(كما قال الرئيس اللبناني ميشال عون)، وقد أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على أن لبنان يشدد على إعادة النازحين السوريين الى وطنهم، دون موافقة دولية ودون أي تنسيق مع المنظمات الأممية.
بالاطلاع على حقيقة المزاج اللبناني (الرسمي والشعبي) في الوقت الراهن لوحظ تنامى المشاعر السلبية تجاه النازحين السوريين، وبمرور الوقت تلاشى الحياد إزاءهم شيئًا فشيئًا، لدرجة الكراهية، رغم الأزمات الاقتصادية التي تحاصر النازحين، مع ديون تثقلهم، وارتفاع حالات البطالة الخانقة ووصول مستوى الفقر المدقع إلى 89% بين أسر النازحين السوريين.
ويستند الموقف الرسمي والمزاج الشعبي اللبناني إلى إعادة النازحين السوريين الى وطنهم، بلا موافقة دولية ذلك أن لبنان لم يعد في مقدوره تحمل أعباء النزوح السوري في ظل الأزمات والانهيارات المعيشية والأمنية التي يتعرض لها، وأن سوريا أضحت أكثر أمنا، بعد سيطرة النظام على معظم المناطق. وبالتالي، لا داعي لبقاء هؤلاء النازحين في لبنان الرازح تحت أزمة اقتصادية ومعيشية غير مسبوقة في تاريخه الحديث، بعد ان أصبح 82 % من اللبنانيين تحت خط الفقر، كذلك يقيم 91 % من النازحين السوريين، في المخيمات والأكواخ في الظروف المناخية القاسية، ويبلغ عددهم نحو مليون ونصف المليون نازح، بحسب أرقام الجهات الرسمية اللبنانية المعنيّة بملف النزوح كاشفة أنّ مجمل المساعدات المخصصة لهؤلاء لم يتعدَّ ثمانية مليارات من الدولارات وفق بيانات وتصريحات حكومية لبنانية.
وأبلغت الحكومة اللبنانية، الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة، في رسائل ومذكرات خلال اجتماعات، بعدم قدرة لبنان على تحمل ملف النازحين السوريين وطالبت بالمساعدة العاجلة لتسهيل عودتهم إلى بلادهم. وأكدت أن بيروت ملتزمة بمبدإ عدم الإعادة القسرية للنازحين، ولكن الوضع لم يعد يُحتمل ولم تعد الدولة اللبنانية قادرة على تحمل كلفة ضبط الأمن في مخيمات النازحين والمناطق التي ينتشرون فيها.
وتؤكد تقارير وزارة المهجرين اللبنانية، أن 82% من اللبنانيين يعانون من فقر متعدد الأبعاد، فخلال العام الماضي مثلًا تلقت الدولة اللبنانية مساعدات بقيمة 1.69 مليار دولار من أصل ملياري دولار.
«كما تكبّد لبنان خسائر كبيرة على مدى سنوات، جرّاء استفادة النازحين من دعم الدولة لسلع أساسية كالدواء والخبز والمحروقات، بالإضافة إلى اكتظاظ السجون والأعباء المترتبة عنه، ناهيك عن الانفلات الأمني ومنافسة اليد العاملة اللبنانية ومسؤوليّة ضبط الحدود لمكافحة الهجرة غير الشرعيّة»، بحسب وزير المهجرين.
وقد وصفت منظمات دولية ومحلية معنية بحقوق اللاجئين، تصعيد المواقف الرسمية اللبنانية حول إعادة النازحين السوريين، بـ«الشعبوية»، وأعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رفضها للمواقف اللبنانية ورفض عودتهم القسرية قبل استتباب الأمن والسلام الأمني والاجتماعي في سوريا، وشددت على ضرورة العودة الآمنة لهم.
وتشدد المتحدثة باسم المفوضية، دلال حرب، على ضرورة التمّسك بمبادئ القانون الدولي المتعلّقة باللاجئين السوريين، سيما فيما يتعلق بمبدإ عدم الإعادة القسرية إلى بلادهم.
كما أكدت هذه الأرقام لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا(الاسكوا)، التي عملت على وضع الاحصائيات والدراسات حول أوضاع النازحين السوريين في لبنان.
واستهدف المشروع جمع المعطيات وتحليلها وتوفير نتائجها لصناع القرار، بغية الارتكاز عليها في اتخاذ الإجراءات والقرارات المناسبة، وفق مسؤول برنامج التكنولوجيا في (الاسكوا)، فؤاد مراد، الذي قال «ارتكز المشروع على تحليل بيانات الاتصالات في محافظتي الشمال والبقاع اللبنانيتين، اللتين تضمّان العدد الأكبر من النازحين السوريين.
وتشرف على المعايير الأخلاقية للمشروع لجنة شُكلت من خبراء أكاديميين وممثلي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان وشركاء المجتمع المدني.
وأظهرت نتائج تحليل البيانات أن أغلبية النازحين السوريين لا يمارسون عملًا نظاميًّا أو رسميًّا، ويعانون من أزمات اقتصادية حادة.
وأعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) عن قلقها البالغ إزاء التدهور السريع في الظروف المعيشية للنازحين السوريين في لبنان، فجميعهم تقريباً باتوا عاجزين عن توفير الحدّ الأدنى من الإنفاق اللازم لضمان البقاء على قيد الحياة.
وأجرت المفوضية 2,455 تقييماً لتحديد المصلحة الفضلى للأطفال السوريين ممن يقعون في دائرة خطر الاعتداء والإهمال والعنف والاستغلال، وأكدت أن هؤلاء الأطفال يتعرضون لظروف مأساوية، حيث تحمل الأطفال السوريون الجزء الأكبر من أعباء النزوح، فـ30 % من الأطفال الذين هم في سن الدراسة (بين 6 و17 عاماً) لم يدخلوا المدرسة قط. وقد انخفض معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و14 عاماً بنسبة 25% بالإضافة إلى ذلك، استمر الاتجاه التصاعدي في عمالة الأطفال في أوساط الأطفال السوريين، إذ بلغ عدد الأطفال السوريين النازحين المنخرطين في سوق العمل ما لا يقل عن 27,825 طفلاً.
وقد أثرت الأزمة المعيشية والاقتصادية والصحية التي يشهدها لبنان بشكل خاص على العائلات اللبنانية واللاجئة الأكثر فقراً. وكشفت النتائج الأولية لتقييم جوانب الضعف لدى النازحين السوريين في لبنان عن وضع بائس يُرثى له، إذ أن تسعة من أصل كل 10 لاجئين سوريين لا يزالون يعيشون اليوم في فقر مدقع، حيث واصل غالبية النازحين الاعتماد على استراتيجيات مواجهة سلبية للبقاء على قيد الحياة، مثل التسول أو السرقة واقتراض المال أو التوقف عن إرسال أطفالهم إلى المدرسة أو تقليص النفقات الصحية أو عدم تسديد الإيجار.
وتشير التقارير الصادرة عن إتحاد الجمعيات السورية في لبنان، إلى أن النازحين يعانون ويكابدون للعثور على مأوى لائق وآمن؛ فحوالي 60 في المائة من عائلات اللاجئين السوريين يعيشون في خيم ومساكن معرضة للخطر أو دون المعايير المطلوبة أو مكتظة وعدد من العائلات مهدد بالطرد من مسكنه.
من الواضح أن الانهيار المعيشي والاقتصادي انعكس بشكل كبير على أسعار المواد الغذائية. فخلال الأشهر القليلة الماضية ارتفعت تكلفة المواد الغذائية بنسبة 404 في المائة، مما أدى إلى مستويات مزعجة من انعدام الأمن الغذائي وسط عائلات النازحين السوريين، حيث بلغت نسبة الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي 49 في المائة. وقد اضطر ثلثا العائلات إلى تقليص حجم حصص الطعام أو تقليل عدد الوجبات المستهلكة يومياً.
الوضع في سوريا غير آمن لعودة اللاجئين بحسب ما أكدته الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش في لبنان، آية مجذوب، لافتة إلى التقرير الذي أصدرته المنظمة، والذي وثق حالات اعتقال تعسفي وخطف وقتل من قبل أجهزة الأمن السوري بحق العائدين من لبنان والأردن. وخلص التقرير الذي يحمل عنوان
«حياة أشبه بالموت»، إلى أن النازحين السوريين العائدين إلى بلادهم من لبنان والأردن، خلال السنوات القليلة الماضية، واجهوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان واضطهاداً على يد الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها، وعانى العائدون أيضا للبقاء على قيد الحياة وتلبية احتياجاتهم الأساسية في بلد دمره النزاع.
ذكر (وليد) وهو نازح السوري في مدينة صيدا اللبنانية :هربت مع عائلتي عام 2015، من جحيم الحرب ونيران المدافع وصواريخ الطائرات والبراميل المتفجرة بعد مشقة كبيرة بين الجبال الفاصلة بين سوريا ولبنان وبعد أيام من العذاب وصلت إلى مدينة صيدا مع عائلتي، أمضيت سنوات بين الجوع والذل والتنمر من بعض اللبنانيين، عشنا أياما صعبة وتضاعفت الصعوبة بسبب الانهيار المعيشي في لبنان والتخبط الاداري، حاولت قبل حوالي شهرين العودة إلى بلدي، أرسلت زوجتي وأولاد للاطلاع على الأوضاع في سوريا، وجدت بيتي مدمرا بالكامل، وبقيت زوجتي لساعات أمام مقر المخابرات يسألون عني ، ووجهت لزوجتي أسئلة شعرت بالخوف والقلق، أمضت زوجتي وأولادي أياما بضيافة الجيران المتبقين في البلدة، وعادت إلى لبنان قبل أيام، وطلبت مني أن لا أعود، فالبيت مدمر لا نملك القدرة على إعادة بنائه؟.
النزوح السوري في لبنان أزمة ليس من السهل معالجتها بطريقة ارتجالية أو اعتباطية غير مدروسة ومتفق عليها مع المجتمع الدولي،ولبنان الذي يعيش حالة التخبط والارباك في معالجة الملفات الاقتصادية والمالية والسياسية والأمنية والتوتر المتصاعد في المياه الاقليمية الجنوبية ليس باستطاعته اليوم أن يجد حلا لملف النازحين السوريين في لبنان، ما يجعل التصريحات والبيانات عبارات للاستهلاك.
بيروت -عبد معروف