برونو لومار وجيرالد درمانان وزير الخارجية ووزير العدل إيريك دوبونموريتي. وفاجأ الرئيس إيمانويل ماكرون الجميع بتعيينه المؤرخ باب ندياي، الباحث في شؤون السود وتاريخ العبودية، على رأس وزارة التربية والشباب مع إعطاء فرصة لوجوه جديدة من أجل تشبيب الحكومة وبث روح جديدة فيها.
حسب نص التعيين، سوف تهتم رئيسة الحكومة إليزابيت بورن بالتخطيط للتحول الإيكولوجي وهي مهمة مرتبطة أساسا بمهمتها على رأس الحكومة. وهو ما يشير إلى تغيير في عقيدة الحكومات المعينة من قبل ماكرون خلال الولاية الأولى. الشيء الطريف في هذا التعيين أن الحكومة تجد نفسها بدون برلمان يخول لها سن قوانينها الجديدة بما أن الانتخابات التشريعية تبقى مبرمجة ليومي 12 و20 جوان المقبلين. وهو ما يضع الحكومة أمام رهانات طريفة من نوعها.
الرهانات العاجلة
أولى الأولويات التي وضعها الرئيس ماكرون أمام الوزيرة الأولى إليزابيت بورن هي ضمان وضع مخطط قابل للتطبيق في أسرع الآجال من أجل ادخال البلاد في تغييرات هيكلية للتحول الإيكولوجي. وهي عملية معقدة تشمل تدخل الحكومة وهياكل الدولة إلى جانب الجهات والسلطات المحلية جنبا إلى جنب مع القطاع الخاص. وسوف يساعد الوزيرة الأولى وزيرتان تهتمان بتخطيط قدرات الطاقة وبالتخطيط على مستوى الجهات. وسوف تقوم الوزيرات بدعم العائلات في التمشي الجديد من ترشيد الاستهلاك إلى الاستثمار في آليات تقنية جديدة. وهو عمل لا يمكن له النجاح بدون التنسيق اللصيق مع وزارة المالية.
في نفس الوقت طالب الرئيس ماكرون الحكومة بالسهر على تحسين المقدرة الشرائية في ظل تدهور بعض القطاعات الاقتصادية وغلو الأسعار الناتج عن حرب أوكرانيا. وقد تم الإعلان عن رفع «منحة ماكرون» السنوية إلى 6000 يورو مع حذف الأداء على التلفزيون والرفع في الأجر الأدنى مع الإبقاء على التخفيضات المقررة في سعر المحروقات وهو ما يهدد التوازنات المالية العامة للدولة.
لكن إصلاحات ثقيلة هي الأخرى مبرمجة في عمل الحكومة وتتعلق بنظام التقاعد وبدعم الصحة والتعليم إلى جانب المسؤوليات التقليدية لكل حكومة. إصلاح نظام التقاعد الذي كان مبرمجا للولاية الرئاسية الأولى هو أهم وأخطر ملف أمام الحكومة بسبب المعارضة المعلنة من قبل النقابات والتنظيمات السياسية اليسارية التي ترفض رفع سن التقاعد إلى 65 سنة. وهو ما يبشر بموسم من الاحتجاجات والإضرابات القطاعية. أما ملفا الصحة والتعليم فإن الأول لن يجد صعوبة في تحقيقه بسبب انتظار العاملين في قطاع الصحة أي شكل من الإصلاح الذي يحد من عبء الأعمال والمسؤوليات في ظروف تمادي جائحة كورونا. الملف الآخر وهو التعليم سوف يشهد تغييرا أشار إليه ضمنيا تعيين الوزير باب ندياي الذي يحمل تصورات تحررية مخالفة للوزير السابق المحافظ جون ميشال بلانكار خاصة تجاه تحسين ظروف العمل ومستوى الرواتب للمعلمين والأساتذة في كل القطاعات.
التشريعية وامكانيات التغيير
لكن هذه الرهانات السياسية التي تتطلب عملا على المستوى المتوسط والبعيد تدخل في سباق مع استحقاقات أخرى أولها ضمان الوزيرة الأولى، عبر الحملة الانتخابية الجارية، أغلبية في البرلمان. وهو في الحقيقة الرهان الأصعب الذي، في حالة تحقيقه، يمكنها من الشروع في الإصلاحات الهيكلية المبرمجة بدون مشاكل. لكن تعيين السيدة بورن على رأس الحكومة لاقى انتقادات شديدة من المعارضة تهدف إلى التأثير في الراي العام خلال الحملة الانتخابية. وإن لاقت إليزابيت بورن استحسانا من قبل وسائل الإعلام التي أشادت بقدراتها ومؤهلاتها وتاريخها في مؤسسات الدولة فإن المعارضة بمختلف توجهاتها استخدمتها كهدف لانتقاداتها الصائبة وغير الصائبة من أجل اضعافها والعمل على منعها من الحصول على أغلبية.
الحملة الانتخابية الجارية سوف تؤخر تطبيق أي من المشاريع بسبب عدم وجود للبرلمان، الهيكل الديمقراطي الوحيد لسن القوانين. وتبقى أعمال الحكومة إلى نهاية الانتخابات معلقة فسوف تقتصر على تحضير المشاريع والمخططات. لكن قصر الإليزيه أشار إلى إمكانية تغيير الفريق الحكومي في موعد قريب بعد النظر في نتائج الانتخابات التشريعية لشهر جوان. فإن حصلت بورن على أغلبية مريحة سوف يكون لها دور في الإبقاء على التشكيلة الحكومية الجديدة. لكن «الأغلبية الرئاسية» التي تخوض الانتخابات سوف تطالب، في صورة نجاح أحد أقطابها في تحقيق نتائج غير مرتقبة، بحقائب وزارية إضافية. ويشير الملاحظون في باريس إلى موقع حزب الوزير الأول السابق إدوار فيليب الذي التحق بالأغلبية وهو يطمح في تحقيق نجاح يمكنه من الحصول على حقائب وزارية إضافية تكون نتاج النجاح في الوصول بعدد كبير إلى البرلمان.
هذا السيناريو الوارد يفتح الباب أمام إمكانية تغيير الفريق بعد الانتخابات بسبب التوازنات السياسية داخل الأغلبية وفي البرلمان خاصة إذا حقق حزب «هوريزون» لزعيمه إدوار فيليب الحصول على كتلة نيابية والحال أن له وزيرا واحدا في الحكومة. التوازنات في البرلمان الجديد وداخل الأغلبية الحاكمة سوف تؤثر على التشكيلة الحكومية. ولو أن بعض المحللين يرون أن التغيير لن يشمل الوجوه الحالية بل أن الرئيس يمكنه إضافة وزراء جدد مع تغيير المسؤوليات دون تشتيت ما تم الاتفاق حوله.
غياب البرنامج الحكومي من الشؤون الدولية
لا البرامج الحكومية المعلنة ولا التصريحات الرسمية تدل على أن للحكومة الحالية دورا في ملف العلاقات الدولية. فإن كل الملفات الساخنة تتعلق بالشأن الداخلي. وكأن نوعا من اقتسام الأدوار بين رئيس الدولة ورئيسة الحكومة قد أسفر عن اقتسام الملفات. للحكومة السهر على تحقيق المشاريع الداخلية وللرئيس السهر على العمل الدبلوماسي. فلا يوجد أي ملف مطروح على طاولة الحكومة يتعلق بالعلاقات الدولية، ما عدا الملف الأوروبي. فإن المسائل المتعلقة بالحرب في أوكرانيا وبالتحولات الدولية الراهنة وبالعلاقات مع الدول النامية لا تدخل في إطار العمل الحكومي إلا في صورته الترتيبية الإدارية. أما المحرك الأساسي للسياسات الخارجية فسوف يبقى حكرا على قصر الإليزيه. وهو ما يفسر تعيين السيدة كاترين كولونا الدبلوماسية المحنكة على رأس وزارة الخارجية خلفا لجون إيف لودريان. ويشهد الجميع لوزيرة الخارجية الجديدة خبرتها الدبلوماسية ومعرفتها بالشؤون الدولية. وقد شغلت منصب الناطق الرسمي للرئاسة من 1994 إلى 2004 في عهد الرئيس الراحل جاك شيراك. وتحملت مسؤوليات سياسية ودبلوماسية في حكومتي ميشال روكار الاشتراكي وألان جوبي اليميني الجمهوري.
خبرة السيدة كولونا سوف تكون رافدا أساسيا في تحقيق أهداف إيمانويل ماكرون. وهي كدبلوماسية سوف تعمل أيضا على تهدئة الأوضاع في الوزارة بعد تململ الدبلوماسيين من حذف خطتهم وفتحها على روافد أخرى من الإدارة الفرنسية. لكن هذا التعيين الذي يخضع إلى أسلوب الأخذ بمكيالين المتبع من قبل ماكرون، والذي يرمي إلى أخذ كفاءات من اليمين واليسار والوسط لخدمة الشأن العام، ليس له اليوم برنامج عمل واضح ومخططات سياسية يتم تحقيقها على المستوى الدولي. ربما، على الورق، يبقى هذاالميدان – ولو هو «خاص بالرئيس» – بعيدا عن التوقعات لما للرئيس إيمانويل ماكرون، مخطط الحكومة الأول، من تعامل أفقي مع الملفات والأشخاص.
إمكانيات ورهانات الحكومة الفرنسية الجديدة: بين مواصلة السياسات المبرمجة والتغيير: نفس جديد ومشاكل طارئة
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 11:08 31/05/2022
- 1593 عدد المشاهدات
الحكومية الفرنسية الجديدة التي تم تشكيلها بالتناصف بين الرجال والنساء شهدت مواصلة مهام وزراء من الطراز الثقيل مثل وزير المالية