باريس من قرار أستراليا التخلي عن عقد تصنيع 12 غواصة من صنع فرنسي وذلك جراء الضغط الأمريكي.
وكانت أستراليا قد أبرمت عقدا صناعيا مع فرنسا عام 2016 ينص على شراء 12 غواصة تقليدية بقيمة 90 مليار دولار وذلك، حسب باريس، في إطار شراكة إستراتيجية لحماية مصالح البلدين في منطقة المحيط الهادي. وتتمتع فرنسا بحضور في المنطقة عبر «أراضي ما وراء البحار» وهي جملة من الجزر التابعة لها التي تعطيها حضورا ملموسا في المياه المجاورة لأستراليا وتمكنها من بلورة نظم دفاعية تجاه العملاق الصيني.
كما شمل «غضب» باريس من خطوة كانبيرا الولايات المتحدة الأمريكية التي عوضت فرنسا بتقديمها صفقة بديلة تشمل تزويد أستراليا بغواصات تعمل بالدفع النووي في إطار حلف ثلاثي بين واشنطن وكانبيرا ولندن يستثني فرنسا والإتحاد الأوروبي. ويأتي هذا القرار بعد الانسحاب ألأمريكي من أفغانستان بقرار «أحادي الجانب» لم يراع الحلفاء الأوروبيين المتواجدين على الأرض بجيوشهم وفرق مخابراتهم صلب التحالف الدولي. ومباشرة استدعى مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية فيليب إيريرا القائم بالأعمال الأمريكي وسفير أستراليا لإبلاغهما بقرار استدعاء فيليب إتيان سفير فرنسا في واشنكن و جون بيار تيبو الفير في كانبيرا.
«طعنة في الظهر»
واعتبر جون إيف لودريان وزير خارجية فرنسا أن القرار الأسترالي – الأمريكي يعتبر «طعنة في الظهر» من قبل حليفين تقليديين. وأن ذلك «قرار أحادي الجانب وعنيف و غير منتظر». وهي عبارات على صلابتها بعيدة عن الخطاب الدبلوماسي المعهود. وأضاف في بيان رسمي أن هذا «الإجراء الاستثنائي « تحتمه «الخطورة الاستثنائية» لقرار أستراليا. وذكر البيان أن «هذه المعاملات غير المقبولة بين الحلفاء والشركاء لها تبعات تمس من مفهوم العلاقات مع حلفائنا وشركائنا وأهمية منطقة المحيطين الهادي والهندي بالنسبة لأوروبا.»
ويبقى الرد الفرنسي صوريا مقارنة بمحتوى ما اعتبره الرئيس الأمريكي جو بايدن «خطوة تاريخية» تعطي الى الولايات المتحدة تقدما ملموسا بنجاحها في «استرجاع» أستراليا إلى المحيط الأمريكي بعد أن اضطرت في ولاية دونالد ترامب أن تدخل في تحالف اقتصادي استراتيجي مع الصين لضمان استقلال قرارها. ورد الوزير الأول الأسترالي سكوت موريسون على الخطاب الفرنسي مبررا موقف بلاده قائلا أن فحوى القرار «تم تبليغه مباشرة للرئيس (الفرنسي) ، لوزير الخارجية ولوزيرة الدفاع». وأعتبر أنه «يتفهم خيبة الأمل» الفرنسية مضيفا: «عندما تقابلت مع الرئيس في أواخر شهر جوان عبرت له بوضوح عن قلقنا من إمكانية الغواصات التقليدية في مواجهة المناخ الإستراتيجي الجديد. وقلت له بوضوح أن هذه مسألة سوف تأخذ فيها أستراليا قرارا يأخذ بعين الإعتبار مصلحتها القومية».
«أمريكا أولا»
الأخطر في عبارات وزارة الخارجية الفرنسي الغضب المعلن من الحليف الأول، الولايات المتحدة الأمريكية. فقد نص البيان الرسمي على أن «الخيار الأمريكي الذي يقصي حليفا وشريكا أوروبيا مثل فرنسا من شراكة هيكلية مع أستراليا، في الوقت الذي نواجه فيه تحديات غير مسبوقة في منطقة المحيطين الهادي والهندي تتعلق بقيمنا وباحترام النظام المتعدد الأقطاب المؤسس على القانون، يمثل سوء تناغم «.
وعبرت شخصيات سياسية داخل وخارج الحكومة الفرنسية على استيائها من القرار الأمريكي الذي اعتبر ملازما لما عهدوه من الرئيس السابق دونالد ترامب الذي أسس سياسة «أمريكا أولا» والتي يتبعها الرئيس جو بايدن. وينبع «الغضب» الفرنسي من الشعور، بعيدا عن خسارة الصفقة العسكرية، بأن التحالف الثلاثي الأمريكي البريطاني الأسترالي يحاول إقصاء فرنسا -التي لها وجود في المحيط الهادي ومصالح – من استراتيجية الصمود أمام العملاق الصيني. ويعتبر الملاحظون في باريس أن القرار الأمريكي، في حقيقة الأمر، رد على الموقف الفرنسي «التحرري» الذي بدأ باعتبار أن الحلف الأطلسي «في حالة موت سريري» وانتهى إلى قيادة حملة أوروبية لإرساء دفاع أوروبي مستقل يمكن، على المستوى الإستراتيجي، أن يهدد الزعامة الأمريكية. ويعتبر استدعاء السفيرين الفرنسيين للتشاور، خطوة تدخل في تقاليد العلاقات الدبلوماسية، تظهر أن المتغيرات الإستراتيجية على الساحة الدولية تقودها القوى العظمى وأن القوى المتوسطة والصغرى لا يبقى لها سوى الأخذ بعين الاعتبار حجمها الحقيقي على الساحة الدولية. في قضية الحال سوف تجد تداعيات الأزمة مخرجا لها خاصة بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن عن عزمه ملاقاة نظيره الفرنسي في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة لتدارس الوضع من أجل دعم العلاقات مع «الحليف الفرنسي». ربما يفلح الطرفان في إرجاع العلاقات الدبلوماسية لمسارها الطبيعي، لكن ذلك سوف يكون له وقع خاص على قصر الإليزيه في بداية الحملة الانتخابية لرئاسية 2022.