أورسولا فون دير لاين باتخاذ إجراءات ردعية في صورة ما إذا لم تلتزم فرصوفيا بالقوانين المشتركة للاتحاد.وقام الوزير الأول ماتيوشمو رافيتسكي بزيارة للبرلمان الأوروبي يوم 19 أكتوبر أكد خلالها على عزم بلاده على البقاء في الاتحاد دون أن يتراجع عن المشروع الحكومي «لإصلاح المنظومة القضائية».
وكانت المفوضية الأوروبية قد أصدرت منذ 2016 بيانات عدة لتنبيه الحكومة البولونية المحافظة ذات النزعة القومية من الإجراءات «المخالفة للقيم المشتركة» من بينها بسط يد الحكومة على أجهزة الإعلام الحكومي والتحكم في الخط التحريري لها وتعيين مسؤولين على رأسها تابعين لها. لكن في هذه المرة تصاعدت وتيرة الأزمة إثر شروع الحكومة البولونية في عملية «إصلاح» هيكلي للسلطة القضائية في البلاد وإعلان «علوية الدستور» على القوانين الأوروبية واعتبار أن قرارات المحكمة العليا الأوروبية «لا تتطابق مع الدستور» البولوني.
أزمة حول مسألة السيادة
منذ أن صعد حزب «القانون والعدالة» المحافظ إلى السلطة شرع في إرساء برنامج أصبح بموجبه رئيس الدولة، وهو من نفس الحزب، يتمتع بصلاحيات تعيين أعضاء المحكمة الدستورية وكل القضاة وأرست الحكومة لجنة تأديب قضائية تابعة لها لديها إمكانية مساءلة القضاة وعزلهم. وبررت الحكومة هذا التوجه ب «تطهير القضاء من الشيوعية» وهو توجه يلقى شعبية نسبية في بولندا. واعتبرت بروكسل أن ذلك يخالف مبدأ استقلال القضاء والالتزام بدولة القانون التي هي من مبادئ الإتحاد.
هذه المرة لم تكتف بروكسل بالتنديد بالقرار البولوني، بل شرعت في اتخاذ إجراءات عملية منها تجميد الإعانات والقروض المدرجة في مشروع التنمية المتعلق بالخروج من جائحة كورونا وقيمته 36 مليار يورو. واعتبر الوزير الأول البولوني أن ذلك «مساومة» تتناقض مع تقاليد الاتحاد وقال أمام البرلمانيين الأوروبيين «إن لغة التهديد والإكراه ليست من قواعد الديمقراطية.» لكنه لم يعلن عن تخليه عن مشروع الإصلاح. أما المفوضية فقد ردت على لسان أورسولا فون دير لاين بصرامة ولمحت إلى إمكانية فرض عقوبات على فرصوفيا. وتبقى في يد المفوضية ورقة ضغط ضخمة تتمثل في عدم صرف التمويلات الأوروبية لبولندا في ميزانية 2021 - 2027 وقيمتها 105 مليار يورو. وهو أمر لا يمكن لفرصوفيا تحمله.
تمسك الرأي العام بالمشروع الأوروبي
في المعركة القانونية ليست لبروكسل مساحة تحرك كبيرة. ولا يمكنها فرض أي قرار على بولندا. لكنها تراهن على ورقة الضغط المالي لإكراه الحكومة البولونية على قبول تنازلات. ونادت بعض العواصم الأوروبية، منها باريس، بتفعيل الضغوطات على أن يتواصل الحوار بين الجانبين. وتبقى أمام الطرفين مساحة تحرك بإبطال العمل بمجلس التأديب والإبقاء على الوضع القانوني دون تنقيح الدستور كما تطالب بذلك بروكسل. وفي هذه الحالة تشكل الوضعية الجديدة خطرا على القضاة الذين لن يلتزموا بقرار المحكمة العليا إذ سيجدون أنفسهم أمام عقوبات يمكن أن تصل إلى الفصل.
وتنظر بروكسل إلى الوضع بشيء من التفاؤل مع تحرك الشارع البولوني يوم 11 أكتوبر الذي نظم في أكثر من 100 مدينة في البلاد مظاهرات شارك فيها مئات الآلاف المواطنين للتنديد بالمشروع الحكومي. وكان زعيم المعارضة دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي السابق، قد دعا إلى تلك المظاهرات للتعبير عن التصدي للحكومة والتمسك بالبقاء في الاتحاد الأوروبي. وكتب في تغريدة على تويتر «لابد من الدفاع عن بولندا أوروبية، يجب علينا انقاذ بولندا ولن يقوم بذلك أحد لأجلنا.» وكان آخر استطلاع رأي هذه السنة قد أشار إلى أن 81 % من البولونيين يتمسكون بالاتحاد الأوروبي وهي نسبة تأخذها الحكومة محل الجد في معركتها السياسية للبقاء في السلطة.
وقد رفعت الحكومتان البولونية والمجرية قضية لدى محكمة العدل الأوروبية من أجل عدم قرن احترام مبدإ دولة القانون بمنح الدعم المالي الأوروبي. لكن المفوضية لها القدرة على رفع قضية مماثلة يمكن أن تخول لها قضائيا ابطال حق التصويت للبلدان المعنية في المجلس الأوروبي. وهو أمر لا تريد بروكسل الوصول إليه، بل تعتزم مواصلة الحوار مع فرصوفيا للتوصل إلى حل توافقي.