جدلا واسع النطاق في الداخل السوري وسط دعوات لمظاهرات حاشدة تنديدا بالتصريحات أطلقها ناشطون في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة للنظام في الشمال السوري . منذ بداية الحرب في سوريا عام 2011 لعبت تركيا دورا مثيرا للجدل في الأزمة السورية وذلك في خضم تداخل الأطراف الدوليّة في سياق الأزمة وشكلت بعض الأطراف عناصر شدّ وجذب ساهمت بشكل أو بآخر في إطالة عمر الأزمة وإطالة أمد المباحثات الساعية لإرساء تسويات برعاية أممية .
وزير الخارجية التركي كانت بلاده في بداية النزاع السوري في 2011 من أبرز داعمي المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً وقد قال مولود تشاوش أوغلو، خلال مؤتمر صحفي في أنقرة «علينا أن نجعل النظام والمعارضة يتصالحان في سوريا، وإلا لن يكون هناك سلام دائم».وتنديدا بالتصريحات الصادرة عن الحكومة التركية التي طالما كانت من مساندي المعارضة على الصعيدين السياسي والعسكري، خرجت تظاهرات عقب صلاة الجمعة أمس في كبرى مدن الشمال السوري وهي أعزاز والباب وعفرين وجرابلس التي تسيطر عليها القوات التركية وفصائل سورية موالية لها . وأكد المتظاهرون رفضهم لأية مصالحة أو تسوية مع النظام .
كما جاءت المظاهرات بعد صدور دعوات مماثلة للتظاهر في مدينة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل أخرى أقل نفوذاً، مع دعوة للتجمع قرب المعابر الحدودية مع تركيا.
وقال مصوّر لوكالة فرانس برس إن المتظاهرين أحرقوا علم تركيا وأزالوا الأعلام التركية المرفوعة في أنحاء الباب. وتجمّع العشرات كذلك قرب معبر باب السلامة مع تركيا، مرددين هتاف «الموت ولا المذلة».
وصدر بيان توضيحي عن المتحدث باسم الخارجية التركية تانغو بيلغيتش أكد فيه أن بلاده «ستواصل المساهمة بقوة في الجهود الرامية لإيجاد حل دائم» للنزاع في سوريا «بما يتماشى مع توقعات الشعب السوري’’.
سياسة جديدة
ويرى مراقبون أنّ للدور التركي في سوريا عدّة أسباب لعلّ أهمّها خشيتها من إقامة دولة كردية على حدودها مع الشمال السوري وهو ما خلّف صداما مع الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأول للجماعات الكردية وأولها قوات سوريا الديمقراطية.
ويرى مراقبون أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يحاول إرساء موطئ قدم دائمة له في الميدان السوري وفرض وجود بلاده في المشهد السوري حتى بعد التوصل إلى تسوية سياسية عبر خلق ورقة ضغط جديدة.
ويرى متابعون أن تركيا ألقت بكل ثقلها في سوريا خشية خروجها من اللعبة واستفراد باقي الأطراف بالميدان السوري، وهو ما تعتبره خطرا على أمنها القومي بوجود الأكراد في سوريا وتمتعهم بنفوذ ميداني هناك. إذ تسيطر وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة على معظم مناطق حقول النفط في شرق سوريا.وبالتالي تحاول تركيا الاستفادة من التقارب بين المعارضة والنظام السوري لمواجهة الأكراد.
وردا على سؤال عما إذا كان هناك تواصل بين تركيا والحكومة السورية على الصعيدين الدبلوماسي والسياسي، أكد وزير خارجية أنقرة أوغلو أنّ التواصل بين الجانبين يقتصر حالياً على أجهزة الاستخبارات.وقال أوغلو، إن «الجانب الروسي أبدى رغبته منذ فترة طويلة في عقد لقاءات بين الجانبين التركي والسوري، والرئيس بوتين سعى للقاء بين أردوغان وبشار الأسد، لكن الرئيس أردوغان قال له إن اللقاءات الجارية بين أجهزة الاستخبارات ستكون مفيدة».وأردف: «أجهزة الاستخبارات كانت تتواصل فيما بينها، والآن عاد هذا التواصل مجدداً بعد فترة من الانقطاع، وخلال هذه اللقاءات يتم تناول مواضيع مهمة».
وتأتي التصريحات التركية لتفتح الباب أمام سيناريوهات عدة أولها عودة العلاقات المباشرة بين الحكومة التركية وحكومة بشار الأسد. حيث تقتصر العلاقة بين البلدين منذ 2011 على الصدام باعتبار أنقرة داعمة لقوات المعارضة، لكن الموقف التركي شهد تطوّرات سياسيّة بعد انخراط أنقرة في سلسلة مشاورات واجتماعات إلى جانب طهران وموسكو لبحث الأزمة السورية لكن التواصل المباشر بين تركيا وسوريا منقطع منذ 2011 . وفي سياق دعوة تركيا لمصالحة بين النظام والمعارضة ، يؤكد متابعون أن مستقبل العلاقات بين البلدين سيشهد متغيرات كبرى في ظل هذه الإنعطافة المفاجئة من الجانب التركي الذي لطالما كان داعما للمعارضة السورية ومحتضنا لقياداتها .