الواسع لما تركته صور تقتيل المدنيين البشعة من وقع على الرأي العام العالمي بعد أن بثتها جل وسائل الإعلام الغربية – مع تعتيم كامل من قبل الإعلام الروسي.
وقد انطلقت المنظمات الحقوقية الدولية والصحافة والجمعيات الأهلية في توثيق الأدلة في الحادثة استجابة للمدعي العام الأوكراني الذي فتح تحقيقا في الغرض اتهم فيه القوات الروسية التي احتلت المدينة ودمرتها بمسؤولية ما حصل من تقتيل للمدنيين. وقد تناولت وسائل الإعلام المرئية صور جثث المواطنين على قارعة الطريق وأمام منازلهم. وتوالت الأنباء عن تكرر مثل هذه الممارسات في مناطق أخرى من أوكرانيا، وعلى رأسها مدينتي «إيربين» و«أستوميل»، المحررتين من قبل الجيش الأوكراني، بعد ان دخلتها فيالق الجيش الروسي وعصابات القتل الشيشانية التابعة للنظام الروسي ومجموعات من مقاتلي منظمة «فاغنر» القريبة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وذكرت وكالة «فرانس براس» أن مراسلها تأكد من وجود 20 جثة على الطريق في حين أوردت نفس الوكالة أن قائد الإغاثة الأوكراني وجد 50 جثة إضافية. ولازال العدد يتصاعد يوما بعد بوم. وكان آخر رقم ذكرته السلطات الأوكرانية 300 جثة وجدت بعضها في مقابر جماعية. وتبقى المباني المهدمة والعمارات وباقي المحلات التجارية التي لم يلحقها بعد التفتيش عن الجثث.
وأكدت المنظمة الحقوقية «هيومنرايتسواتش» أنها رصدت «عدة حالات تظهر قوات عسكرية روسية تقوم بأعمال تندرج تحت طائلة خرق قوانين الحرب». وأعلن في هذا المجال المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية عن فتح تحقيق في الحادثة. وهو ما يفتح أمام القضاء الأوكراني والدولي مجال التثبت في حالات القتل من أجل تحديد المسؤوليات وكشف حقيقة ما وقع على ضوء القرائن والأدلة التي يتم تجميعها على أرض الواقع باستعمال كل الإمكانيات التقنية، بعد تشريح الجثث، من صور وفيديوهات وتسجيلات صوتية وصور للأقمار الصناعية وخراطيش وأسلحة روسية مدمرة وبعد التعرف على هوية الجنود الذين دخلوا المدينة وهوية القادة المشرفين على العملية.
تصريحات تنديد
وقد توالت التصريحات الرسمية من القادة الأوكرانيين والغربيين. واعتبر الرئيس الأوكراني فولوديميرزيلينسكي الذي زار مدينة «بوطشا» يوم الإثنين أن موسكو ارتكبت «جرائم حرب» و»عمليات إبادة» في حق المواطنين الأوكرانيين وأن ذلك يوقف عملية التفاوض مع الجانب الروسي. وأكد يوم الثلاثاء الناطق الرسمي باسم المفوضية الكبرى لحقوق الإنسان للأمم المتحدة أن صور «بوتشا» «تشيرإلى استهداف مقصود للمدنيين» موضحا أن هنالك قرائن مريبة. أما أمين عام منظمة الحلف الأطلسي جينسستولتنبرغ فقد اعتبر أن «استهداف وقتل المدنيين جريمة حرب».
وصرح الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الرئيس الروسي «مجرم حرب». وكان قد استعمل من قبل مثل هذه العبارات معتبرا إياه «جزارا»، قبل واقعة «بوطشا». وكانت مواقف القادة الأوروبيين تنحو نفس المنحى وان كان ذلك بعبارات مختلفة. وأعلن وزير خارجية الهند أمام البرلمان في خطوة مفاجئة عن «عمق انشغاله» من التقارير التي «تشير إلى قتل مدنيين في بوطشا» . وعبر عن «تنديد الهند الشديد بعمليات القتل» واعتبر أنها «مسألة في غاية الأهمية» وأن بلاده «تساند النداء من أجل فتح تحقيق مستقل. وجاء تصريح البابا فرنسيس ليندد بما سماه «مجزرة بوتشا» وهو يرفع علم أوكرانيا الذي أرسل اليه من المدينة المنكوبة.
واعتبر الكرملين أن ما يتداوله الغرب في خصوص مدينة «بوطشا» هراء وكذب على الجيش الروسي وأن ما بثته وسائل الإعلام «فبركة» لحاثة لم تحصل مثل التي روجت في رومانيا في ما اعتبر مجزة تيمي شوارا في عهد الرئيس شياوسيسكو. وحرصت السلطات الروسية على عدم اعتبار اجتياح أوكرانيا وتهديم بنيتها التحتية ومدنها «حربا» بل قدمت في وسائل الإعلام الروسي على كونها «حرب أوكرانيا على الدومباص» وأن القوات الروسية تدخلت لحماية الدومباص من الجيش الأوكراني.
زيلينسكي أمام مجلس الأمن
وصرح الرئيس الأوكراني أمام مجلس الأمن يوم الثلاثاء 5 أفريل أن روسيا قامت بجرائم حرب. وطالب أعضاءه بمنع روسيا من استخدام الفيتو في مسائل الحرب التي تكون هي فيها طرفا أو بعزلها من المجلس لما اقترفته. وقام ببث صور فيديو بشعة عن حصيلة اعمال الجيش الروسي قائلا « لقد قطعوا أعضاء ورقاب وألسن. وتم اغتصاب نساء من قبل مجموعة أمام أعين أطفالهن. «بوطشا» هي مثال من بين مدن اخرى كثيرة، لا بد للعالم أن يكتشف الحقيقة المفزعة.» وطالب الرئيس الأوكراني يتحقيق دولي مستقل من أجل «تقديم المنفذين ومن أعطى الأوامر أمام القضاء بتهمة جرائم حرب.» واقترح تشكيل محكمة خاصة كتلك التي تم تشكيلها في نورمبارغ إثر الحرب العالمية الثانية لمحاكمة النازيين.
وانتفض ممثل روسيا في المجلس فاسيلينبنزيا على تصريحات زيلينسكي معتبرا أنه «لم يخضع أي فرد للعنف» تحت السلطة الروسية. واعتبر أن ذلك «تلاعب» بالحقيقة وأن ما حصل من عنف وتقتيل انما صدر عن جماعات متطرفة أوكرانية. وكان من الواضح خلال جلسة مجلس الأمن أن الممثل الروسي لم يكن يتوقع تأثير الصور على الحاضرين ولم يجد الأجوبة المقنعة للتصدي للتحالف الدولي الذي تمحور ضد روسيا اثر اجتياح أوكرانيا من قبل الجيش الروسي.
وفي نفس السياق أعلنت الولايات المتحدة ومجموعة السبع والإتحاد الأوروبي عن فرض عقوبات جديدة ضد روسيا وبنوكها وممثلين حكوميين. وقررت جميعها ابطال أي استثمار في روسيا ودعت كل الشركات المتواجدة على الأراضي الروسية للانسحاب وعدم تصدير أي منتوج تكنولوجي لها. وقررت منظمة الحلف الأطلسي عقد اجتماع هذا الأسبوع مع نظرائها في منطقة آسيا والمحيط الهادي من أجل التوصل إلى عزل روسيا على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية بسبب اجتياحها لأوكرانيا. وبعد أن قررت هولندا وبلجيكا وأيرلندا والتشيك في الأسبوع الماضي طرد دبلوماسيين روس مي عواصمها بتهمة «عمليات تجسس» كما قررت فرنسا طرد 35 ممثلا دبلوماسيا روسيا من باريس وألمانيا 40 ممثلا بنفس السبب مع الرفع من نسق العقوبات مع التهديد بعقوبات اقتصادية مفصلية تندرج فيها إمكانية مقاطعة الغاز والنفط الروسي. وهو ما يدخل حتما المنطقة الأوروبية في حالة غليان سياسي وشعبي بسبب عدم جاهزية البلدان الأوروبية لتعويض الغاز الروسي المستهلك في أوروبا بقيمة تفوق 50 % من مجموع حاجياتها.