التي كرست تقهقر الأحزاب التقليدية وبروز ثلاثي سياسي تجسم في إيمانويل ماكرون ومارين لوبان وجون لوك ميلونشون. وجميعهم يمثل ثلاث اتجاهات سياسية (وسطية – يمينية، ويمينية متطرفة، ويسارية راديكالية) أصبحت الركائز السياسية للمشهد السياسي الجديد.
باقي الأحزاب التي دخلت السباق الرئاسي بدون نجاح، وجلها من المشهد التقليدي، ما عدا حزب إيريك زمور، وجدت نفسها في مفترق طرق يحتم عليها إما المشاركة باسمها مع إمكانية الفشل الذريع أو الاندماج في تجمع سياسي يساهم في الحصول على مقاعد في البرلمان على إثر انتخابات 12 و20 جوان القادم. ويبدو أن تشتت المشهد الانتخابي حتم على التنظيمات السياسية الكبيرة محاولة استقطاب التنظيمات الصغيرة لخلق رصيد انتخابي يشكل خزانا في الانتخابات التشريعية القادمة.
الجديد عند جون لوك ميلونشون
بدون منازع، يمكن القول إن زعيم حركة «فرنسا الأبية» هو الذي نجح في فرقعة المشهد السياسي الفرنسي بحصوله على موافقة جل الأحزاب اليسارية للدخول في «وحدة انتخابية» من نوع جديد أطلق عليها اسم «الوحدة الشعبية والإيكولوجية والاجتماعية الجديدة». وهي ثاني عملية لتوحيد اليسار بعد التي قام بها الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران في سبعينيات القرن الماضي والتي مكنت رجوع اليسار إلى سدة الحكم. وهي تضم حزب ميلونشون الحائز على المرتبة الثالثة في الانتخابات الرئاسية وحزب الخضر والحزب الإشتراكي والحزب الشيوعي مع فصائل يسارية راديكالية أخرى أقل أهمية انتخابيا. وساعد على هذا «الاندماج» فشل، من جهة، الحزب الاشتراكي الذي كان يمثل الأغلبية في برلمان 2017 والذي لم يحصل الا على 1،7% من الأصوات، ومن جهة أخرى، حزب الخضر الإيكولوجي الأوروبي الذي لم تصل نتائجه إلى حاجز 5%.
الديناميكية التي فرضها جون لوك ميلونشون مكنت من استقطاب تلك الأحزاب الهامة في المشهد اليساري. بذلك وصل الاشتراكي القديم، الذي انسلخ عن الحزب الاشتراكي عام 2008، إلى مبتغاه وهو فرض توجهاته الراديكالية على «فيلة» الاشتراكية الاجتماعية. وهو ما يفسر انسلاخ عدد من المسؤولين الاشتراكيين من الحزب وفي مقدمتهم الوزير الأول السابق برنار كازنوف. أما من ناحية الخضر فقد انتقد عدد من زعماء هذا التوجه من بينهم جوزي بوفي ودانيال كوهن بنديت المسار الإندماجي الجديد الذي يمكن أن يقضي على الأحزاب التقليدية نهائيا. وتتواصل الانشقاقات في تعيين مرشحين خارج «الوحدة» الجديدة مما يعقد مسألة فوز الوحدويين في الدور الأول.
من الأمام إلى «النهضة»
موجة التغيير شملت حزب إيمانويل ماكرون الحاكم حيث قرر «الجمهورية إلى المام» تغيير اسمه ليصبح «النهضة». حسب رئيسه ستانيسلاص غيريني، الحزب «سوف يكون حزبا شعبيا مفتوحا يفضل الأنوار على الظلامية». لكن في نفس الوقت ولد ّتجمع آخر حول حزب «النهضة» الجديد شمل حزب «المودام» لزعيمه فرنسوا بايرو وحزب «آفاق» للوزير الأول السابق إدوالا فيليب. وأطلق على هذا الائتلاف السياسي اسم «معا» وهو تجمع انتخابي الهدف منه الإبقاء على التحالفات القديمة بين فصائل اليمين واليسار والوسط التي نجحت عام 2017. لكن الصيغة الجديدة أعطت مكانا ملموسا لحزب إدوتر فيليب الذي يعمل على دخول البرلمان في إطار التحضير لخلافة إيمانيول ماكرون عام 2027.
اليمين بين الوسطية والتطرف
ما بقي من المشهد السياسي يتمحور حول ثلاثة فصائل أهمها حزب «التجمع الوطني» لمارين لوبان التي خاضت معركة الرئاسية أمام ماكرون. وتعمل لوبان على احتواء حزب إيريك زمور بدون الاعتراف به كرافد لليمين الراديكالي. بل هي تقدم «هدايا» لبعض وجوهه لخوض المعركة الانتخابية إلى جانبها في حين تمسك إريك زمور بخوض الانتخابات التشريعية تحت راية حزبه مع التمسك بتقديم مرشحين في كل الدوائر الانتخابية لمنافسة مارين لوبان.
أما الحزب الجمهوري الذي أسسه الجنرال ديغول فقد تدحرج إلى أسفل السلم الانتخابي ولم تحصل مرشحته فاليري بكريس إلا على 4،7% من الأصوات. ويعمل زعماء الحزب على التمسك بالناشطين فيه الذين هم أمام خيارات صعبة علما بأنهم يخافون الهزيمة ويطمحون، في نفس الوقت، إلى الانضمام إلى حزب إيمانويل ماكرون. شبح الإنشقاق الذي يهدد حزب الجمهوريين يهدد الأحزاب الأخرى بما فيها حزب إيمانويل ماكرون، وكذلك الوحدة الشعبية الجديدة. وهو ما يدل على هشاشة التحول التنظيمي في المشهد السياسي الفرنسي الذي سوف تحسم فيه الانتخابات التشريعية القادمة المبرمجة ليوم 12 جوان.
فرنسا - تقلبات سياسية للمشاركة في الانتخابات التشريعية: إعادة تشكيل المشهد السياسي وشبح اندثار الأحزاب التقليدية
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 13:34 12/05/2022
- 1404 عدد المشاهدات
في أقل من أسبوع بعد الإعلان عن فوز إيمانويل ماكرون بولاية ثانية على رأس الدولة الفرنسية دخلت الأحزاب السياسية في حالة من الغليان على ضوء نتائج الدورتين الانتخابيتين للرئاسية