فرنسا فشل لائحة اللوم ضد الحكومة: اليسار الراديكالي واليمين المتطرف في خندق واحد

فشل تجمع الوحدة الشعبية الجديدة والإيكولوجية والاجتماعية، الذي يمثل تنظيمات اليسار، في اسقاط حكومة إليزابيت بورن رغم تصويت 89 نائبا من التجمع الوطني المتطرف

يوم الإثنين 24 أكتوبر ضدها وكانت الوزيرة الأولى قد استعملت البند الدستوري 49-3 الذي يسمح للحكومة بتمرير القوانين دون نقاش تفاصيلها في البرلمان من قبل النواب.
وعمدت إليزابيت بورن إلى استخدام القانون بعد أن أعلنت كل فصائل المعارضة مسبقا عن أنها لن تصوت لصالح قانون الميزانية لسنة 2023. ولكنها شاركت في نقاش بنوده وقدمت أكثر من 3000 تنقيح من أجل تغيير وجهة السياسات المقترحة من قبل الحكومة. عندها أخذت الوزيرة الأولى، التي لا تتمتع في الجمعية العامة الا بأغلبية نسبية قرار تمرير قانون المالية بدون مناقشة حفاظا على التوازنات العامة ورغبة في الشروع في الإصلاحات الجوهرية المبرمجة للولاية الثانية للرئيس إيمانويل ماكرون.
استراتيجية جون لوك ميلونشون في زقاق ضيق
وقبل بداية حصة التصويت أعلنت مارين لوبان زعيمة التجمع الوطني أن حزبها سوف ينضم إلى حزب الوحدة الشعبية الجديدة، التي قدمت اللائحة، للتصويت لفائدتها. وهو ما حصل فعلا دون أن تحصل اللائحة على أغلبية لإسقاط الحكومة بسبب تصويت حزب الجمهوريين اليميني ضد اللائحة ساحبا بذلك للمعارضة 50 صوتا كافية لإسقاط الحكومة.
وأدخل هذا التموقع السياسي جدلا عميقا في صفوف المعارضة اليسارية التي وجدت نفسها في نفس الخندق مع اليمين المتطرف. مما جعل بعض شخصيات الحزب الاشتراكي، التي رفضت الدخول في تجمع سياسي مع جون لوك ميلونشون، تنتقد بشدة ما اعتبرته «تحالف» اليسار الراديكالي مع اليمن المتطرف. وهو سابقة في تاريخ اليسار، اعتبرها بعض مؤرخي السياسة في فرنسا بمثابة «انهيار سد» سياسي كان منيعا لمدة عقود. ومنذ الحرب العالمية الأولى كانت عقيدة اليسار الفرنسي ترتكز على مقاومة الحركات الفاشية والنازية والأحزاب الوريثة لها مثل حزب الجبهة الوطنية الذي أسسه جون ماري لوبان قبل أن ترثه ابنته وتغير اسمه.
واعتبر جون لوك ميلونشون أن «اليمين أنقذ الحكومة وأن حزبه «جاهز لتولي الحكم»، عبارات رددتها شخصيات ن نفس الحزب لإقناع الرأي العام بصحة استراتيجية زعيمهم بدون أن تفصح على واقع العلاقة الإستراتيجية تجاه اليمين المتطرف. وكانت شخصيات سياسية راديكالية داخل الوحدة الشعبية الجديد قد أخذت مواقف ضد ماكرون تشاطر فيها نفس العبارات و الألفاظ المستعملة من قبل حزب مارين لوبان فارضين مساحة مع التقاليد اليسارية الموروثة. وذكرت جريدة لوفيغارو أن حزب الوحدة الشعبية الجديدة دافع على نص يكون مفتوحا لأكثر عدد ممكن من النواب. وأشار السكرتير الأول السابق للحزب الاشتراكي جون كريستوف كومبادليس أن حزب ميلونشون قد أفرغ نص لائحة اللوم من اعتبارات تدافع على الهجرة في رغبة لمغازلة اليمين المتطرف والإطاحة بحكومة إليزابيت بورن.
انقسام داخلي
التحالف اليساري المعارض أصبح في حالة ارتباك بسبب الوضع الانتخابي الجديد. وكان بعض النواب الاشتراكيين قد حاولوا ادخال عبارات في لائحة اللوم مناهضة للتجمع الوطني ولحزب الجمهوريين، كما صرح به النائب الإشتراكي جيروم غيدج، لكن حزب جون لوك ميلونشون أصر على رفض التنقيحات. واعتبرت الأحزاب المتحالفة مع ميلونشون أن مبدأ «الهدف يبرر الوسيلة» لتبرير الرغبة في الإطاحة بإيمانويل ماكرون بكل الأساليب غير مقبول سياسيا وأخلاقيا. وهو ما عبر عنه النائب الشيوعي بيار داريفيل عندما قال:» في عقيدة اليسار، لا نختلط بالتجمع الوطني».
ووجدت الشخصيات الاشتراكية والإيكولوجية نفسها في موقع المساءلة. وهو ما جعلها ترد بأنها غير مسؤولة على موقف النواب المتطرفين وأنهم لن يشكلوا أغلبية مع اليمين المتطرف. ويبقى الاختلاف واضحا بين جون لوك ميلونشون ورفقائه من جهة وباقي الأحزاب اليسارية، من جهة أخرى، في طريقة التعامل داخل البرلمان مع مشاريع القوانين التي تشارك في التصويت عليها كل الأحزاب المعارضة لسياسة إيمانويل ماكرون وهي تنتمي إلى اليمين الجمهوري واليمين المتطرف وهو ثاني حزب في البرلمان (89 نائبا) وحزب الخضر . ويضاف هذا الانقسام الداخلي في صلب تحالف اليسار إلى انقسام معارضي التحالف مع جون لوك ميلونشون من الحزب الإشتراكي.
مارين لوبان تضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد
وئن اخفقت عملية التصويت على لائحة اللوم، الا انها أظهرت أن مارين لوبان هي المستفيدة لأولى منها. فهي التي جعلت حزب الجمهوريين يصطف مع «حزب النهضة» الحاكم ليغادر موقعه في المعارضة. وهي التي جعلت تجمع اليسار يصوت معها ضد الحكومة. وهي كذلك التي أبرزت للحكومة أنها تمتلك مفاتيح اللعبة البرلمانية وأن عدد 89 نائبا أصبح فارقا هاما في الحياة السياسية والبرلمانية الفرنسية.
ولئن أعلن حزب ميلونشون أنه يمثل «أغلبية بديلة» الا ان مجموع أصوات حزب التجمع المتطرف تحسب عدديا في هذه الأغلبية الفرضية. وهو وضع لا يقبله ناخبو اليسار وأحدث قلقا من ضبابية موقف زعيم حزب الوحدة الشعبية الجديدة الذي يرغب، في كل مناسبة، في الإعلان عن جاهزية حزبه للحكم مهما كلف ذلك من مراجعات فكرية وسياسية وتنازلات على مبادئ اليسار التقليدية. في نفس الوقت، تواصل حكومة إليزابيت بورن عملها و، حسب بعض التصريحات في «حزب النهضة» الفرنسي، لن تتخلى في المستقبل عن إمكانية استعمال البند الدستوري 49 – 3 لمواصلة عمل الحكومة بعيدا عن الجدل القائم في صلب البرلمان.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115