الهجوم الروسي على أوكرانيا في أسبوعه الثاني: أوروبا أمام أكبر تهديد أمني وجيوسياسي ... توجه العالـم نحو نظام جديد

تدخل العملية العسكرية التي أطلقتها موسكو في أوكرانيا في أسبوعها الثاني وقد أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 351 شخصاً بحسب ما أعلنت عنه مفوضية

الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. ولا توجد الى حد اليوم بوادر لإنهاء هذه الحرب المستعرة في الجهة الشرقية من أوروبا منذ 11 يوما والتي أدّت الى حدوث أكبر موجة للاجئين الفارين من دمار المعارك، وسط توقعات بأن تصل أعدادهم الى 1.5 مليون لاجئ بحلول مطلع الأسبوع .
فيما تتركز المعارك الطاحنة حول العاصمة كييف، تسعى موسكو الى السيطرة على ميناء «ماريوبول» الاستراتيجي الواقع في شرق أوكرانيا ، على بحر أزوف، باعتبار ان السيطرة عليه من شأنها أن تغير مسار الحرب لصالح الروس وذلك لأنها تمكن موسكو من الربط بين القوات الروسية القادمة من شبه جزيرة القرم والقوات المتواجدة في إقليم الدونباس .
ورغم فرض الغرب لعقوبات اقتصادية غير مسبوقة على موسكو مع دعم عسكري كبير لحليفته كييف، الا ان ميزان القوى ما زال لصالح الدبّ الروسي في هذه العملية التي وضعت أوروبا برمتها أمام أكبر تهديد أمني وجيوسياسي منذ الحرب العالمية الثانية .
سلاح العقوبات... الخيار الغربي الوحيد
يبدو أن سلاح العقوبات الاقتصادية هو خيار الغرب الوحيد الى حد الآن لردع الدب الروسي الغاضب من طموحات اوكرانيا الجيوسياسية والتي تعتبرها موسكو خطرا يهدد أمنها القومي والإقليمي . فأكثر ما يؤرق موسكو اليوم هو الترسانة النووية التي تمتلكها أوكرانيا والتي تهدد -في حال انضمام كييف الى حلف الناتو- بوضعها تحت السيطرة الغربية .
وقد توعدت دول مجموعة السبع بفرض «عقوبات صارمة جديدة» على روسيا كما تعهد وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن بـ«إبقاء الضغط» إلى أن «تنتهي الحرب». كما أعلنت الحكومة البريطانية امس عن أنها ستسعى لتسهيل إجراءات فرض عقوبات على الأثرياء المقربين من الكرملين بما يتماشى مع تلك التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.
وكان رد روسيا على هذه العقوبات الغربية بمزيد تكثيف عملياتها وقصفها الصاروخي لعديد المناطق الاستراتيجية في أوكرانيا، بلغت حد الهجوم على محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا وإلى اشتباك مع حرس المنشأة واندلاع حريق قربها، مما دفع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى اطلاق صيحة فزع مما أسماه بـ «نهاية أوروبا» في حال انفجار هذا الموقع الذي يضم أكبر محطة نووية في أوروبا، و 6 مفاعلات نووية. اما بالنسبة للعقوبات الاقتصادية فقد ردّت موسكو بالمثل من خلال توعد خارجيتها امس باتخاذ إجراءات صارمة-لكن متناسبة- ضد المصالح البريطانية في روسيا، ردا على ما وصفته «بهيستيريا العقوبات» في لندن أثناء الصراع .
وقالت الوزارة إن بريطانيا اختارت بوضوح السير نحو مواجهة مفتوحة مع روسيا، الأمر الذي لم يترك لموسكو أي خيار سوى الرد باتخاذ إجراءات غير محددة الى حد الآن «ستقوض بلا شك المصالح البريطانية في روسيا».
خطر المواجهة المفتوحة
يبدو ان الرئيس الأوكراني لا زال يعيش على أوهام الدعم الاوروبي له باعتباره رجل الغرب في اوكرانيا ، ولكن حساباته كانت خاطئة الآن، فقد وجد نفسه وحيدا في معركة غير متوازنة القوى تمتلك فيها روسيا كل الخيارات المتاحة . وأقصى ما يمكن ان يقدمه له الغرب بعض الدعم العسكري، والذي وان كان سيساعد كييف على الصمود لأطول وقت ممكن، الا انه لن يغير من مسار الحرب التي اختار بوتين توقيتها ولا أحد يعلم متى او كيف ستنتهي.
مرة جديدة أخطأ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في توقعاته عندما طالب دول الناتو بإلحاح منع روسيا من شنّ المزيد من الغارات الجوية على بلاده. ولكنه جوبه بصدّ كل الأبواب الأوروبية أمامه .
في الحقيقة كان رفض الناتو متوقعا بالنظر الى ان حلف شمال الأطلسي يريد ردع الروس فقط ولن يخاطر في مواجهة شاملة مع موسكو بكل ما تحمله من عواقب على اوروبا والعالم برمته. اذ ان منطقة حظر جوي سيؤدي حتما إلى نشوب «حرب شاملة في أوروبا». في حين يريد الناتو ان يظل هذا الصراع الروسي الغربي محصورا في الساحة الاوكرانية لا داخل دول الحلف . وفي السياق نفسه جاء تحذير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للغرب من إقامة منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا قائلا: «كل تحرك في هذا الاتجاه سيتم النظر إليه من جانبنا على أنه مشاركة من الدول المعنية في الصراع المسلح» مشيرا إلى أنه لن يهم عندئذ المنظمة التي تنتمي إليها هذه الدول».
وفيما تتواصل براكين الحرب الروسية بالانفجار ، لا زال باب المفاوضات الشائك مفتوحا وآخرها الجهود التركية للوساطة بين روسيا وأوكرانيا بحسب ما أعلنت الرئاسة التركية في بيان امس . وكان متحدث باسم أردوغان قال إن الرئيس التركي سيتحدث مع الرئيس بوتين اليوم . ولعل الدور التركي في أية تهدئة ممكنة ينطلق من الموقع الذي تحتله أنقرة والتي تتقاسم حدودا جغرافية مشتركة مع حلف الناتو كذلك حدودا بحرية مع روسيا في البحر الأسود. علاوة على ذلك ، فإن أوكرانيا عرضت عقد جولة أخرى من المحادثات مع روسيا يوم غد الإثنين.
ويرى البعض ان اعلان موسكو عن وقف إطلاق النار أمس السبت للسماح بإجلاء المدنيين من مدينتين في شرق أوكرانيا ، إحداهما مرفأ ماريوبول الاستراتيجي المحاصر، وذلك بعد مشاورات بين ممثلين عن كييف وموسكو، هو بادرة أولى قد تفتح الباب نحو محادثات سلام شاملة لإيقاف هذه الحرب .
ومهما كانت نتائج المحادثات فإنها ستغير وجه النظام الدولي الجديد وتنقل العالم الى مرحلة تعدد القوى وفق معادلات مغايرة. كما ان نتيجة الحرب من شأنها ان تلقي بثقلها على مناطق النزاع الأكثر دموية في العالم والتي يديرها العملاقان الروسي والأمريكي مثل سوريا وغيرها .
اليوم تبدو كل السيناريوهات ممكنة في هذه الحرب ، ولكن أقربها الى أرض الواقع هو الإبقاء على هذه الحرب محصورة ضمن الحدود الأوكرانية دون ان تتطور الى مواجهة شاملة لا أحد يعلم عقباها .
ولكن الأكيد ، وفي خضم كل هذه التطورات ، فإن الشعب الاوكراني المشتّت والمقسّم اليوم هو من سيدفع ثمن هذه الحرب بكل امتداداتها وانعكاساتها ونتائجها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115