لجزيرة كورسيكا بمناسبة إحياء الذكرى العشرين لاغتيال الوالي إيرينياك من قبل ناشطين استقلاليين. و سوف يغتنم ماكرون هذه الفرصة للقاء رئيس الإقليم جيل سيميوني و رئيس برلمان الجزيرة الاستقلالي جون- غي طالاموني قبل إلقاء خطاب عشية يوم الأربعاء لتوضيح موقفه من مسألة وضع الجزيرة في صلب الجمهورية.
تحول ماكرون لكورسيكا في أول جولة له في الجزيرة بعد انتخابه لا يخفي العقبات التاريخية التي صدعت العلاقات بين فرنسا و جزيرتها. منذ عقود دخلت المجموعات القومية في كورسيكا في عمليات «عسكرية» عنيفة (اغتيالات و تفجيرات) من أجل فرض استقلال الجزيرة على الحكومة المركزية لكنها فشلت ، بالرغم من اغتيال والي الجزيرة كلود إيرينياك يوم 6 فيفري عام 1998، في تمرير مشروعها الإنعزالي. واعتبرت السلطات الفرنسية حينها كل الناشطين الذين رفعوا السلاح في وجه الجمهورية «إرهابيين» يعيش جلهم اليوم في سجون فرنسا.
من اليد الممدودة إلى التحدي
عشرون سنة بعد اغتيال الوالي إيرينياك تغير المشهد السياسي في جزيرة كورسيكا بعد حصول الأحزاب القومية على أغلبية المقاعد في برلمان الجزيرة خلال الانتخابات الأخيرة المنعقدة يومي 3 و 10 ديسمبر 2017 و التي جاءت تجسيما للوضع القانوني الجديد للجزيرة الذي اعتبرها الدستور «جماعة ترابية موحدة» ابتداء من غرة جانفي 2018. و يمنح القانون للجزيرة خصوصيات عدة تتعلق بتمويل و صيانة المدارس و المعاهد و وسائل النقل و البنية التحتية و امتيازات مالية و ضريبية.
لكن فوز الحركة القومية السياسي بالأغلبية جعل منها المسؤول الأول و الوحيد و فصل الأحزاب التقليدية من اليمين و اليسار التي حكمت الجزيرة لعقود خارج القرار السياسي المحلي. من جهة أخرى يتقاسم السلطة المحلية حزبان الأول ينادي بحكم ذاتي للجزيرة تحت زعامة الرئيس التنفيذي للجماعة الترابية جيل سيميوني والثاني هو حزب الإستقلاليين الذي يتزعمه جون-غي طلاموني والذي يعتبر فرنسا بلدا أجنبيا وجب التعامل معه. بعد دخول السلطة الجديدة حيز التنفيذ قابل رئيسا الجزيرة الوزير الأول الفرنسي إدوار فيليب و رئيسي البرلمان و مجلس الشيوخ و قدما طلباتهما في خصوص الصلاحيات المرتقبة من قبل السلطة المركزية. لكن في نهاية الزيارة اعتبرا أن السلطة المركزية بباريس لم تستجب لطلباتهم وأغلقت باب الحوار أمامهم.
في هذا الإطار تأتي زيارة ماكرون لكورسيكا. قبل ثلاثة أيام من قدوم رئيس الجمهورية الفرنسي إلى الجزيرة نظمت السلطات المحلية مظاهرة احتجاجية تحت عنوان «الديمقراطية واحترام شعب كورسيكا» شارك فيها آلاف المتظاهرين رفع خلالها علم الحركة الانفصالية دون أن يرفع فيها أي علم للجمهورية الفرنسية. و قرر جيل سيميوني و جون-غي طالاموني إزاحة العلم الفرنسي من مكتبيهما والإبقاء على علم كورسيكا و العلم الأوروبي. هل هو التوجه إلى السيناريو الذي شاهدناه في كاتالونيا؟ أم هو خطوة عابرة للضغط على ماكرون؟ اللقاء بين الطرفين المبرمج سوف يعطي مؤشرات على تطور المسألة.
سياسة لي الذراع
الرئيس الفرنسي، الذي لم يعبر إلى حد الآن عن موقفه من «مسألة كورسيكا» التي عانى منها كل رؤساء الجمهورية الخامسة، أرسل بعض الرسائل الملغومة للانفصاليين بمناسبة تخليد ذكرى الوالي إيرينياك يوم الثلاثاء. أعلن في خطابه الذي سمعه المسؤولون الجدد في الجزيرة والذي كان يرتقبه الجميع ، أن «مستقبل كورسيكا سوف يكتب بدون أن تخرج من الحظيرة الوطنية». وأضاف عند تدشينه نصبا تذكاريا للوالي إيرينياك المغتال من قبل الانفصاليين «نحن نشيد بذلك وحدة صماء في صلب الجمهورية». لكنه أضاف مسحة أخلاقية مشينة للعملية الإجرامية مست بكل الجزيرة:«|ما حصل هنا يوم 6 فيفري 1998 لا يمكن أن يبرر، لا يمكن أن يدافع عنه، لا يمكن أن يفسر» مضيفا «العدالة (ضد قاتلي الوالي) سوف تمر بدون سهو و بدون عفو».
كل هذه العبارات كانت موجهة، في الحقيقة للمسؤولين في الجزيرة الذين أرادوا الضغط على قرار رئيس الدولة الفرنسية باستعمال الشارع حتى يحصلوا على ما لم يتمكنوا من الحصول عليه خلال زيارتهم لباريس. لكن ، رغم ذلك، كرر جيل سيميوني أن كورسيكا فاتحة ذراعيها للحوار بالرغم من غلق الأبواب من قبل باريس. مطالب الانفصاليين الذين اتفقوا على عدم رفع مطلب الاستقلال، بل التقدم بمقترحات للحصول على «حكم ذاتي» واسع مع الإبقاء على علاقتهم بالجمهورية الفرنسية.
أربعة مطالب هامة لزعماء كورسيكا: التنصيص في الدستور على الحكم الذاتي ل «شعب كورسيكا» و على الازدواجية الرسمية اللغوية التي تجعل اللغة المحلية في مستوى اللغة الفرنسية. ثم مطلبين أساسيين هما منع الملكية في الجزيرة لغير المقيمين و تقريب «المساجين السياسيين»، أي بالنسبة لباريس «الإرهابيين» الذين رفعوا السلاح في وجه الجمهورية، و العفو عنهم في القضايا المتعلقة بالأعمال الإرهابية.
على كل هذه المطالب، أجاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطابه الأول. إجابة بالرفض. لكن مع إمكانية دمج بعض الإجابات في مشروع تنقيح الدستور المبرمج والذي يشهد معارضة حزب الجمهوريين الذي يتحكم في مجلس الشيوخ. المحادثات السياسية يمكن أن تفضي إلى «توافق» على حد أدنى. لكن تصريح جون-غي طلاموني لوكالة رويترز للأنباء أن «فرنسا بلد مجاور نقتسم معه مسائل عدة من بينها الفرنكوفونية. عندما نستقبل رئيس دولة ننصب علمه». وهو ما استقبله قصر الإيليزي كتحد جديد من الممكن أن يفتح مجالا لسيناريو كاتالونيا.