أو غير الممكنة بين الجمهورية الاتحادية الروسية وأوكرانيا. وقد حاول الرئيس الفرنسي طيلة 5 ساعات من «النقاش» مع الرئيس فلاديمير بوتين التوصل معه إلى اتباع نهج يأمل في أن يفضي إلى حل الأزمة. وهو تمش يدخل أساسا، من الجانب الفرنسي، في إطار دعم مشروع «الاستقلالية الاستراتيجية» لأوروبا في عالم متعدد الأقطاب في حالة تطور مع انسحاب الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان وتحويل وجهة الصراع الإستراتيجي نحو المحيط الهادي.
وقد ركز إيمانويل ماكرون في لقائه مع فلاديمير بوتين على مسائل تهم الفضاء الأوروبي أساسا في محاولة للعب دور أوروبي، وهو الذي يرأس الإتحاد لمدة ستة أشهر»، فرض حلول أوروبية تؤسس تدريجيا لـ«استقلالية» تجاه القوى العظمى. ليس الدور الفرنسي في قضية أوكرانيا جديدا. ذلك ان باريس شاركت في إرساء «رباعي نورماندي» الذي يضم روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا والذي نجح، في عهد المستشارة أنجيلا ميركل، في توقيع معاهدة مينسك لحل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا. ونجح ماكرون في اقتلاع موافقة بوتين للرجوع إلى احياء «رباعي نورماندي» وهو ما قبله الرئيس الأوكراني فلوديميرزلنسكي مما جعل الناطق الرسمي للكرملين ديميتري بسكوف يسجل «علامات إيجابية» من لقاء ماكرون بزلنسكي اعتبارا لقبول كييف الرجوع إلى اتفاق مينسك.
واشنطن تنسف الدور الفرنسي
وكان الرد الأمريكي واضحا على محاولة ماكرون تحويل وجهة الصراع الروسي الأمريكي نحو الحوار في إطار أوروبي مما يمكن أن يسمح بحل بعيد عن الهيمنة الأمريكية. وقد اعلن جو بايدن في لقائه مع المستشار الألماني أولاف شولتس في واشنطن أنه في حال حصول هجوم روسي على أوكرانيا، «لن يكون هنالك «نور ستريم»، سوف نضع حدا له» في إشارة إلى أنبوب الغاز الذي يربط روسيا بألمانيا لمدها بالغاز الطبيعي الروسي. وعبر المستشار الألماني في نفس اللقاء على «وحدة الموقف تماما» مع واشنطن في خصوص العقوبات ضد روسيا.
لكن أولا فشولتس الذي لم يعقب على خطاب الرئيس الأمريكي في خصوص أنبوب الغاز أقدم على التعبير عن مساندة الموقف المشترك بين فرنسا وأوكرانيا وبولونيا لحل المسألة الأوكرانية. واستضاف في برلين زعماء دول البلطيق (لتفيا ولتوانيا وإستونيا) للتنسيق معهم وأعلن عن زيارة لكييف وموسكو يومي 14 و15 فيفري في عملية لاسترجاع الدور المحوري التقليدي لألمانيا في أوروبا وحماية مصلحتها خاصة في استخدام أنبوب الغاز وعدم ترك باريس تلعب لوحدها باسم كل الدول الأوروبية في الملف الأوكراني. مع العلم أن المستشار الألماني الجديد قد عبر عن اتفاقه مع إيمانويل ماكرون في جل المواضيع المطروحة في أول لقاء للرجلين بما في ذلك مشروع انشاء قوة أوروبية للدفاع المشترك والتي تدخل في إطار «الاستقلالية الإستراتيجية الأوروبية» التي ينادي بها ماكرون. في نفس الوقت ردت موسكو بدخولها ابتداء من الخميس 10 فيفري في مناورات عسكرية لمدة عشرة أيام في منطقة روسية طولها 7000 كلم تشمل جل التراب البيلاروسي المتاخم لأوكرانيا.
خطوط حمر
يبقى أن الملف الأوكراني معقد ومتشعب تشقه خطوط حمر عبرت عنها كل الجهات الفاعلة فيه. فبالنسبة لأوكرانيا لا مجال للقبول بانفصال مقاطعة «دمباص» كما تريد ذلك موسكو. لكنها تبقى نفس الوقت متحفظة على تطبيق اتفاق مينسك الذي يمنح القطاع استقلالية في إطار الدولة الأوكرانية. بالنسبة لروسيا، لن تقبل موسكو بانضمام أوكرانيا لمنظمة لحلف الأطلسي كما ترغب في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعمل من أجله داخليا وخارجيا. ألمانيا، من ناحيتها، لا ترغب في التخلي عن أنبوب الغاز مع روسيا بسبب حرص الولايات المتحدة على بيغ غازها الطبيعي لأوروبا. فهي تعتبر أن الأنبوب أمر استراتيجي في إطار تزويد دائم للبلاد يخدم النمو الاقتصادي ويدعم الدور الريادي الألماني على المستوى الدولي. ولا ترغب فرنسا وباقي الدول الأوروبية في اندلاع حرب في أوروبا لا ترى فيها رابحا طبيعيا، بل دمار واستنزاف للطاقات الأوروبية دون مقابل.
يبقى الموقف الأمريكي محل كل الأنظار. فلن تقبل واشنطن بهيمنة روسيا على القارة الأوروبية وتعتبر أن وجود الحلف الأطلسي ضمان لتواصل هيمنتها وفرصة لتطبيق تحويل وجهة قواها نحو المحيط الهادي لمقاومة المد الصيني. لكن كل المحللين العسكريين في أوروبا يكادون يتفقون على أن واشنطن لم تخض معركة مع دولة كبرى بعد الحرب العالمية الثانية. فقد خاضت معارك وحروبا مباشرة أو غير مباشرة مع دول صغيرة وغير نووية مثل كوريا الشمالية وفيتنام والعراق وسوريا وأفغانستان وبعض دول أمريكا اللاتينية دون أن تنتصر عسكريا. لكن الصراع في هذه المرة صراع بين دول تمتلك القنبلة الذرية ولها نفس قدرات الدمار الشامل التي تمتلكها الولايات المتحدة. وهو ما يغير موازين القوى يفسر الإعلان المشترك الروسي الصيني الجمعة الماضية خلال افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية والذي أكد فيه فلاديمير بوتين وسي جين بينغ على نية «إرساء نوع جديد من العلاقات بين القوى الدولية على أساس الاحترام المتبادل. ونص الاتفاق على أن «الجانب الصيني يساند الاقتراحات الروسية من أجل خلق ضمانات لأمن طويل المدى ملزم قانونيا في أوروبا». وتخدم ظهور المحور الروسي الصيني في هذه الظروف مشروع طرق الحرير الصيني كما يدعم المطالب «التاريخية» للبلدين بالسيادة الروسية على أوكرانيا والسيادة الصينية على جزيرة تايوان. وهما ملفان محل خصام مع واشنطن.
في نهاية المطاف يفتح قبول روسيا وأوكرانيا بالرجوع إلى مربع اتفاق مينسك الباب أمام فرنسا وألمانيا لاستكمال ما لم ينجز في إطار تسوية شاملة أوروبية ترغب فيها كل الدول وتراعي المصالح الحيوية للجيران. الحل الوسط الذي سوف يطرحه المستشار الألماني على بوتين بدأت العواصم الأوروبية تبحث في إمكانية تحقيقه. وهو اعتبار أوكرانيا «منطقة محايدة»، على غرار فنلندا، يكون لها تعاون مع الجانب الروسي والحلف الأطلسي دون أن تكون عضوا في إلى منظمة إقليمية ويبقى اقناع كل الأطراف بهذا الموضوع ردا إيجابيا على المطلب الأساسي لروسيا دون أن يناقض المحور الأطلسي الذي تتمسك به الولايات المتحدة الأمريكية.