احتدام السباق في انتظار الانتخابات التشريعية في إيطاليا: اليمين الراديكالي في صدارة المشهد السياسي

دخلت الحياة السياسية الإيطالية في منعرج جديد بعد استقالة ماريو دراغي من رئاسة الحكومة ودعوة الرئيس متاريلا إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها حدد موعدها يوم 25 سبتمبر.

ولئن لم تنطلق الحملة الانتخابية رسميا إلا أن الأحزاب السياسية شرعت في البحث عن تحالفات لخوض المعركة الانتخابية بأفضل حظوظ النجاح في مرحلة ستكون حاسمة في تكوين أغلبية برلمانية.
الوضع الجديد الذي يسترعى الانتباه بروز النائبة جورجيا ميلوني عن حزب «الإخوة الإيطاليين» التي تمثل حركة ما بعد الفاشية وريثة حزب الميثاق الوطني الذي شارك في الحكم في تسعينيات القرن الماضي في حكومة سلفيو برلسكوني في شخص جيانفرانكو فيني. ويبدو أن نفس أحزاب اليمين الوسطي( برلسكوني) والمتطرف (ماتيو سالفيني) والراديكالي (جورجيا ميلوني) توصلت، بقيادة هذه الأخيرة، إلى اتفاق حكومي يسمح لها بالتمتع بأغلبية برلمانية مريحة إذا ما تم تنظيم الانتخابات في هذا الأسبوع. إذ أشارت آخر استطلاعات الرأي أن هذا الائتلاف اليميني كسب نسبة 45% من المساندة وهي نسبة كافية لمنح الائتلاف السياسي أغلبية مريحة في البرلمان المقبل.
من هي جورجيا ميلوني؟
جورجيا ميلوني وجه سياسي قديم وهي تبلغ من العمر 45عاما مع أكثر من 25 سنة قضتها في السياسة. انبثقت من الحركة الفاشية الجديدة التي أصبح اسمها «الميثاق الوطني» قبل أن تتحول تحت قيادتهاإلى «الإخوة الإيطاليين». عملت في هدوء بعيدا عن الأنظار وعن وسائل التواصل الاجتماعي. ولها حضور اعلامي محتشم لكنه حاسم في تقديم بديل سياسي للطبقة السياسية الحالية خاصة أنها لم تشارك في أي حكومة أو ائتلاف سياسي حاكم من قبل. فهي بالنسبة لشريحة هامة من الناخبين لا تزال «عذراء سياسيا» لم تلطخ بمتاهات التحالفات والتوافقات المشبوهة. وقد لمع صيتها بعد أن أخفق ماتيو سالفيني في توحيد اليمين حول حزب الرابطة الذي يتزعمه وقد اجبر على مغادرة الحكومة.
وتتمتع جورديا ميلوني بدعم من سلفيو برلسكوني مكنها من أخذ أشواط أمام ماتيو سالفيني لدى الرأي العام الإيطالي. البرنامج الإنتخابي الذي ترتكز عليه أعطاها مساحة تحرك مما مكنتها من توحيد اليمين واليمين المتطرف في اتجاه بلورة سياسة راديكالية ومرنة في ذات الوقت لا تتوخى خطابا شعبويا، على غرار ماتيو سالفيني، ولا تمس من انتماء إيطاليا إلى الإتحاد الأوروبي وذلك حتى تحظى بقبول الطبقة السياسية في إيطاليا وباقي البلدان الأوروبية. ما أعطاها -حسب جل المحللين في روما- أسبقية في استطلاعات الرأي (23%) على كل منافسيها في حين لم تتحصل في الانتخابات التشريعية لعام 2018 الا على نسبة 4،3%. أما حزب الرابطة (15%) وحزب «فورسا إيطاليا» (8%) فقد تدهورت شعبيتهما مما جعل زعامة ميلوني تصبح أمرا طبيعيا رغم انعدام خبرتها الحكومية.
وأظهرت ميلوني معرفة محترمة بدواليب الحياة السياسية الإيطالية مما مكنها من بلورة برنامج سياسي «توافقي» بين الأحزاب الثلاثة يراعي الملفات المشتركة ويترك جانبا الخلافات المحتملة إلى ما بعد الانتخابات. ويركز البرنامج المقترح على مسائل استتباب الأمن ومقاومة الهجرة غير النظامية وخفض نسب الضرائب وهي القاسم المشترك بين أحزاب الإئتلاف. أما الإبقاء على المشاركة في الإتحاد الأوروبي وعلى عملة اليورو وعلى منظمة الحلف الأطلسي فهي إكراهات المرحلة، في ظروف تواصل الحرب في أوكرانيا، فرضتها جورجيا ميلوني بمساعدة سلفيو برلسكوني على حليفها ماتيو سالفيني في حرص على ضمان كل الظروف السانحة بالرجوع إلى سدة الحكم.
انقسامات اليسار
في المقابل، يتخبط اليسار، بقيادة الحزب الديمقراطي، في محاولة توحيد صفوفه بعد مشاركته في الحكومة المستقيلة معية جمع من القوى السياسية التي عجزت عن الصمود أمام تغول «الأنا» في صفوفها. في هذه الظروف قام إنريكو ليتا السكرتير الجديد للحزب الديمقراطي، وهو القوة الانتخابية الأساسية في صفوف اليسار، بإبرام اتفاق سياسي مع حزب «العمل» وزعيمه كارلو كالندا وحزب «+أوروبا» الذي يقوده وكيل وزارة الخارجية بنديتو ديلا فيدوفا. الا انه ليست لهذا التجمع حظوظ في الحصول على أغلبية في البرلمان القادم. لذلك أقدم انريكو ليتا على ضم أحزاب وتجمعات سياسية أخرى من بينها قسم من «حركة 5 نجوم» وحزب الخضر من أجل الالتحاق بالائتلاف الجديد. لكن ذلك أحدث شرخا في صلبه بسبب الخلافات القائمة بين كارلو كالندا و«حركة 5 نجوم». ويبدو أنه القاسم المشترك بين هذه الفصائل ... برنامج ماريو دراغي المستقيل والذي يركز على البعد الاقتصادي للخروج من الأزمة مع الحفاظ على توجه أوروبي وأطلسي واضح.
آخر الأنباء تشير إلى اختلافات حادة داخل «حركة 5 نجوم» أدت إلى استقالات وانشقاقات ورجوع مؤسس الحركة الكوميدي بيبي غريلو إلى مناوراته وراء الستار. وضع غامض سياسيا لا يسمح لرئيس الوزراء السابق جيوزيبي كونتيه الذي يرأس الحزب بإعادة ترميمه حول مشروع حكم واضح. وهو ما يدل على تقهقر الحزب إلى 10% من نوايا الأصوات بعد أن أحرز في الانتخابات التشريعية لعام 2018 على نسبة 32% مكنته من تصدر المشهد ورئاسة الحكومة. في صورة نجح كونتيه في لم شمل حزبه – وهي فرضية تكاد تكون مستحيلة – ذلك ان اليسار سوف يكون مبتورا انتخابيا من عدد من الأصوات لصالحه تمكنه من منافسة جورجيا ميلوني. يبقى أمام الجميع أكثر من شهر لخوض المعركة النهائية بصفوف مرصوصة لكسب رهان الرجوع إلى السلطة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115