ترأس سلوفينيا للاتحاد الأوروبي يحدث جدلا في صفوف المفوضية: الخوف من تأثير السياسة الشعبوية على استراتيجيات بروكسل

انطلقت رئاسة سلوفينيا للاتحاد الأوروبي الدورية مع بداية شهر جويلية ولمدة ستة أشهر في ظروف مشحونة بين رئاسة الحكومة والمفوضية الأوروبية.

ولم تمنح بروكسل أي مهلة لرئيس الوزراء السلوفيني جانيز جانسا للتعبير عن سبل تطبيق الشعار الذي اتخذه لرئاسة بلاده للإتحاد والمتمثل في « معا، صمود، أوروبا». ثلاث كلمات مبهمة لم تعتبر المفوضية أنها كافية لنزع الغيوم التي تراكمت حول المواقف الشعبوية لرئيس الوزراء السلوفيني.
فمنذ تنصيب سلوفينيا على رأس الإتحاد الأوروبي، اندلعت بوادر أزمة بين الجانبين تمثلت في مقاطعة الصورة التذكارية التقليدية للحفل التي تجمع رئيسة المفوضية والوفد المصاحب لها بمسؤولي الدولة البلقانية من قبل نائب رئيس المفوضية فرانس تيمرمانس الذي اعتبر أنه «لا يمكن (له) أن يكون فوق نفس المنصة مع جانيز جانسا بعد أن تهجم وثلب بصورة غير مقبولة حاكمين ونائبين أوروبيين». وأضاف: «استقلالية القضاء واحترام دور النواب من ركائز دولة القانون التي لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يقوم بمهامه بدونها». واعتبر أن من واجبه التذكير بالواجب لكل من يهاجم دولة القانون.

الخوف من الشعبوية الأوروبية
جانيز جانسا معروف بمواقفه الشعبوية ويعتبر الزعيم المجري فيكتور أوربان مثالا يقتدى. وسبق جانسا أن قام-من أجل الرجوع إلى السلطة التي مارسها مرتين من قبل -بحملة انتخابية تشبه تلك التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وكانت المفوضية قد أرسلت إنذارا لسلوفينيا بسبب التضييق على حرية الصحافة وإيقاف تمويل الوكالة السلوفينية للأخبار (س- ت -أ) والتدخل في الخط التحريري لوسائل الإعلام. وذكرت رئيسة المفوضية خلال حفل التنصيب بأهمية «وسائل الإعلام الحرة كذلك النقد الذي يلعب دور الرقابة على الأعمال الحكومية وأعمال المفوضية» واعتبرت أن «تلك هي ماهية الديمقراطية». ولم تتأخر المفوضية على انتقاد عمليات التحكم في وسائل الإعلام وبعث وسائل إعلامية موازية من قبل الحزب المحافظ الحاكم لمساندة الحكومة وتمرير ايديولوجيتها التي تعتبرها بروكسل شعبوية.
في ظروف جائحة كورونا واعتماد مخطط طموح لإعادة انتعاش الاقتصاد الأوروبي من أجل الصمود أمام المنافسة الأمريكية والصينية والبريطانية بعد «البركسيت»، عبرت بعض الأصوات في المفوضية عن تخوفاتها من التنسيق بين سلوفينيا، التي سوف تترأس المجلس الأوروبي إلى نهاية السنة، وباقي الحكومات الشعبوية مثل المجر وبولندا وبعض دول البلقان الأخرى. وهو ما يفسر شراسة الموقف الأوروبي واقبال المسؤولين على إطلاق إنذارات منذ اليوم الأول. وهو ما يفسح المجال إلى علاقات مهتزة خلال الصيف.

نجاحات سلوفينيا
وبادر رئيس الحكومة السلوفيني بالرد على بروكسل معتبرا أن سلوفينيا « ليست دولة عضوا من درجة ثانية». وقال في ندوة صحفية يوما بعد انطلاق رئاسة بلده:»إذا اعتبر مفوض أوروبي نفسه مهاجما، فنحن لم نبدأ بالنقاش، بل وضحنا بعض النقاط. إذا كنتم لا تحبذون الحقيقة، فتلك مشكلتكم وليست مشكلة الحقيقة». وأضاف: «ليست لنا أي مشكلة مع من يريد التحقق من أي شيء: دولة القانون، حرية الصحافة، تمويل وسائل الإعلام(...) لكن سلوفينيا ليست مستعمرة». رد حازم يشير إلى علاقات مستقبلية متقلبة.
سلوفينيا، التي لا يفوق عدد سكانها المليونين، كانت أول بلد من البلقان التحق بالاتحاد الأوروبي وبعملة اليورو وبرهنت على نجاحات ملموسة في كل مؤشرات النمو. وتعتبر مثالا يحتذى في الإتحاد لقدرتها على تحقيق مسار تنموي تحسدها فيه باقي الدول الأوروبية بما فيها البلدان المصنعة. وهي مثال «سويسرا البلقانية» التي نجحت في تحقيق مسار انتقالي ديمقراطي وتحول إيكولوجي ملحوظ جلب لها تقدير البنك الدولي والمنظمات الدولية المدافعة عن البيئة. وهي كذلك قبلة سياحية متميزة في سياساتها المحافظة على المحيط والاحتباس الحراري حيث تمكنت، حسب التقارير الأوروبية، من وضع 35% من الأراضي في محميات طبيعية دون تداين (لا تفوق المديونية نسبة 65% من الداخل الخام) وذلك مع تحسين ظروف العيش لكل المواطنين.

في انتظار فرنسا
تنطلق سلوفينيا للمرة الثانية بعد 2008 في رئاسة أوروبا. وكانت قد حققت في الولاية الأولى نجاحات بدعم المبادلات و حرية تنقل المعارف داخل الفضاء الأوروبي و بعث معهد الأوروبي للإبداع والبحوث في بودابست وتحقيق تقدم في مجال المحافظة على البيئة والعمل على استقرار منطقة البلقان و الاعتراف بكوسوفو. مهمة سلوفينيا في هذه المرة يعبر عنها شعارها. فهي ترغب في تأسيس عمل أوروبي مشترك في ميدان الصحة والتركيز على المسائل الأمنية المتعلقة بالفضاءات الإلكترونية. وسوف تواجه إشكاليات المؤتمر حول مستقبل أوروبا الذي سوف يناقش مسائل تعزيز دولة القانون ومسألة الهجرة. وهي مسائل نزاعية بالنسبة للحكومات التي تتوخى سياسات شعبوية تركز، أكثر من البعد الإنساني، على الأمن وفرض القيود على الأجانب وحماية النظم الأوروبية.
ستة أشهر من الرئاسة السلوفينية يتخللها موسم الصيف وما تبقى من حملات التلقيح ضد فيروس كورونا لتفادي موجة رابعة تعرقل إعادة النمو للاقتصادات الأوروبية. أما بلدان غرب وجنوب أوروبا التي تتطلع إلى أوروبا موحدة حول مشروع ديمقراطي ليبرالي فهي تنتظر دخول الرئاسة الفرنسية لأوروبا غرة 2022 للعمل على إعطاء دفع للمشروع الأوروبي على أسس ليبرالية متحررة من السياسات الشعبوية التي تتصاعد في عديد من البلدان و التي، حسب المحليين في بروكسل، يمكن أن تهدد التوازنات الكبرى للاتحاد وتعيق تحقيق نفوذه في عالم متعدد الأقطاب.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115