منظمة الأمم المتحدة تتهم الصين بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية»: في حق مسلمي «الإيغور»

أصدرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان آخر شهر أوت الماضي تقريرا يفضح الانتهاكات الجسيمة ضد الأقليات المسلمة في الصين وفي مقدمتها الويغور.

واعتبرت المفوضية أن تلك الانتهاكات هي بمثابة «جرائم ضد الإنسانية». وأقر التقرير أن «أدلة موثوقة» حصل عليها الباحثون الأمميون تشير الى تجاوزات نظامية تتعلق بحالات «اعتقالات تعسفية» و»تعذيب» و»اعتداءات جنسية» ضد الأقليات الصينيات المسلمة.
لم يضف التقرير أي جديد على ما كانت نشرته الجمعيات الحقوقية الدولية ومنظمات الايغور في الهجرة والحكومات الغربية الأمريكية والأوروبية منذ سنوات فإن إقرار الأمم المتحدة بتلك التعديات على حقوق الأقليات الصينية يعطي الاتهامات الموجهة إلى بيكين وزنا حقيقيا بعد أن طالب التقرير المجتمع الدولي بالتحرك وباتخاذ إجراءات ضد تلك الانتهاكات، ولو أنه لم يستخدم عبارة «الإبادة الجماعية» المستخدمة من قبل الدول الغربية.

وذكرت تقارير غربية ارتكزت على وثائق صينية رسمية وشهادات، لم يذكرها التقرير الأممي، أن مليون مواطن صيني من الايغور على الأقل تم اعتقالهم ووضعهم في مراكز إيقاف أين تعرضوا لانتهاكات شتى. وكانت رئيسة المفوضية السامية ميشال باشليه، التي تختم ولايتها على رأس المفوضية نفس يوم اصدار التقرير، قد تعرضت، من جهة، لضغوطات من قبل البلدان الغربية من أجل نشر مخرجات التقرير، ومن جهة أخرى، من قبل السلطات الصينية حتى تعدل على نشره. لكنها في النهاية قامت بنشر التقرير الذي جاء في مثابة وصيتها وهي تغادر مهامها في الأمم المتحدة. وردت الصين على التقرير منددة بالتقرير لما اعتبرته «يرتكز على اخبار زائفة» وأنه «يخدم اجندة سياسية» ضد المصالح الصينية من قبل الدول الغربية.

سنوات من المفاوضات للسماح بزيارة مقاطعة شين جيانغ
وكانت الأمم المتحدة قد تلقت تقارير عن اتهامات موجهة للصين منذ عام 2017 حول «اختفاءات» بين الويغور في مقاطعة شين جيانغ شمال الصين. وفتحت تحقيقات عام 2018 في وثائق رسمية وشهادات وتصريحات للسلطات الصينية واصدارات للباحثين ومنشورات مختلفة وصور ومحادثات مع 40 شخصا تم اعتقالهم في مراكز اعتقال خاصة منذ 2016. وطالبت ميشال باشليه منذ تلقيها المعلومات الأولية بزيارة للمقاطعة بدون أي قيد لكن السلطات الرسمية رفضت أي تحقيق في مقاطعة شين جيانغ.
ومع تنظيم الألعاب الأولمبية في بيكين في فيفري 2022، شعرت السلطات الصينية بأهمية تخطي الأزمة التي أحدثت شرخا في الصورة التي تريد بيكين تصديرها للعالم. وأعلن الناطق الرسمي باسم الخارجية الصينية في شهر جانفي أن بلاده «مستعدة» لقبول المفوضة السامية على شرط أن تكون زيارة «صداقة» وألا يكون أي تحقيق في الموضوع. ومع الحاح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال مشاركته في افتتاح الألعاب الأولمبية، توصل الطرفان إلى اتفاق. وأعلنت ميشال باشليه لمسؤولين دبلوماسيين ابان زيارتها منطقة الانتهاكات شهر ماي 2022 أنها سوف تزور مراكز اعتقال وتلتقي بنشطاء في مجال حقوق الإنسان مع زيارة أورومكي عاصمة شين جيانغ ومدينة كاشغار جنوب القطاع التي تحتضن عددا هاما من الويغور الذين يشكلون نصف عدد القطاع (26 مليون نسمة).
وذكرت عديد الصحف الغربية أنه عند حلولها بالصين تم فرض بروتوكول صارم حول المفوضة السامية بتعلة قانون مقاومة جائحة كورونا. ولم تتمكن من لقاء الصحفيين. وتم منع كل الصحافة الدولية من مواكبة الزيارة والاطلاع على مجرياتها. وركز وزير الخارجية الصيني وانغ لي، إثر لقائه بميشال باشليه على انفراد، على أهمية «توضيح المعلومات المغلوطة» معبرا عن أمله أن «تمكن الزيارة من الولوج إلى أعماق المسألة وأن تتحدث عن الحقائق والواقع من أجل تفنيد الأكاذيب».

اتهامات التقرير الأممي
وركز تقرير الأمم المتحدة على ثلاثة انتهاكات كبرى. الأول تعلق بحالات الإيقاف التعسفي التي طالت «أعدادا كبيرة» من الايغور ومسلمين من الأتراك والقوزاق بتهمة «الإرهاب» علما وأن المنطقة الشمالية للصين عانت من الهجمات والانفجارات في عديد المناسبات وأن بيكين اعتبرت أن مرتكبيها هم من الويغور والأقليات المسلمة. وانتقد تقرير الأمم المتحدة ضبابية القانون ضد الإرهاب وإمكانية تطبيقه بدون دقة في حين اعتبرت بيكين أن مراكز الإيقاف هي في الحقيقة «مراكز تكوين» من أجل التصدي للتطرف والإرهاب.
وندد التقرير بحالات التعذيب والمعاملات السيئة التي طالت الموقوفين. واستند على شهادات في هذا الصدد لعدد من الويغور الذين افلتوا من قبضة السلطات. وذكرت الأمم المتحدة أن ثلثي الأشخاص المستجوبين ذكروا أنهم «تلقوا معاملات وصلت إلى التعذيب» داخل المعتقلات وهو ما نددت به لسنوات منظمات حقوقية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووطش.
وذكر التقرير كذلك أن حالات من الاغتصاب ومن الاعتداءات الجنسية طالت النساء. وأن بعضهن صرحنا أنه تم اخضاعهن لأدوية مجهولة ولعمليات اجهاض في حين عللت السلطات الصينية ذلك بإخضاعهن للقانون الصيني الذي يحد من النسل والمطبق على كل الصينيين. لكن المفوضية السامية أقرت أن المعلومات التي وصلت لها «موثوق» فيها وأنها تدخل في قائمة الاعتداءات الجنسية. ولم تتمكن المفوضية السامية من التأكد أن هذه الحالات سجلت بصورة نظامية داخل المعتقلات. في خلاصة الأمر اعتبرت المفوضية السامية، حسب المعلومات المؤكدة التي وصلت إليها، أن تلك الانتهاكات حصلت بين 2017 و 2019 في مراكز مؤمنة من قبل السلطات.
وعددت الأمم المتحدة حالات إضافية من انتهاكات لحقوق الإنسان تعلقت بالشعائر الدينية مثل غلق المطاعم في رمضان أو منع اسناد أسماء «محمد» و»اسلام» وجهاد» للمواليد الجدد وأن ذلك تم اعتباره ضربا من «التطرف الديني». وذكر التقرير القلق المتعلق بأنباء صحفية حول تدمير بعض المساجد والمقابر الإسلامية في مقاطعة شين جيانغ.

ترحيب دولي واستنكار صيني
ورحبت الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة بعد اصدار التقرير، على لسان وزيرها للخارجية أنطوني بلينكن، الذي صرح أن «التقرير أكد مخاوفنا من الإبادة الجماعية المتواصلة والجرائم ضد الإنسانية من قبل السلطات الصينية. وطالبت فرنسا الصين بتطبيق مقترحات التقرير ووقف انتهاكات حقوق الإنسان. كما نددت الخارجية الألمانية بما جاء في تقرير المفوضية السامية من انتهاكات ضد الايغور. واعتبرت منظمة العفو الدولية أنه حان الوقت لتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة في حين اعتبرت منظمة هيومن رايتس ووطش أن المفوضية أكدت الانتهاكات العريضة للحقوق الأساسية في الصين.
من ناحيتها عبرت الصين عن سخطها واعتبرت أن التقرير مبني على أكاذيب وشهادات مفبركة من قبل أعداء الصين وأنه يحتوي على «حالات ثلب وادعاءات ضد الصين وتدخل في شؤونها الداخلية» كما جاء في التقرير الصيني المرفق الذي كتبه ممثل بيكين لدى الأمم المتحدة في جينيف. وكانت الصين قد اعتبت أنه «وسيلة سياسية» وأن المفوضي السامية لحقوق الإنسان «عميلة» وأنها «فبركت هذا التقرير مرتكزة على المؤامرة السياسية لعدد من القوى المناهضة للصين في الخارج»: كما جاء على لسان وانغ وانبين الناطق الرسمي باسم الخارجية الصينية.
في المقابل كانت أصوات الجالية الويغورية منقسمة بين مساند ومنتقد. فمن ناحية استحسن دلكون عيسى رئيس المجلس الدولي للايغور التقرير واعتبر أن «التقرير يفتح الباب امام إجراءات صارمة وواضحة من قبل الدول الأعضاء وهيئات الأمم المتحدة والمؤسسات» وأن «ساعة الخلاص دقت الآن». ومن ناحية أخرى، أعرب صالح حدير، ناشط في الولايات المتحدة من أجل استقلال شين جيانغ عن اسفه «أن التقرير لم يكن بالقوة التي انتظرناها».
وفي خضم الزوبعة التي أثارها التقرير في العواصم الدولية وردة الفعل الصينية، قالت ميشال باشليه في خصوص الموقف الصيني: «أن تتحاور وأن تحاول فهم الأشياء لا يعني أن تكون متسامحا، أن تحول النظر أو تغمض العينين، وألا تتحدث بكل صدق.»

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115