العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا ... سلاح ذو حدين

تتواصل الحرب الروسية على أوكرانيا وسط غموض يكتنف مصير هذه العملية ومآلاتها وكيف ومتى ستنتهي، خاصة وانها خلّفت ارتدادات كبيرة هزّت كبرى اقتصاديات العالم.

فقد بلغ التضخم أعلى مستوياته في عديد الدول وارتفع سعر خام برنت القياسي للنفط العالمي إلى أكثر من 105 دولارات للبرميل وهو أعلى مستوى منذ سنة 2014 . ويتوقع العديد من الخبراء أن تتعرض أسواق الطاقة لمزيد من الاضطرابات مع زيادة ارتفاع أسعار البنزين.
سارع الغرب الى رفع سلاح العقوبات الاقتصادية للضغط على موسكو، الا ان هذه العقوبات تحمل بدورها انعكاسات كبيرة على عديد البلدان الأوروبية وغيرها خاصة على الدول الأكثر ارتباطا بروسيا في ما علاقة بإمدادات الغاز او الاستثمارات الأجنبية .
تداعيات عاجلة
يؤكد المحلل الاقتصادي الأردني مازن ارشيد في حوار لـ«المغرب» على وجود تداعيات عاجلة وآنيّة شهدتها الأسواق العالمية مع بداية الغزو الروسي، لعل أهمها ارتفاع معدل التضخم وارتفاع الأسعار وتأثيرهما على تكاليف المعيشة وارتفاع كلفة الإنتاج والتصنيع، كل ذلك – بحسب محدثنا – سيوّلد أزمات كبرى لا في روسيا وأوكرانيا فحسب بل في العالم برمته.
وقال: «عندما نتحدث عن العملات نجد ان هناك ارتفاعا في الطلب على الدولار والينّ، واللذين يعتبران من العملات الأكثر أمانا وملاذا. وفي ما يتعلق بالذهب ارتفع سعره بشكل كبير . وسجلت أسعار النفط أعلى مستوياتها منذ عام 2013 والسبب معروف فروسيا تعتبر ثاني أكبر منتج للنفط في العالم، ومن الطبيعي ان ترتفع أسعار النفط بشكل كبير وتلك هي التداعيات الفورية التي حصلت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. وأضاف: «طال أمد الحرب كلما كانت التداعيات سلبية على الاقتصادين العالمي والعربي، وكلما كانت المدة مختصرة ووجدنا لها حلا دبلوماسيا وسياسيا سريعا كانت التداعيات أقل. وقال: «ان مواصلة ارتفاع أسعار النفط يشكل معطى سلبيا خاصة انه يسجل أعلى مستوياته التاريخية، ونفس الشيء في ما يتعلق بالألمنيوم لأن روسيا منتجة رئيسية للنفط والالمنيوم. ذلك مع استمرار الأزمة وتفاقمها بين روسيا وأوكرانيا. ويضيف: «الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعانيان من ارتفاع معدلات التضخم حتى قبل الأزمة الأوكرانية الروسية فما بالك مع تواصل ارتفاع اسعار النفط والمواد الغذائية الأخرى، أكيد التداعيات ستكون سلبية على اقتصاديات العالم وحتى الاقتصاد العربي».
الأمن الغذائي والطاقي العربي
أما على صعيد التداعيات والإنعكاسات على الاقتصاديات العربية، يوضح محدثنا: «ستكون التداعيات كبيرة بالنظر الى حجم التجارة المتبادلة بين روسيا والوطن العربي وهي تسجل بحدود 17 مليار دولار، من المؤكد ان الرقم ليس كبيرا لكنه يؤثر على الأمن الغذائي للمنطقة العربية بما أن معظم المنطقة العربية تقوم باستيراد حاجياتها من روسيا وأوكرانيا، وتحديدا 30 بالمئة من القمح العربي مصدره روسيا وأوكرانيا، ناهيك عن النفط والغاز. اذن هناك تداعيات فيما يتعلق بالأمن الغذائي والطاقي ولو بشكل متفاوت». ويضيف: «فيما يتعلق بمصر مثلا، فان منطقة شرم الشيخ مشهورة باستقبال السياح، 40 % من السياح الذين يأتون لشرم الشيخ هم من روسيا وأوكرانيا. وتتفاوت الأضرار بين الدول العربية وتبدو مصر الأكثر تضررا في الأزمة الحاصلة بين روسيا وأوكرانيا» .
وقال: «لا توجد بدائل سريعة لأننا بحاجة الى تغيير النظام الاقتصادي للوطن العربي برمته. اذ تعاني الدول النفطية من نفس المشاكل التي تعاني منها بقية الدول العربية غير النفطية ذلك ان جلّ ايرادات الدولة في دول الخليج نفطية . مثلا السعودية نجد ان أكثر من 90 بالمئة من إيراداتها نفطية واذا تراجعت أسعار النفط سيكون هناك عجز في الموازنات واذا سجلت ارتفاعا سيكون هناك فائض ونحن رهينة برميل النفط، نفس الشيء يتعلق بالغذاء والمواد الغذائية . مثلا الأردن 95 بالمئة من احتياجاتها من الطاقة مستوردة و80 بالمئة من احتياجات المواد الغذائية مستوردة من الخارج وبأسعار عالمية مرتفعة جدا ونفس شيء ينطبق على باقي الدول العربية . فمع ارتفاع أسعار النفط سيكون هناك ارتفاع في معدلات التضخم وفي المديونية لسد العجز مع ارتفاع المصاريف وتراجع الايرادات في هذا الحال» .
العقوبات الاقتصادية، أي تأثير؟
يعتبر محدثنا ان طريق العقوبات الاقتصادية على روسا لم تكن مفروشة بالورود لان هناك من يؤيد ان تكون هناك عقوبات صارمة على روسيا وهناك معسكر أوروبي آخر مثل المانيا وإيطاليا ليس من مصلحته تشديد الخناق على موسكو. ويوضح: «المصالح تتحكم في العلاقات الدولية، فالمانيا مثلا هي الأكثر استثمارا في روسيا، في حين ان بريطانيا التي لديها مصالح أقل نجدها الأكثر حرصا على العقوبات. المانيا تحاول الحفاظ على التدفق الغازي والنفطي من روسيا لسبب معلوم وهو ان 55 % من النفط والغاز المستخدم في المانيا مصدره روسي وبالتالي لا توجد بدائل سريعة فيما يتعلق بالغاز الروسي، وأي بديل آخر سيكون مكلفا جدا وسيؤثر في معدلات التضخم» . ويتابع محدثنا: «في ما يتعلق بإخراج روسيا من النظام المالي «سويفت» لم يكن سهلا لانه سوف يضرّ اوروبا بشكل كبير، فلا يمكن استبعاد روسيا من هذا النظام مع ابقاء النفط والغاز يتدفقان الى اوروبا . هناك ترابط كبير ولا يوجد حل عسكري للموضوع الحل يمكن ان يكون دبلوماسيا وسياسيا بما ان دول الغرب تقوم بإنشاء قواعد عسكرية قريبة من الحدود الروسية في بولونيا والمجر ومناطق أخرى، وبالتالي يفترض ان تكون هناك مفاوضات حول هذه المعضلات وهذا الأمر مستبعد في الوقت الراهن».
اما عن شكل النظام الدولي وشكل العلاقات الدولية والذي يعد الاقتصاد جزءا اساسيا منه ومحركا اساسيا له يجيب محدثنا :«التغييرات بدأت بالفعل والتصريحات واضحة . فأصحاب الاقتصاديات الصغيرة مثلا السويد والتي ليست عضوا في الاتحاد الاوروبي لكنها تريد التسلح بشكل أكبر وتبرم اتفاقات مع الاتحاد الاوربي ولو بشكل مستقل للتصدي لأية تهديدات خارجية ممكنة. ولا احد يعلم الى اين يمكن ان تتجه الأزمة، هناك محاولة للتقليل من الاعتماد على الاقتصاد الروسي وعلى الموارد الطبيعية كالنفط والغذاء وغيره ولكن يكون بمقدور الغرب الحصول على النفط والغاز بنفس التكاليف مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية خط «ستريم 1» وهو الانبوب الذي يتدفق عبره الغاز الروسي الى اوروبا ويغذي الجانب الالماني وتم بناؤه منذ أكثر من عشر سنوات، فاليوم لا أحد يعلم ما مصير هذه الامدادات الغازية والطاقية بعد الحرب.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115