بدائرة المحاسبات عن عميق انشغاله من إصرار الحكومة على عدم إقرار الاستقلال الإداري والمالي لدائرة المحاسبات بما سيبقيها في وضعية تبعية وظيفية للسلطة التنفيذية وبما سيعيق قيامها بوظائفها الدستورية في مجال مكافحة الفساد وتكريس مبادئ الشفافية والمساءلة في التصرف في المال العام وضمان سلامة إرساء النّظام الديمقراطي. وطالبها بضرورة توضيح مضمون القرار المعلن عنه رفعا لكل التباس وبمراجعته عند الاقتضاء احتراما لاستقلالية دائرة المحاسبات كهيئة قضائية لا تخضع لإجراءات التدقيق الإداري للسلطة التنفيذيّة التزاما بمبدإ التفريق بين السّلط. وأوضح المجلس القطاعي في بيان صادر عنه أمس الجمعة الموافق لـ9 جوان الجاري أنّ دائرة المحاسبات تتولّى وفقا لمقتضيات الفصل 117 من الدستور والقانون المنظم لها مختلف أصناف الرقابة على تصرّف السلطة التنفيذيّة ولا تخضع لرقابتها دستوريّا وقانونيّا باعتبار استقلاليّتها كمكوّن من مكوّنات السلطة القضائيّة تتمّ مراقبتها من قبل نظيراتها من الأجهزة العليا للرقابة وفقا للمعايير الدوليّة للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة كما يبيّن بأنّ الدائرة قد نشرت آخر تقرير لرقابة النظراء على موقعها الالكتروني في موفّى 2016.
من جهة أخرى فقد نبّه المجلس القطاعي لجمعية القضاة التونسيين بدائرة المحاسبات إلى الفرق بين متابعة تقارير دائرة المحاسبات كسلطة قضائيّة و»التدقيق فيها» كإجراء غير جائز حسب التعريف القانوني ووفقا للمعايير الدوليّة لمساسه بمبدإ التفريق بين السلط كما ينبّه إلى أنّ دائرة المحاسبات هي التي تتولّى قانونا الإحالات القضائيّة بناء على نتائج أعمالها الرقابية وذلك بتكييف المخالفات التي تم إدراجها بالتقارير كعمل قضائي صرف وتوجيهها حسب طبيعتها إمّا إلى دائرة الزجر المالي أو إلى القضاء العدلي .
كما حذّر من خطورة تخلّي المجلس الوزاري المضيّق المنعقد بتاريخ 20 ماي 2016 عن الاستقلالية الإدارية والمالية لدائرة المحاسبات في مشروع القانون المنظم لها المعدّ من قبل الدائرة والمعروض حاليّا على أنظار مجلس نواب الشعب بعد حذف الفصل المتعلق بالاستقلالية الإدارية والمالية منه خلافا للمعايير الدوليّة للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة التي تبنتها دائرة المحاسبات كلّيا منذ سنة 2014 وخلافا لالتزامات الدولة التونسيّة بهذا الخصوص تجاه شركائها الدوليين، داعيا بذلك الحكومة إلى التعجيل بتعزيز موارد دائرة المحاسبات المادّية والبشرية واللوجستيّة بما يضمن تحقيق مهامها وخاصّة متابعة التوصيات الواردة بتقاريرها الرقابية التي تكشف بصفة مفصّلة ومدقّقة عن ممارسات سوء التصرف والفساد الإداري والمالي في الهيئات الخاضعة للرقابة كما يدعوها إلى تجنّب كلّ ما من شأنه المساس باستقلاليّة دائرة المحاسبات وبصلاحيّاتها القضائية .
وكان رئيس الحكومة قد أعلن، خلال ندوة صحفية مشتركة حول مكافحة الفساد عن «فتح تدقيق في تقارير هيئات الرقابة ودائرة المحاسبات خلال الثلاث سنوات الأخيرة في إطار اتّخاذ إجراءات بخصوص الإدارة وأجهزة الدولة لمكافحة الفساد للنظر في مدى إحالة الملفات إلى القضاء وفتح تحقيق فيها واتّخاذ إجراءات إداريّة ضدّ مرتكبي الأخطاء» وأنّ الحكومة ستتّخذ «إجراءات في إحالة هذه الملفات على القضاء « في صورة لم تتمّ الإحالة».