ومع غياب حلّ سياسي يجمع مختلف الأطراف السورية رغم الجهود المبذولة تواجه الساحة السورية واقعا ضبابيّا على الصعيدين السياسي والأمني والإنساني كذلك نظرا لانهيار المنظومة الصحية في البلاد ، وصعوبة وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة التنظيمات المسلحة مما زاد من خطورة الأوضاع المعيشية .
وفق آخر التقارير تستمر جهود البحث إلى تسوية سياسية للحرب في سوريا رغم عدم التوافق بين الأطراف المعنية وفشل أغلب الاجتماعات المُنعقدة في «جينيف» أو في «أستانة» برعاية الأمم المتحدة في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء المعنيين، وبالتزامن مع حالة الجمود السياسي في البلاد ظهرت إلى الواجهة تقارير وأرقام مخيفة عن وفاة 39 شخصا نتيجة تفشي مرض الكوليرا في سوريا رافقتها تحذيرات أممية ودولية متزايدة من مخلفات هذه الآفة خاصة في ظلّ تدهور الواقع الصحي في بلد يعيش حربا منذ 11 عاما ونتيجة مخلفات وباء كورونا الذي ضرب العالم .
هذه الأرقام نشرتها وزارة الصحة حول تفشي مرض الكوليرا في سوريا منذ الشهر الماضي ، في وقت حذرت فيه منظمة الصحة العالمية من تفاقم الوضع «بشكل مقلق’’ بعد أن انتشر المرض في 11 ولاية من جملة 14 ولاية في سوريا.
ووفق الإحصائيات فإن مدينة حلب التي تضم 1.8 مليون نسمة ، سجلت العدد الأكبر من الحالات المكتشفة .
فمن جملة 39 حالة وفاة، قالت وزراة الصحة إن 34 منها حصلت في حلب، موضحة أنّ «معظم الوفيات ناتجة عن التأخّر في طلب المشورة الطبية المبكرة أو لأشخاص يعانون من أمراض مزمنة’’.
ودقّت المنظمات الأممية والدولية ناقوس الخطر من المرحلة المقبلة في سوريا وسط مخاوف من تسجيل أعداد إصابات كارثية . من جهته قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس ادهانوم غيبريسوس خلال إحاطة للصحافيين الأربعاء «في سوريا، تمّ الإبلاغ عن أكثر من عشرة آلاف حالة مشتبه بإصابتها بالكوليرا خلال الأسابيع الستّة الأخيرة».
ووفق تقرير صادر عن الأمم المتحدة فإن مخلفات الحرب المستمرة في البلاد منذ 11 عاما وتأثيرها على البنية التحتية بشكل كبير تعدّ من أهم أسباب تدهور الواقع الصحي في سوريا وتفشي الكوليرا ، بعد تضرر قرابة ثلثي عدد محطات معالجة المياه ونصف محطات الضخ وثلث خزانات المياه.ووفق مختصين ‘’تظهر الكوليرا عادة في مناطق سكنية تعاني شحاً في مياه الشرب أو تنعدم فيها شبكات الصرف الصحي. وغالباً ما يكون السبب تناول أطعمة أو مياه ملوثة، ويؤدي الى الاصابة بإسهال وتقيؤ’’.
وفي إطار الجهود للحدّ من تفشي المرض، أعلنت وزارة الزراعة السورية الأسبوع الماضي «إتلاف جميع الخضراوات التي تروى من مياه ملوثة في حلب وتؤكل نيئة».ووفق الأمم المتحدة من الممكن أن يكون تفشي العدوى مرتبطا بشكل أساسي بشرب میاه غیر آمنة مصدرها نهر الفرات، كذلك استخدام مياه ملوثة لري المحاصيل.
أرقام مفزعة
ودخلت الحرب في سوريا عامها الـ11 ، في وقت تستمرّ إرهاصاتها وتداعياتها في التأثير لا على دمشق فحسب بل على المنطقة العربية بشكل عام بالنظر للأهميّة الإستراتيجية التي تمثلها ‹›الشام›› في المشهد السياسي العربي. وتبقى سوريا التي دخلت الحرب فيها عامها العشر من أهمّ الملفات المطروحة على طاولة النقاش بين اللاعبين الكبار في العالم نظرا لتأثيرات هذا الملفّ المفصلية على واقع ومستقبل الشرق الأوسط.
ولا يختلف المتابعون للأزمة السورية حول الصعوبات التي تعانيها سوريا منذ عام 2011 سواء على الصعيد الاقتصادي أو على الصعيد السياسي أو الإجتماعي، إلاّ أنّ الخسائر البشريّة والنتائج الوخيمة للحرب المُنهكة التي مرّت بها بلاد الشام أخذت منحى أكثر صعوبة ودمويّة.
وقد أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه ‘’وثق بالأسماء مقتل 499657 شخصاً من أصل ما لا يقل عن 610 آلاف تأكد من مقتلهم على مدار 11 عاما من بدء الصراع في البلاد، لافتا إلى أن بين القتلى ‘’1712 من (حزب الله) اللبناني و8628 من قوات موالية لإيران وروسيا من جنسيات غير سورية».
وكان مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أعلن العام الماضي، في أول تقرير له منذ 2014 عن عدد القتلى في الحرب السورية، إن 350209 أشخاص على الأقل قتلوا في الصراع الدائر منذ 2011. مضيفا أن الحصيلة ‘’أقل من العدد الفعلي’’.
ويأمل مراقبون في حدوث اختراق في الأزمة السورية في ظل تطوّرات إقليميّة ودوليّة هامّة سواء على علاقة بالملف السوري ومسار التفاوض في أستانة، أو في ما يتعلق بالملف الليبي السائر نحو الإنفراج بعد منح الثقة لسلطة تنفيذية جديدة ، وعلى علاقة أيضا بتغير الإدارة الأمريكية ووصول جو بايدن للحكم ومايمكن أن تحمله الحكومة الجديدة من تغيرات في سياستها تجاه الملف السوري الذي يشهد أدوارا خارجية متزايدة سواء من حلفاء حكومة دمشق روسيا وإيران أو من الجانب التركي او من جهة اللاعب الأمريكي الذي يسعى لإستعادة دور أكبر في الملف السوري.
ويرى متابعون أنّ الجانبين السوري والروسي والمجتمع الدولي على حد سواء يعملون بشكل متسارع للبحث عن حلول سياسية للخروج من الأزمة في سوريا فيما يشكك شق آخر في أهداف اللاعبين الدوليين وسعيهم لإطالة أمد الحرب بهدف مزيد بسط النفوذ في المنطقة.
وتكمن أسباب فشل الانفراجة للملف السوري في تداخل أدوار خارجية ووجود تحالفات مختلفة جعلت من الميدان السوري أرضا للتجاذبات السياسية والاقتصادية بين مختلف أطراف الصراع الدولي الدائر على الأراضي السورية إذ يؤكد متابعون أن الحرب في سوريا تجاوزت كونها اندلعت للمطالبة بتغيير النظام أو القطع مع الفساد لتصل إلى مرحلة حرب نفوذ وصراع بين أطراف ولاعبين إقليميين ودوليين.