المحافظون بدون أغلبية في البرلمان في الانتخابات التشريعية البريطانية: تيريزا ماي تخسر رهانها في «بريكسيت» حازم تجاه أوروبا

نزلت نتائج الإنتخابات التشريعية البريطانية كالصاعقة على وسائل الإعلام و الطبقة السياسية بمختلف تشكيلاتها. وخلافا لما أرادته الوزيرة الأولى تيريزا ماي من هذه الإنتخابات، أي تعزيز أغلبية حزبها في البرلمان، أخفق حزب المحافظين في الحصول على أغلبية مريحة بل خسر عددا كبيرا

من المقاعد مما جعل مجلس العموم لا يسجل أغلبية واضحة وهو ما يعبر عنه في بريطانيا ب “البرلمان المخنوق”.

خسارة تيريزا ماي، بالرغم من تقدم حزبها بنسبة 43 % من الأصوات و 319 مقعدا،لا تسمح لها بتحقيق طموحاتها السياسية في الدخول بقوة في مفاوضات الخروج من الإتحاد الأوروبي التي تمت برمجتها ليوم 19 جوان الجاري. في المقابل نجح زعيم العماليين جيريمي طوربين في تدعيم نتائج حزبه وذلك بتوخيه حملة انتخابية ناجحة تجاه الشباب والشغالين و الحصول على 41 % من الأصوات و261 مقعدا. وهو ما يدعم مرة أخرى الاستقطاب السياسي بين المحافظين و العماليين بعد أن أظهرت الانتخابات الأخيرة تطور نتائج الأحزاب الصغيرة مبشرة بتغيير في المشهد السياسي البريطاني.

باقي الأحزاب لم تفلح في الحصول على أعداد كبيرة. من ذلك أن خسر الحزب الوطني الأسكتلندي أكثر من 20 مقعدا و كذلك حزب «اليوكيب» المتطرف الذي لم يفلح في تكرار نجاحه في استفتاء «البريكسيت». أما حزب الليبراليين الديمقراطيين فحصل على 35 مقعدا لن تنفعه في صورة تشكيل حكومة ائتلافية بسبب تمسكه بالمشروع الأوروبي. من ناحية أخرى تمكن حزب وحدة الديمقراطيين الإيرلندي من الحصول على 10 مقاعد تمكنه من الدخول في مفاوضات مع تيريزا ماي.

ترجع الصحافة البريطانية فشل تيريزا ماي في هذه الانتخابات إلى تركيزها على توخي سياسة حازمة مع أوروبا والتفريط في تركيز الحملة على شخصها. و أثرت العمليات الإرهابية الأخيرة ،التي أربكت في ثلاث مناسبات الحملة الانتخابية، على الرأي العام البريطاني الذي لمس تأثير سياسة التقشف التي توختها حكومة المحافظين. من ذلك أن حذفت تيريزا ماي 20 ألف وظيفة في صفوف الأمن والشرطة. مما فسره الرأي العام بتخليها عن دعم أمن البريطانيين. وفي حين ركزت تيريزا ماي على «البريكسيت» قام جيريمي كوربين بحملة ضد التقشف و لفائدة تحسين القدرة الشرائية للأغلبية على حساب الأقلية الغنية التي تنتفع من النظام الليبرالي.

تيريزا ماي نحو تشكيل حكومة جديدة
بالرغم من نداءات للاستقالة نابعة من زعيم العماليين جيريمي كوربين و من بعض وجوه حزب المحافظين، تمسكت تيريزا ماي بحقها في تكوين حكومة جديدة بكونها تتصدر النتائج ومعتمدة على نية زعماء الحزب الأيرلندي مساندتها. تحتاج الوزيرة الأولى 326 مقعدا في مجلس العموم للحصول على أغلبية. مقاعد الأيرلنديين العشرة كافية لتمكينها من تشكيل حكومة.وطلبت الملكة إليزابيث من تيريزا ماي تشكيل حكومة جديدة مما يجعلها في وضع يسمح لها بالتحالف مع الأيرلنديين. يبقى أن تتعدى العقبات داخل حزبها الذي تأثر سلبا من قرارها حل البرلمان و تنظيم انتخابات سابقة لأوانه.

ورحبت بورصة لندن بالنتائج بتسجيل ارتفاع بنسبة 75،0 % مع انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني بنقطتين مقارنة بالدولار وهو ما يرجع بالنفع للشركات البريطانية في عمليات التصدير في العالم. هذه الإشارة زادت تيريزا عزما في المضي قدما و البقاء في الحكم. لكن حزبها غضب من النتائج و عبر بعض المسؤولين داخله عن استحالة تيريزا ماي الحفاظ على نفس التوجه الذي دافعت عنه خلال الحملة الانتخابية. و قال وزير المالية السابق جورج أوزبورن للصحافة :«بعد هذه النتائج، سياسة «البريكسيت الحازم» ترمى في سلة المهملات».

غموض في الموقف من أوروبا
مع فشل تيريزا ماي في الحصول على أغلبية مطلقة في مجلس العموم سوف تضطر إلى تشكيل حكومة ائتلافية تتقاسم فيها القرار مع حزب وحدة الديمقراطيين الأيرلندي بدون التمتع بأغلبية ساحقة تحميها من سلطة البرلمان. ومع تقدم الحزب العمالي تصبح إمكانية اتخاذ موقف حازم تجاه أوروبا في المفاوضات حول الخروج من الإتحاد شبه مستحيلة. وهو ما جعل الموقف البريطاني اثر الانتخابات غير واضح. ولم توضح في خطابها من 10 داونينغ ستريت اثر لقائها الملكة موقفها من المفاوضات مع أوروبا. بل حرصت على القول بانها سوف تتخذ اجراءات حازمة ضد الحركات الإرهابية و دعم وحدة الأمة البريطانية و تشكيل سياسات لفائدة الجميع. ولا بد للوزيرة الأولى من بعض الوقت لبلورة موقف واضح تجاه أوروبا خاصة أن الرأي العام البريطاني لم يتمكن من الوقوف على رأي واضح للوزيرة الأولى التي غيرت موقفها من مساند للبقاء في أوروبا خلال الاستفتاء إلى مناصر شرس لسياسة حازمة ضد أوروبا في مفاوضات «البريكسيت».

من ناحية أخرى عبر عدد من القادة الأوروبيين ،و في مقدمتهم جون كلود يونكر رئيس المفوضية، على استعدادهم للدخول في مفاوضات الخروج من الإتحاد . واعتبر الوزير الأول الفرنسي إدوار فيليب أن «نتائج الانتخابات لا تلغي البريكسيت». و اعتبرت فرنسا أن ذلك يفتح إمكانيات أمام فرنسا و أوروبا و أن النتائج تمثل درسا للحكومات التي تفكر في الخروج من الإتحاد. الصحافة الألمانية عبرت عن ضبابية الموقف في لندن و تخوفها من عدم قدرة الحكومة البريطانية على بلورة موقف واضح في حين عبرت المستشارة الألمانية عن عزمها إعطاء بريطانيا الوقت اللازم لتحضير ملفاتها. اخذت بعض الصحف في برلين تحلم بزمن «الإيكسيت» من «البريكسيت»، أي الخروج من الخروج من الإتحاد.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115