لن تقع حرب أوكرانيا: روسيا تستغل تضارب المصالح بين أوروبا والولايات المتحدة

أعلنت موسكو عن سحب عدد من فيالقها العسكرية من الحدود مع أوكرانيا وقد أعطت بذلك الإشارة إلى خفض حدة التوتر بين روسيا والبلدان الغربية

التي حذرت منذ أسابيع من اندلاع حرب في أوكرانيا بسبب التدخل الروسي. وتحول المسرح الدبلوماسي إلى مشهد معقد صاحبته حملات إعلامية غربية تحضر للصدام بين العملاقين، الا ان العمل الدبلوماسي من طرف فرنسا وألمانيا نجح في تهدئة الوضع مؤقتا وإدخال الأزمة الأوكرانية في مسار دبلوماسي يمكن أن يفضي إلى توافق دولي حول قضية الأمن في أوروبا.
أفضت المساعي الدبلوماسية والتهديدات المتبادلة ومشاورات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرحلة المكوكية للمستشار الألماني أولافشولتس بين واشنطن وكييف وموسكو إلى تهدئة الوضع في انتظار أن تضفي المحادثات المتشعبة إلى التوصل إلى حل نهائي للأزمة.
الحرب المستحيلة
كان واضحا منذ بداية الأزمة أن استعراض عضلات موسكو بنشرها 120 ألف جندي على الحدود الأوكرانية في إطار مناورات عسكرية مع بيلاروسيا لم يكن في إطار اندلاع حرب مع أوكرانيا. وكانت قد حصلت حرب عام 2014 بعزل منطقة «دونباص» و ضم القرم دون أن تتمكن القوات الغربية ومنظمة الحلف الأطلسي مع منع ذلك ذلك. اليوم بدا التحرك الروسي في إطار آخر يتعلق أساسا بسباق بين روسيا والولايات المتحدة في مسألتين تتعلق الأولى بقضية الأمن في أوروبا والثانية بالمصالح المشتركة بين روسيا والبلدان الأوروبية المجاورة لها. وأعلن الرئيس جو بايدن أمام التلفزيون الأمريكي أن القوات الأمريكية لن تدخل في حرب في أوكرانيا ولن يرسل جنودا لخوضها في حين لا تزال المفاوضات متواصلة كذلك الإعلانات المتشنجة وحملات الإعلام الغربية المغرضة. وهو ما أكد أن المسرحية الدبلوماسية المنشورة على وسائل الإعلام تتعلق في الحقيقة بقضايا تهم تضارب المصالح بين الطرفين.
وثبت أن روسيا قد أعلمت رسميا المجلس الأوروبي والولايات المتحدة والصين منذ أشهر بنيتها القيام بمناورات عسكرية مع بيلاروسيا في مساحة تبلغ 7500كم. ومع نشر أسلحة هجومية قبل المناورات استغلت الولايات المتحدة ذلك في عملية شيطنة الخصم الروسي من أجل افشال تقاربه مع أوروبا وربط علاقات اقتصادية وأمنية تهدد سلطة الولايات المتحدة في أوروبا وهي التي تتمتع بتواجد عسكري ضخم يعد بحوالي 100 ألف جندي أغلبهم في ألمانيا (75 ألف) ولها أكثر من 40 قاعدة عسكرية في إيطاليا ودول جنوب أوروبا بما فيها تركيا تشارك جلها في منظمة الحلف الأطلسي المعادية لروسيا.
وكان الرئيس الروسي قد أكد مرارا ومباشرة في محادثاته مع الرئيس ماكرون والمستشارشولتس أن «روسيا لا تنوي خوض حرب في أوكرانيا». ونبه في الندوة الصحفية مع ماكرون الى أن «روسيا دولة نووية لها قدرات تفوق باقي الدول» وأنها قادرة على استخدامها إذا لزم الأمر لكنها تعتزم الدخول في حوار لحل المشاكل العالقة بالسبل الدبلوماسية. وهو ما كرره وزيره للخارجية سرغاي لافروف خلال زيارته للسويد معلنا أن الخلاف قائم مع الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي أساسا لا مع أوكرانيا وباقي الدول الأوروبية.
مصالح متضاربة
ولئن ركزت وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية والأوروبية على النهج العدائي الروسي الا ان المحادثات بين ماكرون وبوتين التي دامت خمس ساعات واللقاء بين المستشار الألماني شولتس والرئيس الأمريكي جو بايدن ركزا على قضية استغلال أنبوب «نور ستريم 2» للغاز الذي يربط مباشرة عبر بحر البلطيق مدينة سان بطرسبورغ الروسية بالتراب الألماني لتزويده بالغاز الطبيعي. وسوف يكون له امتداد عبر البحر لتزويد الأراضي البريطانية. وأعلن الرئيس جو بايدن أن «الولايات المتحدة سوف تبطل «نور ستريم 2 في حال اجتياح روسيا للأراضي الأوكرانية. وذلك جزء من المحادثات الذي غفلت وسائل الإعلام الغربية عن ذكرها. وكان وراء قرار بايدن رغبته في بيع الغاز الأمريكي لأوروبا بدلا على روسيا. لكن المستشار الألماني أولافشولتس لم يستجب لرغبة الرئيس الأمريكي وتمسك بمشروع «نور ستريم 2» حتى وان لم يتطرق للموضوع في الندوة الصحفية المشتركة مع جو بايدن.
من الجهة الفرنسية،ركزت المسائل التي تم التطرق إليها بين بوتين وماكرون على الدخول في علاقات سلمية، أمنية واقتصادية، بين روسيا وأوروبا والبحث في سبل التوصل إليها عبر مفاوضات هادئة. في هذا الإطار يجدر التذكير بأن روسيا تزود البلدان الأوروبية بثلث استهلاكها من الغاز الطبيعي عبر أنبوب «الصداقة» الذي يعبر أوكرانيا وأنبوب آخر يشق بيلاروسا وبولونيا. تشغيل «نور ستريم 2 « يعطي ألمانيا، التي لها علاقات اقتصادية مع روسيا تفوق 90 مليار يورو سنويا، قدرات اقتصادية تسمح لها بفرض «استقلالية» عن العام صام وبلعب دور محوري في مشروع «الاستقلال الإستراتيجي» الذي لوح به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والذي يهدف إلى انشاء دفاع أوروبي مشترك يمكن الإتحاد الأوروبي من لعب دور هيكلي في عالم متعدد الأقطاب. هاذ الوضع يفسر التشنج الدبلوماسي والإعلامي الذي حركته واشنطن خشية أن تفقد نفوذها في أوروبا وهي التي انسحبت من الشرق الأوسط ومن أفغانستان بعد أن خاضت حروبا مع دول غير نووية خسرتها كلها دون نقاش.
محاور متعددة الأوجه
أزالت الأزمة الأوكرانية المفتعلة القناع على واقع التحالفات على المستوى الدولي والذي يرمي إلى إرساء نظام عالمي جديد تحكم القوى العظمى الجديدة بدون زعامة واحدة في حين كان العالم يرضخ منذ 1991 مع انهيار الإتحاد السوفييتي إلى الهيمنة الأمريكية التي استهلتها بالحرب على العراق ثم على صربيا ثم على العراق في 2003 ثم على سوريا. وأظهرت الولايات المتحدة الأمريكية عجزها في معركتها مع إيران. فلم يدخل البنتاغون في منطق الحرب بسبب امتلاك طهران لقدرات عسكرية بإمكانها القضاء على الأسطول الأمريكي في الخليج وحتى على الأسطول السادس في حال شبت الحرب بين الجانبين.من ناحية أخرى شكل صعود العملاق الصيني وتقدمه في ميادين الاقتصاد والتكنولوجيا والفضاء والصناعات العسكرية من جهة وتدعيم روسيا لقدراتها العسكرية والنووية واكتسابها لحضور عسكري في سوريا مع استغلالها لقاعدة بحرية في البحر الأبيض المتوسط من جهة أخرى غير موازين القوى على المستوى الدولي وركزت تحالفا صينيا روسيا تبلور في الإعلان المشترك بين سي جين بينغ وفلاديمير بوتين في افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية والذي ركز على مشروعية التمسك بنفوذ كل دولة عظمى في محيطها الطبيعي.
هذا الموقف الصيني الروسي المعلن في إطار الهجوم الأمريكي على التحرك الروسي في أزمة أوكرانيا أدخل منطقا جديدا في العلاقات الدولية يوحي بأحقية كل قطب في بسط نفوذه في منطقته الطبيعية أي على دول الجوار ويؤسس بذلك لبروز أقطاب تساهم في السلم الدولية مع الإبقاء على المنافسة في الحقل الاقتصادي. وهو الموقف الذي رد عليه الأمين العام لمنظمة الحلف الأطلسي جينسستولتنبارغ في حديثه هذا الأسبوع لجريدة «لوفيغارو» الفرنسية قال فيه: «روسيا والصين تحاولان فرض نظام عالمي جديد لا يرتكز على القوانين الدولية، بل على مناطق نفوذ». وتبقى في هذا الصدد أوروبا محل اشكال– ومنطقة تنافس بين القوى العظمى – بسبب تغلغل المنظمة الأطلسية فيها. لذلك بدأت التحركات في أوروبا على المستوى الدبلوماسي للخروج من أزمة أوكرانيا و لبلورة سياسية جماعية تضمن لها وجودا يحافظ على استقلالية القرار في عالم جديد متعدد الأقطاب. وهو رهان لكل الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي يصعب التكهن بنجاحه في الظروف الحالية مع تواصل التجاذب في مسألة الأزمة الأوكرانية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115