القضاء التونسي وسنة 2016: صعوبات مع بعض نقاط الضوء «المرتعشة»

سنة مضت وقبل الانطلاق في أخرى جديدة وجب أن نقف وقفة تأمل نضع فيها العديد من الأشياء تحت المجهر ونحوصل ما تحقق وما لم يتحقق في مسار إصلاح البلاد عامة والمنظومات في كل مؤسسات الدولة بصفة خاصة في تونس ما بعد الثورة . القضاء احد القطاعات

التي تعالت أصوات أهله بضرورة تحقيق استقلاليته والمطالبة بسلطة قضائية مستقلة بذاتها ،إصلاح مر ولا يزال بعديد المراحل ،اليوم ونحن نودع سنة جديدة طرحنا السؤال :كيف كانت سنة 2016 بالنسبة للقضاء التونسي؟.
الإصلاح هدف من أهداف الثورة التي قامت ضد الاستبداد والظلم والفساد المستشري في كل القطاعات ولغة الأرقام اكبر دليل،ظواهر مقاومتها تكون بالصمود والاتحاد وبناء قواعد صلبة تتحمل قسوة الضغوطات والمتغيرات.

فيصل البوسليمي رئيس نقابة القضاة :
« 2016 سنة الصعوبات»
لا يمكن الحديث عن القضاء ومسيرته سنة 2016 دون رصد مواقف اهل القطاع اذ تحدثنا مع فيصل البوسليمي رئيس نقابة القضاة التونسيين الذي وصف سنة 2016 بالنسبة للقضاء التونسي بالرمادية المائلة للسواد وبأنها سنة الصعوبات وقال أيضا «سنة 2016 لم تكن أحسن من سابقاتها بالنسبة للقضاء ذلك انه ظل عاجزا عن أخذ موقعه الطبيعي في دولة اتسم أداؤها بالضعيف و الخضوع للابتزاز من طرف عدة مجموعات ضغط، و بالتالي عجز القضاء عن استرجاع ثقة المواطن و أجهزة الدولة و بقية المكونات الاجتماعية و السياسية فيه». وأضاف محدثنا « لقد كنّا نأمل أن يلعب القضاء الدور الأول فيما رفعته الحكومات المتعاقبة من شعارات لعل أبرزها مكافحة الإرهاب و الفساد و الجريمة بشكل عام و ظل رهين الإمكانيات المتاحة و منظومة قانونية مهترئة جعلت منه عبئا على الدولة عِوَض أن يكون احد مكوناتها و إحدى السلط الهامة المحدثة للتوازن الضروري و مما زاد الطينة بلّة هو الضغط المتواصل و التشكيك في أحكام القضاء مما جعل القضاة يعملون في ظروف نفسية صعبة» واستدرك البوسليمي قائلا « و لكن تبقى بعض نقاط الضوء لعل أهمها تحسن العلاقة بشكل لافت بين القضاة و المحامين وصلت حد التآزر فيما يمس احدهما و تبقى انتخابات المجلس الأعلى للقضاء ابرز محطة إذ توصلنا في الأخير إلى الظفر بأغلى مكسب على الإطلاق رغم محاولة البعض الالتفاف عليه».

وليد الهلالي رئيس اتحاد القضاة الإداريين:
« ولادة عسيرة و سنة 2016 للنسيان».
«لأول مــــرة في تاريخ تونس بعد الاســتقلال يتمّ تكريس سلــطة قضائية حقيقية ومستقلة صلب دستور 27 جانفي 2014. ذلك أنّ دستور 1959 ولئن تعلّق الباب الرابع منه بالسلطة القضائية فإنّه تضمّن أربعة فصول تتحدّث في مجملها عن القضاة وكيفية انتدابهم وترقيتهم وتأديبهم وترك هذه المهمة إلى مجلس أعلى للقضاء كان طيلة الفترة السابقة في قبضة السلطة التنفيذية مع إمكانية نقلة القضاة العدليين بمجرّد مذكرة من طرف وزير العدل خلال السنة القضائية.
اليوم وبعد الأحكام التي تضمنها دستور 2014 الواردة بباب السلطة القضائية، شهد مشروع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، بوصفه يجسّم السلطة المذكورة، تعثرا كبيرا بدءا من خرق الآجال الدستورية لإعداده، مرورا بالخروقات الدستورية التي تضمنته وما استتبع ذلك من طعون أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، وانتهاء بالإشكاليات التي رافقت عملية إرساء المجلس بعد الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات.
ولادة عسيرة لسلطة لطالما انتظرها الشعب التونسي لا سيما في ظل تضارب المواقف الحاصلة اليوم بين السادة القضاة عموما وبين أعضاء المجلس الأعلى للقضاء على وجه الخصوص وذلك في ما يتعلّق بدعوة المجلس للانعقاد لأوّل مرّة بعد أن أحجم رئيس الهيئة الوقتية للقضاء العدلي السابق عن ذلك».

عضو جمعية القضاة التونسيين محمد بلطيف:
« 2016 سنة الانتكاسات»
عاش المرفق القضائي خلال سنة 2016 حدثين هامين، اولهما سنّ قانون المجلس الأعلى للقضاء بعد مخاض عسير لم يكن في مستوى تطلعات وانتظارات القضاة، مشيرا الى انه اكتفى فقط بصلاحيات تقليدية، فرغم كلّ الهنات والنقائص والاحترازات تبقى مسالة سنّ قانون للمجلس الأعلى للقضاء حدثا بارزا وهامّا خلال 2016 وقد رحبت به جمعية القضاة التونسيين اعلاءا للمصلحة العامّة. أمّا الحدث البارز والتاريخي في مسار القضاء التونسي فهو انتخابات أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، التي عاشتها السلطة القضائية بمختلف مكوناتها في أكتوبر الفارط. واستطاعت لأول مرة في تاريخها انتخاب ممثليها بالمجلس، بكلّ شفافية وحيادية ونزاهة.

لكن ختام 2016 نعتبره انتكاسة لمسار القضاء والمتمثلة أساسا في الانحراف الخطير في تركيز أول مؤسسة دستورية ضامنة لاستقلالية القضاء في مخالفة للدستور والقانون وخروقات فادحة وفضيحة دستورية وقانونية.

كما تعرّض القضاء خلال 2016 الى هجمة شرسة وكبيرة وخاصة على مستوى الملفات الكبرى كقضيتي اغتيال الشهيد شكري بلعيد أو مقتل لطفي نقض. خرجنا من النقد الموضوعي ووصلنا الى حد التهجم والتجريح في القضاء وهرسلة المؤسسة القضائية، ذلك على غرار أن المرفق القضائي لم يشهد تطويرا وتعصيرا في حجم المؤسسة.

كذلك فانّ ما تمّ كذلك سنّ قانون القطب القضائي المالي، في ديسمبر 2016، تخصيص الجرائم المالية بقطب قضائي خطوة ايجابية لا ننكرها لكن للأسف محتوى القانون لا يرقى للتطلعات هزيل وضعيف وفيه العديد من النقائص ورغم التوصيات الا انه لم يتدارك ذلك. عموما فانّ سنة 2016 هي سنة الانتكاسات للمرفق القضائي. ونأمل ان تكون سنة 2017 سنة الانجازات فعلا يتمّ خلالها ارجاع الامور الى نصابها احتراما للدستور والقانون، وانّ تكون سنة الاصلاحات الجدية والحقيقية. والجمعية مصرّة على مواصلة النضال من اجل تكريس قضاء مستقل».

«نقطة ضوء»
المجلس الأعلى للقضاء وصف بالشمعة المضيئة في سماء القضاء التونسي سنة 2016 إذ وبعد مخاض عسير صودق على القانون المنظم له وأجريت الانتخابات وقال الصندوق كلمته وهي ترجمة لرغبة القضاة الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع واختاروا من يمثلهم في هذا الهيكل ،ولكن هذه الشمعة لا تزال مهددة بالانطفاء لأن هناك رياحا شقيقة وصديقة تهب عليها قصد إطفائها ليس لأنه لا يريد وجودها ولكن لإعادة إشعالها بصفة قانونية وفق تقديره .علما وان المجلس الأعلى للقضاء قد اجتمع أعضاؤه بتاريخ 29 ديسمبر الجاري بعد اكتمال النصاب القانوني وعليه فإن جمعية القضاة ستصعد من تحركاتها وربما تستقبل سنة 2017 بالإضراب العام في القضاء وهو مؤشر على مرحلة أخرى عنوانها اختلافات وخلافات داخلية.

أهم القضايا التي أثارت جدلا
أثارت الأحكام الصادرة عن الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بسوسة في قضية مقتل المنسق الجهوي لحركة نداء تونس بتطاوين الشهيد لطفي نقض في 14 نوفمبر 2016 والقاضية عدم سماع الدعوى في حقّ كل المتهمين، موجة من الانتقادات التي وصلت الى حدّ اتهام القضاء والدائرة المتعهدة بعدم الاستقلالية والحيادية.

الحكم في قضية الحال أثار استياء عائلة الفقيد وحزب نداء تونس الذين اعتبروه بمثابة «الصاعقة». كما اكّد رئيس الجمهورية الباجي القائد السبسي خلال حوار اجراه مع جريدة «المغرب» وقناة الحوار التونسي انّ الحكم في قضية نقض قد صدمه رغم ايمانه العميق باستقلال القضاء وذلك لأنه تابع الملف منذ بدايته مجددا قوله بأن هنالك تخطيطا لتصفية الشهيد وان هذا حصل في اجتماع جهوي لاحزاب الترويكا وعندما وصل الأمر الى هذا الحد انسحب حزب التكتل. من جهة اخرى استبشر بعض الحقوقيين بالحكم المذكور، معتبرين انه خطوة مهمة في القضاء التونسي الذي اثبت استقلاليته.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115