في المشهد وهي كذلك تعد انعكاسا لفشل الاجهزة الامنية الاسرائيلية في تقدير مآلات المشهد السوري.
• لو توضح لنا مسار المعركة والحرب ضد داعش الارهابي ،الى اين وصلت في سوريا والعراق ؟
من الواضح أننا نشهد اليوم وبتسارع كبير ملامح هزيمة ونهاية تنظيم داعش في العراق وسوريا بعد سلسلة الانتصارات التي حققتها القوات العراقية على اختلاف تسمياتها والتي استطاعت هزم داعش في الموصل وتلعفر ، وهي تتجه لإنهائه في غرب الانبار وبعض الجيوب التي تتحرك في منطقة الحدود العراقية السورية العراقية كمناطق الراوه والخط الدولي بين العراق من جهة وسوريا والأردن من جهة اخرى. ويبدو اليوم بوضوح ان العراق على وشك انهاء وجود هذا التنظيم المارق؛ وبالمقابل يتقدم الجيش العربي السوري ويحقق إنجازات كبرى في منطقة دير الزور المعقل الثاني الأهم للتنظيم في سوريا بعد الرقة بعد معارك كبرى على امتداد البادية السورية استمرت ثلاثة اشهر توجها الجيش العربي السوري بفك الحصار عن اللواء 137 والمحاصر منذ 1400 يوم هو ومدينة دير الزور وهو يسير بثقة الى منطقة الميادين والقائم والبوكمال الحدوديتين مع العراق بعدما تمكن من هزم داعش في منطقة السخنة وريف حلب بذات الوقت الذي يستمر فيه تقدم قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الامريكية نحو مدينة الرقة وسيطرتها على أجزاء كبيرة منها. وكل ذلك يأتي متوازياً مع انهاء وجودهم في منطقة جرود بعلبك اللبنانية وسلسلة جبال القلمون الحدودية بين سوريا ولبنان. لكن اليوم العنوان الأبرز لهزيمة داعش هو القضاء عليها في دير الزور ومناطقها .
نحن اذن امام واقع استراتيجي جديد ، فكل الحدود السورية مع الجوار باستثناء تركيا وبعض الجيوب مع العراق تحت سيطرة الحكومة السورية . وبالتالي يمكن القول أن الحرب في سوريا بالمعنى الاستراتيجي انتهت وربما نشهد الإعلان عن ذلك في الأشهر القادمة.
• هل يمكن الحديث عن نهاية تنظيم داعش الارهابي؟
علينا أن نتذكر أن التجارب في التعامل مع التنظيمات الإرهابية تعطينا الكثير من المؤشرات أن اعلان الانتصار عليها او مقتل الزعيم او الملهم لا يعني بالضرورة اندحارها . ولنا في تجربة الحرب على القاعدة في أفغانستان اثناء عهد جورج بوش الابن أكبر دليل ، اذ سيطر على صناع القرار في الإدارة الامريكية أن القاعدة على وشك الخروج للأبد من المشهد ، ولكن ما جرى هو عكس ذلك تماماً وكان كل ما يقال هو للاستهلاك المحلي الداخلي لأغراض انتخابية . وما حصل ان القاعدة نجحت في إعادة انتاج نفسها وبشكل اكثر عنفا وقسوة وهمجية ليس في أفغانستان وباكستان فقط بل امتد حضورها من نيجيريا بوكو حرام الى حركة أبوسياف في الفلبين وحركة باعشير محمد في اندونيسيا الى حركة الشباب المجاهدين في الصومال وصولاً لإعلان تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ومن ثم دولة العراق الإسلامية ولاحقاً تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا «داعش» وجبهة النصرة في سوريا وغيرها من مناطق الانتشار لكل تلك التنظيمات التي تعتبر القاعدة المرجعية الفكرية والتنظيمية لها، وليس من المستبعد ان نشهد نسخاً جديدة اكثر تطرفاً ووحشية من كل ما سبق.
اليوم هناك أيديولوجيا إرهابية عابرة للقارات ولكل الحدود ولن يؤثر غياب شخص القائد المرشد والملهم على أهمية الغياب كما في حالة الإرهابي البغدادي ، وبكل الحالة الأسطورية التي نسجت حوله . وعلينا أن نتذكر أن أسامه بن لادن قتل ولكن القاعدة قدمت شخصيات أكثر جاذبية للمؤمنين بفكر السلفية الجهادية العنفي كالزرقاوي والبغدادي والجولاني وغيرهم.
• ميزان القوى لصالح من في سوريا اليوم مع تعدد التنظيمات سواء المعارضة او المتحالفة مع للنظام؟
يبدو المشهد السوري اليوم أكثر نضوجاً ووضوحا، لقد فشلت المعارضة السورية في تقديم مشروع سياسي قابل للحياة واختطفت من قبل حركات الإسلام السياسي الجهادي الذي يحمل مشروعا مناقضاً لفكرة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وصارت جزءا من الاجندة العربية والإقليمية والدولية التي تريد ان تصفي حساباتها مع الأسد ونظامه والدولة السورية؛ ولعل جملة من المتغيرات المتداخلة ساهمت في تبدل ميزان القوى لصالح الرئيس الأسد، أهمها ثبات الدولة السورية بكل مؤسساتها وعلى رأسهم الجيش والمؤسسة الأمنية؛ ووجود إدارة أمريكية جديدة لديها مقاربة مختلفة مع إدارة أوباما الديمقراطية التي حملت ما يسمى بـ «الربيع العربي» كمشروع تغيير كبير في المنطقة . وتبدل المزاج الأوروبي والدولي بعد ان نال من الإرهاب ما نال مما خلق قناعة مطلقة بأن الأولوية هي القضاء على الإرهاب وان مسألة رحيل النظام السوري او اسقاطه ليست أولوية وشذ عن هذه القاعدة الكيان الإسرائيلي الذي دخل اليوم في مأزق خطير بعد فشله في احداث تغيير على الساحة السورية. تتحمل المعارضة السورية المسؤولية في ادخال جبهة النصرة وفصائل الاخوان المسلمون لتتقدم المشهد ولتفرض شروطها غير الواقعية وهو ما أشار له المبعوث الاممي ديمستورا بوضوح عندما طالبها بقراءة المشهد السوري اليوم بواقعية وبراغماتية وبعيدا عن الشطط لأننا امام تحولات كبرى وان قطار الحل السياسي انطلق ولن يعود للوراء.
بالمعنى السياسي اليوم المعارضة السورية وحتى التي تسمى معتدلة في حالة انكشاف سياسي وهناك تبدل واضح في المزاج العربي والإقليمي والدولي نحوها وبالمقابل كل الرسائل تشي بأن الولايات المتحدة والغرب وحلفاء المعارضة العرب والاقليميين بأنها لم تعد تضع بقاء الرئيس الأسد والدولة السورية شرطا للتفاوض، بل ان الحديث يتصاعد عن قرب عودة العلاقات وربما قريبا جداً . ولعل حديث السفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد أن الإدارة الأميركية قبلت ببقاء الأسد، وإنه لم يكن هناك أي محلل يتوقع وصول الجيش السوري إلى دير الزور وأن الحكومة السورية في أقوى موقف بعكس المعارضة السياسية والعسكرية.
وأن الدول الغربية تخلت عن المعارضة السورية المسلحة، والدعم السعودي للمجموعات المسلحة في سوريا انخفض.
• ماذا يعني اعادة فتح الحدود بين سوريا والأردن؟
يدرك الأردن اليوم بعد جملة التطورات الاستراتيجية المتسارعة التي حصلت بعد عودة حلب الى الدولة السورية وهزائم عصابة داعش المتتالية في تدمر والقلمون واطراف حلب والتقدم المتسارع في دير الزور أنه معني أولا بقراءة هذه التطورات مصلحياً كما بقية الأطراف العربية والإقليمية والدولية، ذلك ان الأردن ومنذ بدأ الصراع في سوريا كان يقرأ خطورة توسعه واطالة آمده خشية من وصول مفاعيله للساحة الأردنية المتداخلة جغرافيا وعشائريا بالإضافة لأهمية سوريا كمعبر اقتصادي بري يصدر الأردن ما يقارب ثلث صادراته وخاصة الزراعية الى أوروبا عبر معبري جابر ودرعا بالإضافة ان كلف الاستيراد عبر ميناء طرطوس اقل كلفة على المستوردين الأردنيين واقرب مسافة؛ لذلك حرص على استثنائه من قرارات المقاطعة . ولعل تفاقم ازمة اللجوء السوري في الأردن المنهك اقتصاديا والذي يرزح تحت مديونية تتجاوز الـ 30 مليار دولار وتلاشي كل الوعود او على الأقل تواضعها فرض على الأردن ان يقدم مقاربة مختلفة لان هناك تيارا بدأ صوته يرتفع في الأوساط الشعبية بأننا تركنا وحيدين في مواجهة أعباء اللجوء في حين ان الأطراف العربية والإقليمية والدولية الضالعة ميدانيا وعسكريا وتمويلياً في المشهد السوري تنسحب تدريجيا . ولذلك الأردن لا يستطيع الا ان يكون مع هذا التقارب حتى لا تكون التسوية على حسابه وخصوصا في موضوع اللاجئين وإعادة الاعمار لاحقا.
• ما قراءتكم للعدوان الإسرائيلي على الموقع العسكري في حماة/ مصياف سوريا ؟
ليس مفاجئاً قيام إسرائيل بعمل عسكري عدواني لمواقع عسكرية سورية او مواقع لحزب الله اللبناني او قوافل عسكرية . فنحن امام اكثر من 40 عمل عسكري مباشر خلال الازمة السورية وخلال سبع سنوات من عمرها سواء تدمير مواقع عسكرية للجيش العربي السوري في الجنوب السوري او في حمص او في شرق سوريا او اغتيال قيادات لبنانية مقاومة او ضرب قوافل لحزب الله اللبناني منعاً لتعزيز قواته الصاروخية . ويمكن فهم هذا في اطار الانخراط الاسرائيلي المباشر او غير المباشر وتواصلها مع جزء من المعارضة المسلحة بما فيها الإسلامية، لكن الضربة الصاروخية التي استهدفت موقعا عسكريا في منطقة مصياف جنوب غرب مدينة حماة وأدت لتدميره واستشهاد عسكريين سوريين، تأتي في سياق الفشل الإسرائيلي في احداث اختلال في الازمة السورية وهزيمة نظام الرئيس الأسد والحد من قدرات حزب الله العسكرية . والذي اثبت انه وباعتراف الصحافة الإسرائيلية ومراكز الدراسات انه رقم صعب ليس في المعادلة السورية بل في الإقليمية. «إسرائيل « اليوم تعترف بفشل أجهزتها الأمنية في تقدير مآلات المشهد السوري ،إذ كانت كل المؤشرات تؤكد ان النظام السوري سيغادر المشهد أواخر العام 2012 وان الجيش السوري سينهار بالإضافــــة للانهيار الاقتصادي للدولــــة السورية وان احتمالية التدخل الروسي غير واردة وان دخول ايران بهذا الزخم مستبعد.
في تقديري ان الضربة وان كانت تهدف للتأثير على الترسانة العسكرية الروسية بداية الا انها تريد ارسال رسالة لإيران بأن “إسرائيل” قادرة على الضرب والتأثير في المشهد . مما يعني تحذيرا من أن أي مخاطر قد تستهدف “إسرائيل” لن تكون بعيده عن الاستهداف. وهنا تجدر الاشارة الى التقارير الواردة عن فشل زيارة رئيس الترويكا الحاكمة نتنياهو الى روسيا قبل أسابيع واخفاقه في اقناع الرئيس الروسي بوتين بالتخلي عن تحالفه مع ايران وحزب الله في سوريا وان موسكو حزمت امرها وهي لن تخضع موقفها في سوريا للمقايضة مطلقاً . وهو ما اشارت اليه الصحافة الإسرائيلية عندما ذكرت ان نتنياهو خرج من اللقاء “يتصبب” عرقاً بعد فشله في احداث تغيير في رؤية الرئيس فلاديمير بوتين.