وكانت لتوانيا قد قامت بتعزيز الحائط العازل الذي رفع على 550 كم من الحدود مع الفدرالية الروسية في شهر أوت الماضي في حين شرعت بولونيا في بداية هذا الشهر في بسط شريط عازل مع بيلاروسيا طوله 180 كم وارتفاعه 5 أمتار لينتهي بعد 180 يوما من الأشغال.
وقدم حراس الحدود الفنلنديين للحكومة والبرلمان مشروع تخطيط للحائط العازل الذي سوف يمتد على طول 260 كلم (20% من جملة 1340 كم من الحدود مع روسيا)، وهي أطول حدود لبلد أوروبي مع الجارة الروسية. ويهدف المشروع إلى منع تسلل الروس إلى فنلندا من المناطق التي تستخدم عادة لمغادرة التراب الروسي. وقد سجلت هلسنكي أكثر من 40 ألف حالةعبور للحدود المشتركة منذ اندلاع الحرب على أوكرانيا. ولم تنس السلطات الفنلندية استخدام بيلاروسيا «هجرة» مواطنيها إلى بولونيا لزرع أزمة معها في محاولة لتسليط ضغط على فرصوفيا وتحييدها في إطار الحرب الروسية على أوكرانيا.
وقالت الوزيرة الأولى الفنلندية الشابة سانا مارين:»نحن على اتفاق (مع جل الأحزاب) في ما يتعلق بمشروع الحائط. الآن سوف تقدم الحكومة مقترحات ملموسة للبرلمان. هدفنا أن نتحقق من أن حراسنا على الحدود يتمتعون بالدعم الكافي للقيام بدورهم في مراقبة الحدود بصورة ناجعة.» وكانت الأحزاب في الائتلاف الحكومي وفي المعارضة قد وافقت على مشروع الحائط بعد مفاوضات سريعة.
الالتحاق بمنظمة الحلف الأطلسي
يأتي مشروع الحائط على الحدود الروسية الفنلندية تكملة لمطلب فنلندا الالتحاق بمنظمة الحلف الأطلسي الذي تقدمت به بعد اجتياح روسيا لأوكرانيا. وتخشى السلطات الفنلندية تكرار نفس السيناريو بسبب انتماء البلاد في السابق إلى الإمبراطورية الروسية قبل استقلالها عنها عام 1917. رغم تمتع فنلندا بموقع محايد واستقبال هلسنكي لجل مفاوضات السلام في فترة الحرب الباردة دون مشاكل تذكر مع روسيا، الا ان الأزمة الأوكرانية أعادت إلى السطح المخاوف من ضم فنلندا مجددا، عبر الحرب، إلى جمهورية روسيا الفدرالية.
قرار هلسنكي وأوسلو التاريخي الالتحاق بمنظمة الحلف الأطلسي يدخل في إطار حماية النفس من غطرسة فلاديمير بوتين الذي لم يقبل انحلال الإتحاد السوفييتي وشرع منذ 2008 في مخطط لاستعادة «الأراضي المفقودة». وكانت بلدان البلطيق (فنلندا واستونيا ولتونيا وليتوانيا) جزء من الإتحاد السوفييتي قبل انحلاله عام 1991. وفي 1994 انسح 160 ألف جندي منالجيش الأحمر الروسي من البلدان المستقلة و85 الف من مقاطعة كلينينغراد الروسية. وبعد مفاوضات عسيرة قررت منظمة الحلف الأطلسي ادماج بلدان البلطيق في المنظمة عام 2004 ولم تلتحق فنلندا آنذاك بها. لكن الحرب على أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم غير موازين القوى في المنطقة وأدخلها في منطق الحرب.
رهانات الأمن القومي والجهوي
ويعطي الوضع الحالي بعد اندلاع الحرب على أوكرانيا لروسيا منفذا على بحر البلطيق من مقاطعة كلينينغراد ومدينة سان بطرسبورغ، لينينغراد سابقا. وتشكل باقي الحدود مع بلدان البلطيق التي التحقت بالاتحاد الأوروبي وبمنظمة الحلف الأطلسي عائقا استراتيجيا لموسكو يحد من تحركاتها في المنطقة الحدودية. وتخشى بلدان البلطيق من استخدام موسكو الحدود لتسلل عناصر مناهضة لها تبعث البلبلة في مجتمعاتها وتحدث حالات صراع خطيرة تعطي فرصة لفلاديمير بوتين لاستغلال تواجد جاليات ناطقة بالروسية للاجتياح المناطق الحدودية في انتظار ضمها كما حدث في جورجيا والدومباص ومولدافيا.
الرهان الآخر الذي يحرك القرارات السياسية في المنطقة هو قدرة بلدان البلطيق الضعيفة من حيث عدد السكان والقوة العسكرية عن حماية أراضيها أمام الجيش الروسي. وقد حاولت هذه البلدان بعد استقلالها عن الإتحاد السوفييتي تشكيل قوة إقليمية لحماية أراضيها. لكن ذلك لن يمنع موسكو من تكرار ما حدث في أوكرانيا. لذلك السبب قررت تلك البلدان الالتحاق بالاتحاد الأوروبي وبمنظمة الحلف الأطلسي عسى أن تجد حماية في اللجوء للبند الخامس للمنظمة في حالة استهدافها من موسكو. وتبقى المنافسة والمخاوف قائمة إلى حين وصول البلدان المتنازعة إلى حل سياسي تفاوضي تعمل من أجله حاليا القوى النافذة الأوروبية مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل وقف الحرب في أوكرانيا وفرض تسوية شاملة للأمن في أوروبا.
فنلندا ودول البلطيق تقرر رفع حائط على حدودها مع روسيا: الأمن في منطقة البلطيق من رهانات الحرب على أوكرانيا
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 09:57 26/11/2022
- 783 عدد المشاهدات
أعلنت فنلندا عن نيتها رفع حائط عازل على الحدود مع روسيا لحماية ترابها من تسلل مواطنين روس خشية أن تستعملهم موسكو كوسيلة ضغط ومساومة في ظروف الحرب الدائرة على أوكرانيا.