أزمة حكومية جديدة في إيطاليا: ماريو دراغي «المنقذ» يرمي المنديل أمام تشتت البرلمان

وأخيرا حصل ما كان متوقعا: فقد عملت الأحزاب الإيطالية الراديكالية على اسقاط حكومة ماريو دراغي التي لم تتمكن من الصمود أكثر من 17 شهرا

وعجزت عن الخروج من الأزمات المتراكمة في إيطاليا. وكانت جائحة كورونا قد عجلت بتولي رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق مقاليد الحكم لإخراج البلاد من أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة تعمقت باستفحال جائحة كورونا.
ولم يصمد ماريو دراغي طويلا، وهو الذي لا ينتمي إلى أي فصيل سياسي، أمام لعبة الأحزاب المعتادة في النظام البرلماني. وكان أول نجاح توصل إليه رئيس الحكومة ماريو دراغيهو اقناع أكبر عدد ممكن من الأحزاب من أقصى اليمين إلى اليسار الديمقراطي للمشاركة في ائتلاف حكومي من اجل اخراج إيطاليا من أزمتها المتشعبة الأوجه. وتمكن دراغي بفضل العمل الحكومي المنهجي في وقت قياسي من ضمان الاستقرار السياسي والعمل على التحكم في المديونية وإعادة الاقتصاد إلى سالف نشاطه. ونجح في تكوين ميزانية للإقلاع التنموي قدرت ب 200 مليار يورو شاركت فيها بروكسل في إطار ميزانية الانتعاش الاقتصادي الأوروبي. لكن الأحزاب التي تشوقت لأخذ القرار بمفردها قررت في أول مناسبة خلافية أتيحت لها الإخلال بوعودها في ضمان الاستقرار الحكومي.
أزمة مفتعلة
وقد بدأت بوادر الأزمة الحكومية الحالية مع إعادة انتخاب الرئيس ماتاريلا لولاية إضافية في حين كان يرغب التخلي عن الوظيفة. لكن الأحزاب الممثلة في البرلمان رفضت ترشيح ماريو دراغي لخلافته وتركت، إلى حين، الوضع على حاله. إخفاق ماريو دراغي في دخول قصر الكويرينالي كان المحطة الأولى في مخطط الأحزاب الراديكالية (حركة 5 نجوم وحزب الرابطة المتطرف) في الإطاحة بحكم ماريو دراغي. وتجسمت الفرصة الأولى المتاحة يوم الخميس الماضي عند رفض حركة 5 نجوم إعطاء الثقة لرئيس الحكومة بسبب قراره تركيز موقع لتصفية النفايات في العاصمة روما. وكان ذلك تعلة لسحب الثقة من رئيس الحكومة مما أدى إلى تقديمه استقالته للرئيس ماتاريلا الذي رفضها مؤقتا في انتظار انعقاد البرلمان.
الأربعاء 20 جويلية كان موعد اجتماع مجلس الشيوخ الذي لم يمنح الأغلبية للحكومة بسبب عدم مساندة أحزاب اليمين وحركة 5 نجوم. ولم يبق أمام رئيس الحكومة، بالرغم من جولات المفاوضات على كل الأصعدة، الإ التوجه إلى القصر الرئاسي لتقديم استقالته مرة ثانية. ومن المتوقع أن تجري انتخابات سابقة لأوانها في شهر أكتوبر القادم تسترجع فيها الأحزاب دورها في الصراع على السلطة في مناخ سياسي جديد يتسم بانحلال حزب 5 نجوم الذي يشهد استقالات متعددة بسبب الأزمة واختلافات واضحة داخل أحزاب اليمين.
تشخيص سياسي للأزمة
في خطابه أمام البرلمانيين، انتقد ماريو دراغي الأحزاب «المتطرفة» (حركت 5 نجوم، الرابطة وفورسا إيطاليا) التي أعاقت العمل الحكومي، خلافا لليسار الديمقراطي والوسط، بسبب اختلافات سياسية جوهرية حسب رأيه. وفاجأ ماريو دراغي الجميع عند إعلانه أن وراء قرار الأحزاب ضغوطات تعلقت بعمل الأحزاب على «اضعاف مساندة الحكومة لأوكرانيا وتقليص معارضتنا لمشروع الرئيس بوتن». وأشار، على المستوى الداخلي، إلى معارضة الأحزاب اليمينية لإصلاح المجلس الأعلى للقضاء وسجلات الملكية العقارية ورخص استغلال الشواطئ ودعوتها الى مواصلة التداين العمومي. وهي مواضيع حساسة بالنسبة للتوازن الحكومي تشير إلى الخلافات العميقة في تسيير الشأن العام على المستويين الداخلي والخارجي.
وحسب الملاحظين في روما ومؤسسات سبر الآراء، الوضع الحالي المتأزم نتاج لتحول في الرأي العام الذي تخلى عن دعمه لحركة 5 نجوم المنقسمة داخليا ترك مجالا لأحزاب اليمين لاسترجاع عافيتها في إطار منافسة اليسار الديمقراطي الداعم الرئيسي للحكومة. وعمل سيلفيو برلسكوني على دعم تحالفه مع حزب الرابطة المتطرف - ولو أن بينهما خلافات سياسية عديدة – من أجل التسريع في انتخابات سابقة لأوانها تمكنه من استغلال اندثار حركة 5 نجوم وكسب دعم الشق اليميني للحركة. في هذه العملية السياسوية لا يمتلك ماريو دراغي آليات المنافسة لأنه لا ينتمي لأي حزب ولا يقدر على تغيير مخلفات النظام البرلماني المرتكز على دور الأحزاب وعلى انقسامها الجوهري.
من مفارقات هذه الأزمة المفتعلة من الأحزاب اليمينية أن 70% من الرأي العام يرغب في مواصلة حكومة ماريو دراغي أشغالها. وأصدر 2000 عمدة لأهم البلديات الإيطالية بيانا لدعوة الأحزاب لدعم العمل الحكومي. من ناحية أخرى أعلنت بروكسل مساندتها للاستقرار الحكومي في إيطاليا الضامن لتفعيل البرنامج الإصلاحي الذي قرره ماريو دراغي بعد مفاوضات طويلة مع الإتحاد الأوروبي اسفرت عن تمكين إيطاليا من أكثر من 140 مليار يورو لدعم اقتصادها. لكن، في إطار التشتت الحزبي للنظام البرلماني الحالي تبقى الأحزاب الركيزة الأساسية لتخطيط التحالفات والسياسات. في مسار سوف يضفي، بعد قرار الرئيس سرجيوماتاريلا، إلى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115