وغيرها من الكلمات التي تداولتها كافة الهياكل القضائية والمنظمات ، اثر التحرك الاحتجاجي الذي نفذه عدد من الامنيين أول أمس الاثنين بمقر المحكمة الابتدائية ببن عروس للمطالبة بالإفراج عن زملائهم المحالين في قضية تعذيب لأحد الموقوفين على ذمة قضية حق عام.
أثار موقف نقابة موظفي الادارة العامة للأمن العمومي من إحالة عدد من الامنيين بشبهة تعذيب احد الموقوفين، وقرارها بمقاطعة تامين الجلسات بالمحكمة المذكورة وحثّ منظوريها على عدم مغادرة اسوار قصر العدالة الى حين الإفراج عن الأمنيين المتهمين استنكار مختلف الهياكل القضائية والاحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني، الذي اعتبروها «دعوة واضحة إلى العصيان والتمرد على مؤسسات الدولة».
أمام اختلاف الراويات وتعددها حول ماعاشته محكمة بن عروس اول امس من اقتحام ومحاصرة وترهيب من قبل الوحدات الأمنية، اتصلت «المغرب» بالناطق الرسمي باسم المحكمة المذكورة مساعد وكيل الجمهورية عمر حنين للوقوف على حقيقة الواقعة وأطوارها.
«التقرير الطبي اثبت وجود تعذيب»
شدّد مساعد وكيل الجمهورية عمر حنين على انّ القضاء مستقل ولا يعمل تحت الضغط مهما كان مصدره وانه خلافا لما تمّ تداوله بمختلف وسائل الاعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي وعلى لسان النقابات الأمنية من خلال البيانات الصادرة عنهم فان الموضوع لا يتعلق بقضية ارهابية ولا بعنصر ارهابي.
وأكّد انّ النيابة العمومية بمحكمة بن عروس لا تتعهد بالقضايا الإرهابية وانّ الملفات الإرهابية من الاختصاص الحصري للقطب القضائي لمكافحة الإرهاب لا غير.
واكّد حنين انّ قضية الحال تتعلق بالأساس بقضية حق عام وتحديدا قضية «براكاج» تورط فيها العديد من المتهمين من بينهم عماد البلعزي وهو محلّ شبهة ارهابية في قضايا اخرى وكذلك هناك متهم اخر في ذات القضية ابن لاطارين ساميين في وزارة الداخلية.
من جهته فقد قرر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية ببن عروس إصدار بطاقات ايداع بالسجن في حق المتهمين في قضية الحال، مشيرا الى انه وبمناسبة البحث في قضية «البراكاج»، تولى لسان الدفاع في حق البلعزي رفع شكاية لدى وكالة الجمهورية مفادها انّ المتهم قد تعرّض الى العنف والتعذيب من طرف أعوان الضابطة العدلية المتعهدين بالبحث في القضية المذكورة.
بناءا على الشكاية المذكورة ، أذنت النيابة العمومية بابتدائية بن عروس بفتح بحث تحقيقي في الغرض وعرض المتضرر على الطبيب الشرعي. من جهته أكّد الطبيب الشرعي انّ المتهم قد تعرض الى حوالي 22 كدمة على جسده محدثة بالات صلبة فضلا عن وجود جروح ناتجة عن شظايا بلورية وغيرها.
«الافراج عن كافة المظنون فيهم»
بعد الاطلاع على تقرير الطبيب الشرعي، أذنت النيابة العمومية بالاحتفاظ بـ3 أعوان امن واحالة اثنين آخرين بحالة تقديم وفق ما اكده مصدرنا. وقد تمت إحالة المظنون فيهم أوّل أمس الاثنين على أنظار قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية ببن عروس، وبعد سماع كافة الاطراف واجراء المكافحات القانونية فيما بينهم، قرر قاضي التحقيق المتعهد، في ساعة متأخرة من الليلة الفاصلة بين الاثنين والثلاثاء ابقاء جميع المشتبه بهم بحالة سراح وعرضهم على القيس.
وبخصوص اقتحام الأمنيين للمحكمة ومحاولة الاعتداء على القضاة، اكّد مساعد وكيل الجمهورية انّ المسألة لا أساس لها من الصحّة. وانّ العناصر الامنية التي حضرت اول امس الاثنين امام المحكمة الابتدائية ببن عروس لم تتجاوز الوقوف نصرة لزملائهم ومساندة لهم، نافيا بذلك ما روج من أخبار مفادها محاصرة المحكمة. وشدد مساعد وكيل الجمهورية في السياق نفسه على انّ النيابة العمومية لن تسمح بما تمّ ترويجه وان الأمر اقتصر على مساندة أعوان الأمن لزملائهم وان الأمر يتعلق في الأساس بقضية حقّ عام ولا علاقة لها بالإرهاب.
المجلس الأعلى للقضاء يحذّر
من جهته اعتبر المجلس الأعلى للقضاء أن تجمهر مجموعات من الأمنيين الحاملين للسلاح وانتهاكهم لحرمة المحكمة الابتدائية ببن عروس على خلفية تتبعات قضائية موجهة ضدّ بعض زملائهم يعد ضربا لاستقلالية السلطة القضائية وعملا غير مسؤول.
وأوضح المجلس في بيان له انّ ما صدر عن هذه المجموعات الأمنية فيه مساس من استقلالية القرار القضائي وارتهان له، كما انه يمثل اعتداء مباشرا على حرمة المحاكم و قضاتها.
وشدد على ان هذه الممارسات من شأنها زعزعة الثقة في الجهاز القضائي بما يهدد مقومات وأسس النظام الجمهوري الديمقراطي، وحمل في السياق نفسه السلطة التنفيذية المسؤولية عن تدهور الوضع الأمني بالمحاكم .
كما دعا الحكومة الى ضرورة تعزيز أمن المحاكم وإخضاعه مباشرة للسلطة المباشرة للمشرفين على المحاكم واتخاذ الوسائل القانونية والمادية اللازمة لتأمين المحاكم والإطار القضائي.
«وقائع مخجلة»
اعتبرت نقابة القضاة التونسيين، في بيان لها أمس الثلاثاء، انّ الوقائع التي جدت أوّل أمس الاثنين بمقر المحكمة الابتدائية ببن عروس والمتمثلة في تجمهر مجموعة من الأمنيين بحرم المحكمة حاملين أسلحتهم الوظيفية وقيامهم بتطويق المكان بالسيارات الأمنية مخجلة.
وشددت على انّ هذا التحرك ليس سليما، بل يمثل ضغطا مباشرا وغير مقبول على القضاء، باستخدام وسائل سخرتها الدولة لضمان علوية القانون ووقع الإنحراف بها وتوظيفها لتحقيق أغراض شخصية وغير شرعية.
وأكدت أنّ ما صدر عن المجموعة المذكورة يشكل تجاوزات ترقى إلى مرتبة الجرائم المنظمة وتتطلب التصدي لها ولمرتكبيها، وفق القانون، ضمانا لعدم تكرارها.
ودعت كافة القضاة إلى الثبات على مبادئ استقلالية السلطة القضائية وعدم الرضوخ لأية ضغوط من أي نوع، وعدم التواني عن إثارة التتبعات الجزائية إزاء كل تطاول على السلطة القضائية وعلى حرمة المحاكم
كما حملت السلطة التنفيذية مسؤوليتها في تأمين المحاكم حالا، وممارسة صلاحياتها الرقابية والتأديبية إزاء منظوريها، بما يضع حدا لمثل هذه السلوكيات المخالفة لمبادئ دولة القانون والتي يشكل التغاضي عنها تواطؤا سلبيا وفق ما جاء بنصّ البيان.
دعوة لتطهير السلك الأمني
أعلنت كل من النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وجمعية يقظة من أجل الديمقراطية و الدولة المدنية واللجنة من أجل احترام حقوق الإنسان والحريات في تونس والجمعية التونسية للمحامين الشبّان والمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب تضامنها التام مع المحامين ضد كل من يحاول منعهم من أداء واجباتهم تجاه موكليهم والنيل من حقوقهم المكفولة دستوريا. وندّدت المنظمات المذكورة في بيان مشترك بـ«خطورة هذه التصرفات الهمجية التي صدرت عن سلك مطالب بالانضباط على سيرورة العمل القضائي واستقلاليته وعلى مؤسسات الدولة»، داعية السلطة التنفيذية إلى تحمل مسؤوليتها تجاه ما آلت إليه الأوضاع الفوضوية بمحكمة بن عروس أوّل أمس، مما انجر من التشويش على عمل القضاة.
وطالبت وزارة الداخلية بالتدخل العاجل لضبط أعوانها وتنظيم تحركاتهم والإحاطة بهم، واتخاذ إجراءات حازمة ضد دعاة التمرد على الدولة.
ودعت في هذا الاطار الى ضرورة تطهير السلك الأمني ومحاسبة من ثبت ادانتهم و احترام ما جاء في الفصل 19 من الدستور، ذلك اضافة الى ضرورة السحب الفوري للمشروع الحكومي المتعلق بزجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح والذي يشكل خطورة على مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، كما أنه سيمنح صلاحيات مطلقة للأجهزة الأمنية وفق ما جاء بنص البيان.
الهيئة الوطنية للمحامين على الخطّ
تحوّل عميد المحامين عامر المحرزي رفقة عدد من أعضاء هيئة المحامين، إلى مقر المحكمة الإبتدائية ببن عروس، للقاء لسان الدفاع وحثه على الإستبسال في ضمان علوية القانون وتكريس احترام ضمانات المحاكمة العادلة.
وأكدت الهيئة في بيان لها امس الثلاثاء أنّ المحرزي بلّغ وكيل الجمهورية ورئيس المحكمة، استعداد المحامين بكافة تراب الجمهورية للدفاع عن المؤسسات الدستورية، في انتظار أن تتخذ الجهات ذات النظر ما يستوجب اتخاذه من تدابير.
واوضحت الهيئة بانّ عميد المحامين التقى بمكتب وكيل الجمهورية، أعضاء المجلس الأعلى للقضاء وذكرهم بضرورة الإضطلاع بدورهم في توفير الحماية اللازمة للمرفق العام القضائي عموما وحماية القضاة واستقلالية قراراتهم وسيادتها.
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان
اعتداء صارخ على السلطة القضائية
أصدرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان البيان التالي:
«على إثر تعمد مجموعة من العناصر الأمنية الحاملين لأسلحتهم الوظيفية المدعومة من النقابات الأمنية التجمهر بحرم المحكمة الإبتدائية ببن عروس يوم الإثنين 26 فيفري 2018 وتعمدهم تطويق المحكمة بالسيارات الأمنية وتعطيلهم سير العمل ودعوتهم لمقاطعة تأمين المحكمة والجلسات وتعمدهم الإعتداء على الأستاذ المهدي زقروبة بوصفه من تقدم بشكاية في التعذيب في حق منوبه ضد الأمنيين المتهمين وذلك بقصد الضغط على السيد قاضي التحقيق المتعهد بقضية التعذيب وعلى القضاء بصفة عامة من أجل إطلاق سراح زملائهم.
فإن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان :
- تعتبر أن ما صدر عن المجموعات الأمنية المدعومة من قبل النقابات الأمنية يمثل إعتداءا على المحاماة وعلى دورها في الدفاع عن الحقوق والحريات،
- تعتبر أن ما صدر يمثل إعتداءا صارخا على إستقلال السلطة القضائية وتدخلا سافرا في أعمال القضاء وإعتداءا مباشرا على حرمة المحاكم وقضاتها ويساهم في زعزعة الثقة في الجهاز القضائي،
- تنبه من خطورة الأفعال الصادرة عن بعض النقابات الأمنية وتعتبرها تأصيلا لإستفحال ظاهرة الإفلات من العقاب في جرائم التعذيب والمعاملة المهينة والقاسية وغيرها من القضايا التي يكون فيها الأمنيين متهمين،
- تعتبر أن هذه التصرفات التي ترتقي إلى مصاف الجرائم المعاقب عليها قانونا تشكل تهديدا واضحا للسلم والأمن الإجتماعيين وضربا لهيبة الدولة ومدنيتها،
- تعبّر الرابطة عن تضامنها مع المحامين ودورهم كشريك في إقامة العدل والدفاع عن الحقوق والحريات،
- تدعو السلطة التنفيذية ووزارة داخلية لتحمل مسؤوليتها تجاه ما صدر من بعض النقابات الأمنية وعدد من الأمنيين وإتخاذ الإجراءات الإدارية والتأديبية اللازمة ضد كل من ثبت تورطه في الإعتداء على المحاماة والسلطة القضائية وحرمة المحكمة لوضع حد لتغول بعض الأمنيين وبعض النقابات بتحريضها على إستعمال العنف وعدم الإمتثال لقرارات القضاء لتأصيل ثقافة الإفلات من العقاب،
- تدعو السلطة القضائية إلى فتح تحقيق جدي في الأحداث التي جدت بالمحكمة الإبتدائية ببن عروس وتحمل المسؤولية لكل من ثبت إدانته».