حكومة فرنسية جديدة برئاسة إليزابيت بورن: بأغلبية نسبية إيمانويل ماكرون يواجه مستقبلا سياسيا متقلبا

أعلن قصر الإليزيه عن تكوين حكومة جديدة بعد مفاوضات مع أحزاب المعارضة واستبدال عدد من المقاعد الشاغرة بسبب اخفاق بعض الوزراء في الانتخابات التشريعية

لشهر جوان والتي أفرزت برلمانا منقسما دون منح حزب الرئيس أغلبية مطلقة.
انطلقت الوزيرة الأولى والرئيس إيمانويل ماكرون مباشرة بعد التصريح بنتائج الانتخابات في عملية مفاوضات مع أحزاب المعارضة لدراسة إمكانية تشكيل أغلبية واضحة ولم يتوصلا إلى حل مع أطراف المعارضة التي رفض الدخول في تحالف مع ساكن قصر الإليزيه. وبعد الانتهاء من تركيز البرلمان الذي سوف ترأسه لأول مرة في تاريخ فرنسا امرأة، السيدة يائيل براون بيفيه، مرشحة الرئاسة، والذي حظيت فيه المعارضة بمناصب هامة، جاء دور تعديل الحكومة الأولى المنصبة يوم 20 ماي إثر كسب إيمانويل ماكرون ولاية ثانية على رأس الدولة، بأخذ بعين الاعتبار التوازنات السياسية الجديدة داخل الأغلبية الحاكمة.
ترميم الحكومة في ظل أغلبية نسبية
لم تعط الانتخابات التشريعية لشهر جوان أغلبية مطلقة للرئيس ماكرون. بل عقدت الوضع الحكومي بانسحاب عدد من أعضائه بسبب عزم الرئيس على عدم تكليفهم بوزارة في صورة فشلهم في الانتخابات. وأعطى المشهد السياسي الجديد وضعا داخل الأغلبية الحاكمة حتم إعادة صياغة تركيبة الحكومة لضمان تمثيلية الأحزاب الحليفة وهي «مودام» بزعامة فرنسوا بايروو»هوريزون» للوزير الأول الأسبق إدوار فيليب. وأفضت المشاورات إلى تغيير بعض الوجوه بإسناد وزارة الصحة إلى طبيب وضم وزارة أراضي ما وراء البحار لوزارة الداخلية وتعيين على رأس وزارة التحول الإيكولوجي مع تعيين وزير الصحة الأسبق أوليفييه فيران في منصب الناطق الرسمي باسم الحكومة خلفا لأوليفيا غريغوار التي عينت على راس وزارة التجارة والصناعات التقليدية والسياحة.
وحاول الرئيس ماكرون في حواره مع مختلف الأحزاب الممثلة في البرلمان تشكيل أغلبية حول حزبه. لكنه لم يفلح في اقناع حزب الجمهوريين القريب من توجهاته السياسية وخططه الحكومية في حين لم تكن هنالك أية إمكانية للتقارب مع التجمع الوطني لمارين لوبان ومجموعة «نوبس» اليسارية بقيادة جون لوك ميلونشون. في نفس الوقت شرعت إليزابيت بورن في ترميم الهيكل الحكومي وأجرت تعديلات في المناصب أدت بعد التشاور مع رئيس الدولة إلى تنصيب حكومة واسعة (41 حقيبة) متناصفة اجماليا. لكن الانطباع السائد في صفوف المعارضة أنها لم تغير شيئا بالنسبة للنسخة الحكومية الأولى وواجهت وابلا من الانتقادات أشارت إلى البداية الفعلية للولاية الرئاسية الثانية.
في هذا الإطار، قررت الوزيرة الأولى التوجه للبرلمان بخطاب حول السياسة العامة للحكومة يوم الأربعاء 5جويلية بدون طلب التصويت على الحكومة. وهي خطوة يسمح بها الدستور ولم تمارس منذ 30 سنة. والسبب الرئيسي عدم امتلاك أغلبية في البرلمان من ناحية، ومن ناحية أخرى غياب عدد من الأصوات بسبب تعيين 3 نواب في الحكومة مما يعقد الوضع ويوفر أصواتا إضافية للمعارضة في صورة تنظيم تصويت للمصادقة على البرنامج. في الحقيقة تدخل الحكومة الفرنسية، لأول مرة في تاريخ الجمهورية الخامسة، في حالة أغلبية نسبية يمكن أن تفتح الباب أمام احتمالات عدة.
آفاق سياسية مضطربة
وضع الأغلبية النسبية لن يكون مريحا للحكومة في صورة تقديم مشاريع قوانين متعلقة بالسياسات الإصلاحية الجديدة التي سوف تجد معارضين شرسين أمامها. ويعتقد الملاحظون أن من أهم المشاكل هي التصديق على الميزانية التي تحكم مصاريف الدولة واستثماراتها. وسوف يجد رئيس الدولة وحكومته معارضة قوية داخل البرلمان لمشاريع إعادة النظر في نظام التقاعد وتطوير المنظومة الصحية وترميم المدرسة الجمهورية والعمل على التحول الإيكولوجي. في كل هذه المواضيع التي تفرض الوصول إلى اتفاق واسع مع الأطراف الاجتماعية والسياسية، لا بد للرئيس ماكرون أن يستغل كل طاقاته في المناورة لتمرير مشاريعه.
ومع رفض الجمهوريين الانضمام إلى تحالف مع حزب الرئيس ماكرون تتعقد الأمور في وجه الحكومة. فلن يبقى أمامها إلا خوض معارك برلمانية غير مضمونة لكسب أغلبية في كل مشروع قانون يقدم للجمعية العامة. وبما أن اليمين الجمهوري يسيطر على مجلس الشيوخ، وهو الغرفة الثانية للبرلمان، فإن إمكانية أن تصل الحكومة إلى بلورة سياساتها تصبح محل تساؤل بسبب فرض قراءتين على الأقل لكل مشروع قانون من قبل غرفتي البرلمان. عمل برلماني سوف ينهك بلا شك الحزب الحاكم. لكن الخبراء في باريس يعتقدون أن للرئيس ماكرون أكثر من طريقة للوصول إلى اقناع البرلمانيين من خارج الأحزاب ومن داخلهم للوصول إلى نوع من التوافق، لا على السياسات، بل على بعض القوانين الجديدة المتعلقة بالإصلاحات الجوهرية (التحول الإيكولوجي، التقاعد، الصحة والتعليم) في صورة حصل على موافقة النقابات والجمعيات الأهلية. في صورة فشل خطواته يبقى له حل البرلمان وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها – وهو ما دعا إليه حزب جون لوك ميلونشون - بعد أن يكون قد أنهك صفوف المعارضة وفضح مناوراتهم لإفشال العمل الحكومي.
لائحة لوم من قبل اليسار الراديكالي
قبل انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد أعلن حزب جون لوك ميلونشون تقديم لائحة لوم للحكومة في أول يوم من العمل البرلماني. وإن تحفظ الحزب الاشتراكي على الخطوة فإن حزب الجمهوريين أعلن على لسان النائب أورليان برادييه أنه لن ينضم للائحة اللوم قائلا: «أنا أنتمي للجمهوريين لا أساند الحكومة ولا أساند المشروع السياسي ل»نوبس». لم نقدم لائحة لوم لأننا لا نريد تكبيل البلاد. ما نريده هو أن تتقدم الأشياء لصالح الفرنسيين.» هذا الموقف المريح للحكومة لا يغير شيء من حجم المشاكل التي سوف تعترضها في الأسابيع والشهر القادمة.
يبقى أمام الرئيس ماكرون فرصة تتجسم في إعادة هيكلة حزب الجمهوريين في الخريف القادم بعد أن انتهت ولاية كريستيان جاكوب على رأس الحزب اليميني. ففي صورة انتخب مرشح مرن يمكن للحكومة أن تدخل في نقاشات عميقة للتوصل إلى تشكيل أغلبية برلمانية مريحة، مع بعض التنازلات من الرئيس ماكرون. لكن في صورة نجح لوران فوكييه، وهو شخصية راديكالية، لن يكون هنالك أية فرصة للتواصل مع الحكومة. في ذلك السيناريو يصبح حل البرلمان واردا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115