والتي صاحبها اطلاق تهديدات بالقتل ضد منتجة الوثائقي الصحفية أفيلي مونيه و أمين الباهي، أحد المستجوبين في البرنامج، الذي أدلى بشهادته حول ما عاشه داخل عائلته وفي المدينة من انتشار، حسب تقديره، للفكر السلفي المعادي لمبادئ الجمهورية وندد بغياب أجهزة الدولة لمقاومة الظاهرة.
وقد انطلقت موجة من التضامن عبر وسائل الإعلام التي أشارت إلى خطورة التهجم على الصحفيين والأصوات الحرة مذكرة بما حصل للأستاذ صامويل باتي الذي تم ذبحه أمام معهده من قبل شاب مسلم من أصل شيشاني متطرف دينيا. وقررت وزارة الداخلية الفرنسية مباشرة وضع الصحفية أفيلي مونيه وأمين الباهي تحت الحراسة الشخصية من قبل أجهزة الأمن. وأكد الباهي أنه تعرض لما لا يقل عن 300 رسالة تهديد بالقتل على وسائل التواصل الاجتماعي تم توثيقها. وهو ما جعل الصحفيين يتحركون رغم أن كل الأنظار تتجه نحو الحملة الانتخابية الرئاسية التي تأخذ جل الفضاء الإعلامي منذ أسابيع. ولوحظ أن وسائل الإعلام العمومية لم تتحرك في مرحلة أولى لمساندة صحفية تعمل في وسيلة اعلام خاصة منافسة للإعلام العمومي قبل أن تنشر خطابات مساندة تحت ضغط السلطات غير المباشر وبعض الصحفيين الذين تساءلوا عن سبب عدم المساندة.
وكان عدد من الصحفيين والشخصيات الوطنية قد تلقوا قبل ذلك تهديدات بالقتل، وضعوا من أجلها تحت حماية الشرطة، بسبب تنديدهم بما اعتبروه خروجا عن قواعد الجمهورية وتوظيف الدين لضرب الحريات والمشروع المجتمعي الفرنسي. ويأتي في قائمة الشخصيات المستهدفة من الحركة السلفية في فرنسا الكاتب والصحفي محمد السيفاوي وإمام جامع درانسي حسن الشلغومي ومحامي «شارلي هبدو» ريشار مالكا وغيرهم من الناشطين الحقوقيين والصحفيين في موقع «ميديا بارت».
انتشار السلفية في المدن الفرنسية
وقد ركز وثائقي قناة «أم 6» على مدينة روبيه شمال فرنسا التي تضم جالية مسلمة كبيرة وأظهر بالصورة، وعبر تسجيلات بالكاميرا الخفية، تغلغل الفكر السلفي في سلوك المحلات التجارية مثل فرض مساحات خاصة للنساء في بعض المطاعم وتوزيع كتب وملابس طائفية في المكتبات الإسلامية وانتشار «الاقتصاد الحلال» الذي يرفض بيع المواد «الحرام» للفرنسيين مثل لحم الخنزير والمواد الكحولية والظاهرة الجديدة «الأفغانية» المتمثلة في بيع لعب دميات دون وجه للبنات بتعلة أن «الله وحده هو الخالق» حسب ما عبرت عنه أحد البائعات في محل تجاري «إسلامي». وأشار البرنامج إلى تحويل الجمعيات الأهلية الثقافية إلى محلات لاحتواء الشباب، وخاصة البنات، من أجل نشر الفكر السلفي وفرض ارتداء الحجاب واللباس الطائفي والطقوس التابعة له.
وفي خضم الآزمة التي انطلقت في «روبيه» نشرت مختلف وسائل الإعلام تقارير مماثلة حول تغلغل الفكر السلفي في مدن أخرى مثل ليون ومرسيليا وضواحي باريس. وركزت على «غياب أجهزة الدولة» للتصدي لهذه الظاهرة التي أجمعت جل وسائل الإعلام، عبر تقاريرها، على اعتبارها خطيرة على «نمط العيش الفرنسي» وهو، حسب ما ورد فيها، مشروع يؤسس «لعزل المسلمين عن المجتمع الفرنسي». وارتفعت بعض الأصوات الإعلامية للتحذير من مغبة «خلط المسلمين بالإسلاميين» مشيرة إلى أن أغلبية مسلمي فرنسا لا علاقة لهم بالسلفية ولا بالتطرف، بل هم مواطنون عاديون يحترمون قوانين الجمهورية وأن أقلية تنساق وراء الفكر السلفي والجهادي ولا يجوز الخلط بين الإثنين.
إعادة هيكلة المجلس الإسلامي
وقد أخذ الجدل القائم مساحة بارزة هذه الأيام بسبب انطلاق الحملة الانتخابية قبل موعدها القانوني من أجل توجيه الرأي العام نحو مواضيع اليمين المتطرف التي تركز على معاداة المهاجرين وفي طليعتهم العرب والمسلمين. ظاهرة يشخصها المرشح إيريك زمور الذي ينافس مارين لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني المتطرف والتي تجد دعما من قبل القنوات التلفزية الحرة الداعمة لهذا التوجه المتطرف الذي يمثل حسب مؤسسات سبر الآراء ثلث الناخبين في فرنسا على الأقل.
في هذا الوضع المتأزم ومتشعب الجوانب تواصل الحكومة جهودها لإيجاد حل لتمثيلية المسلمين في فرنسا بعد فشل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في توحيد مسلمي فرنسا. ويقوم جيرالد درمانان وزير الداخلية، الذي يرجع له قانونا الإشراف على مسألة الطقوس الدينية، بتحركات ومشاورات من أجل حل المجلس واستبداله بمجلس جديد يشارك فيه الساهرون على دور العبادة. وتعتقد السلطات أن الحل يكمن في المؤسسة في حين عبر جل الباحثين الجامعيين والحقوقيين الذين قاموا بتحقيقات ميدانية أن المشكل متأت من الجمعيات الأهلية المتسترة بقانون 1901 المنظم للجمعيات والمدعوم من قبل دول الخليج وتركيا والتي تعمل على نشر اسلام سلفي في أوروبا. ويبقى الجدل قائما مع غياب أجهزة الدولة من جل الضواحي المعنية بهذه الظاهرة التي لا تدخلها الشرطة وليست فيها ابسط مكونات الخدمات العمومية. والتي اصبحت على مدى عقود فضاءات تجميع للمهاجرين دون تأطير جمهوري وقد تأسست جراء ذلك مسالك إسلامية واجرامية (متاجرة بالمخدرات والبشر وغيرها من الأعمال الخارجة عن القانون) استولت على الأحياء وفرضت أجندتها على الجميع.
تضامن إلى أين؟
هل سيجد التضامن الرسمي الحالي مع الصحفيين المهددين منفذا للخوض في الحلول اللازم اتخاذها لتصفية المناخ المعفن الذي أفضى إلى الخلط بين المسلم والإسلامي ونعت المسلمين بالإرهابيين؟ الحملة الانتخابية التي لها مستلزماتها ومواضيعها لا تسمح بذلك، لكن الإعلان على استقالة أعضاء المجلس الإسلامي للديانة الإسلامية المقبل واستبداله بهيكل بديل يمكن أن يجعل من موضوع وضع المسلمين في فرنسا أحد المواضيع التي من المحتمل أن تشد الرأي العام الفرنسي خاصة وأن تنظيمات اليمين المتطرف تركز على مقترحات تمس مباشرة من واقع المسلمين في فرنسا. وقد قدم المرشح العنصري إيريك زمور مؤخرا في حملته الانتخابية جملة من المقترحات لطرد المهاجرين و«تنظيف» البلاد من المسلمين وهو ما يفتح مجالا لنقاش هذا الموضوع والتصدي له عبر مقترحات جديدة لمقاومة التطرف وفرض القانون على الجميع بعيدا عن المزايدات والاستخدامات التي تمس من حقوق الإنسان وكونية المبادئ التي قامت على أساسها الجمهورية الفرنسية.
ضجة إعلامية في فرنسا إثر بث برنامج وثائقي حول تغلغل الحركة السلفية: تهديدات بالقتل ضد صحفية من قناة «أم 6» وضدّ ناشط حقوقي
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 10:06 09/02/2022
- 824 عدد المشاهدات
اندلعت في فرنسا ضجة إعلامية إثر بث قناة «أم 6» لبرنامج وثائقي يفضح تغلغل الفكر السلفي في الجالية المسلمة في مدينة «روبيه» شمال البلاد