في ندوة دولية حول الآليات الوقائية لمواجهة الاكتظاظ داخل الأماكن السالبة للحرية: «53 طفلا في سجون الكبار،نسبة الموقوفين فاقت 60 % بين رجال ونساء و20 ألف سجين سيتمتعون بالعقوبات البديلة»

نظمت الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب أمس الثلاثاء 18 ديسمبر الجاري ندوة دولية بعنوان «الآليات الوقائية الوطنية في

مواجهة الاكتظاظ داخل الأماكن السالبة للحرية المقاربات والاستراتيجيات» والتي ستختتم اليوم بأحد النزل بالعاصمة،هذه الندوة حضرها كل من هشام الفراتي وزير الداخلية و فاضل محفوظ وزير العلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني، بالإضافة إلى ممثلين عن وزارة العدل والداخلية والإدارة العامة للسجون و الإصلاح الذين تطرقوا إلى مسألة هامة وهي ظاهرة الاكتظاظ في السجون التونسية والحلول الممكنة للقضاء عليها.

شدّد جميع المتدخلين على ضرورة تضافر كلّ الجهود من أجل توفير سجون تتطابق مع المعايير الدولية وتليق بالذات البشرية وكذلك الوقوف على أهم أسباب الاكتظاظ والبحث عن العقوبات البديلة التي تتطلب أسسا قانونية وإدارية.

السجون في أرقام
قدّمت نورة الكوكي عضو بالهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب مداخلة ثريّة حول ما تمت معاينته داخل السجون التونسية بصفة عامة وذلك من خلال بسط جملة من الأرقام والإحصائيات،فالعدد الجملي للمساجين الرجال قد بلغ 22867 سجينا 583 نساء 17641 محكوم و 12226 موقوفين وبالتالي فإن نسبة المحكوم عليهم قدّرت بـ46.5 % و معدّل العود بالنسبة للرجال بلغت 38.5 % وهي نسبة مرتفعة جدّا وفق تعبير الكوكي،في المقابل فإن مجموع السجينات قد بلغ 583 امرأة بينهم 367 موقوفات و216 محكوم عليهنّ وهي بنسبة 63 % وقد بلغت نسبة العود 11.5 % ». وفي ما يتعلّق بالاكتظاظ داخل السجون فقد أوضحت الكوكي أن النسبة العامة لا تعكس النسب التفصيلية في كلّ سجن إذ نجد على سبيل المثال سجن مرناق يعاني من ظاهرة الاكتظاظ التي بلغت 151.7 % وسجن المنستير بأكثر من 88 %.

ماذا عن الأسباب والتداعيات؟
أرجعت عضو الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب ظاهرة الاكتظاظ إلى عديد الأسباب وقالت في هذا السياق «من ابرز الأسباب هي البنية التحتية للسجون،المنظومة القانونية وطول آجال الاحتفاظ في قضايا الإرهاب والإيقاف التحفظي ،السياسة القضائية أي التساهل أو التسرع في إصدار بطاقات الإيداع بالسجن وهيمنة المقاربة الأمنية على المقاربات العدلية والوقائية. ظاهرة الاكتظاظ لا بد أن تكون لها تداعيات سلبية على مستوى حقوق السجين وظروف عمل الأعوان أيضا هنا تحدّثت الكوكي فقالت «على المستوى الصحي انتشار الأمراض والعدوى،تدني جودة الوجبة من حيث الكم والكيف نقص الخدمات الطبية للسجناء،قلّة الادواش مقارنة بعدد السجناء،الحرمان من الحق في النوم بسرير فردي ينجرّ عنه الاعتداءات الجنسية وتسهيل تسريب المواد المضرّة كالمخدرات وشفرات الحلاقة وغيرها ،أيضا ارتفاع مستوى العنف اللفظي والمادي سواء بين المساجين أو بينهم وبين الأعوان الذين يؤثر الاكتظاظ على مردودهم مما ينجر عنه ارتفاع نسب التعذيب وسوء المعاملة وتبريره كوسيلة للسيطرة كما نجد 3 حراس عند 100 سجين نهارا ويتقلّص هذا العدد إلى حارس وحيد ليلا الأمر الذي يجعل الإدارة تلتجئ إلى ما يسمى بالكبران».هنا استنتجت المتدخلة انه لا بدّ من إصلاح المنظومة القانونية والقضائية بالتركيز على العقوبات البديلة وتهيئة السجون وأماكن الاحتفاظ بما يتماشى مع المعايير الدولية وغيرها من الحلول الأخرى».

ضبط قائمة حصرية لأماكن الاحتفاظ
وزارة الداخلية كانت حاضرة خلال هذه الندوة الدولية حيث قدّم محمد علي الخالدي مدير بالإدارة العام لحقوق الإنسان مداخلة قدّم من خلالها مقاربة الوزارة للحدّ من ظاهرة الاكتظاظ حيث أوضح أنها اختارت مقاربة الحدّ من الجريمة لأن الحلّ ليس في بناء السجون وإنما البحث في أسباب تفشي الجريمة،كما تطرّق الخالدي إلى أماكن الاحتفاظ وقال في هذا الملف «مراكز الأبحاث لم تعد تعتبر أماكن احتفاظ كما كان سابقا في مجال الأمن الوطني حيث تم التخفيض في عددها من 332 غرفة احتفاظ إلى 32 غرفة فقط ولكن الأمر يختلف بالنسبة الى مراكز الحرس الوطني باعتبار ظروف العمل وبالتالي فهي مؤهلة نسبيا بان تكون مراكز احتفاظ ،هذا وقد تمّ ضبط القائمة الحصرية لتلك الأماكن التي ستودع نسخة منها لدى الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب وأيضا إعلام المنظمات الوطنية والدولية بها لتسهيل عملهم».

العقوبات البديلة
من جهته رأى نزار سلام رئيس الإدارة الفرعية لتنفيذ العقوبات بالإدارة العامة للسجون والإصلاح أن ظاهرة الاكتظاظ احتدّت مع ثورة 2011 وذلك بعد تعرّض عدد من السجون والغرف إلى الحرق وقال أيضا «نحن فعلا في حاجة إلى بناء سجون جديدة طبقا للمعايير الدولية وتهيئة أماكن احتفاظ تليق بالذات البشرية ولكن هذا ليس الحل الوحيد بل لا بد من مقاربة شاملة بالتدخّل في جميع المجالات وتركيز منظومة إصلاحية متكاملة للحدّ من العود». سفيان مزغيش الناطق الرسمي باسم إدارة السجون والإصلاح قدّم جملة من الإحصائيات في مداخلة إذاعية فقال»اغلب المساجين اليوم هم من فئة الشباب اذ بلغت النسبة 75 % ومن المنتظر أن يتمتع 20 ألف سجين بالعقوبات البديلة وهي تهم الأشخاص الذين ارتكبوا جنحا بسيطة لا تتجاوز عقوبتها السنة سجنا كالسرقة او العنف الذي لم ينجرّ عنه تشوّه جسدي”،هذا و قد اوضح مزغيش ان هناك نوعين من العقوبات البديلة وهما التعويض الجزائي والعمل لفائدة المصلحة العامة وقال في ذات الخصوص «العقوبات البديلة لم يتم تفعيلها منذ 1999 لغياب الإطار الإداري الذي يعاضد عمل قاضي تنفيذ العقوبات في المتابعة والمراقبة والاتصال بالمؤسسات التي سيتم فيها تشغيل الأشخاص في إطار عقوبة العمل للمصلحة العامة،فأول مكتب مصاحبة تم تركيزه في سوسة منذ 2013 وهو اليوم متعهّد بـ1000 ملف».

أطفال دون 18 سنة
قدّمت نورة الكوكي عضو الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب مداخلتها حول الاكتظاظ داخل السجون التونسية حيث تطرقت إلى مسألة جدّ مهمة وهي عدد الذكور من فئة الأطفال دون سنّ 18 سنة المودعين في سجون الكبار وقد بلغ عددهم 53 طفلا،52 منهم ذكور وطفلة بسجن النساء وهذا العدد الإجمالي موزع بين موقوفين(45) ومحكوم عليهم (7).

إساءة المعاملة والتعذيب
صرّح محمد علي الخالدي عن الإدارة العامة لحقوق الإنسان بوزارة الداخلية أن «مسألة إساءة المعاملة ونزع الاعتراف تحت التهديد أو التعذيب لم تعد سياسة دولة ولكن هناك حالات فردية لا يمكن إنكارها ولابد من دراستها والوقوف على الأسباب التي من بينها ضعف الإمكانيات والضغط النفسي في العمل»،هذا وبيّن الخالدي أنه «تمت إحالة مئات الأعوان على مجالس الشرف ومجالس التأديب و كذلك القضاء والتي ينجرّ عنها آليا الرفت والشطب من الوظيفة العمومية».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115