الحكومة الى تحمل مسؤوليته التاريخية كاملة بخصوص ما قد يحدث في المستقبل ولضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة فورا في هذا الخصوص تفاديا لاي كارثة قد تحصل. ودعا كافة القضاة بمختلف المحاكم الإدارية إلى «التحلّي باليقظة وعدم التأثر بأي نوع من أنواع الضغط والقضاء وفق وجدانهم وبما هو متوفرّ لديهم بالملفات المنوطة بعهدتهم».